أفغان اعتقلتهم القوات الأميركية خطأ يتحدثون عن ضرب وسوء معاملة ويطالبون بأكثر من مجرد اعتذار

TT

قال سجناء افغان اعتقلتهم القوات الاميركية خلال هجومها على هذه البلدة الشهر الماضي، انهم تعرضوا للضرب والاهانة من قبل الجنود الاميركيين، رغم تأكيدهم على انهم أيدوا رئيس الحكومة الافغانية المؤقتة حميد كرزاي.

وكان هؤلاء السجناء من بين 27 افغانيا اطلق سراحهم يوم الخميس بعدما امضوا 16 يوما في معتقل داخل القاعدة الاميركية في قندهار، التي تبعد قرابة 150 ميلا جنوب غرب عرس جان.

واعترفت وزارة الدفاع الاميركية بأن الهجمات المذكورة تمت عن طريق الخطأ، وفقا لما يبدو انها معلومات استخبارية غير دقيقة، وان السجناء لم يكونوا لا اعضاء في تنظيم «القاعدة» ولا مقاتلين تابعين لحركة طالبان. حينها قال مسؤولون ان الهجمات اسفرت عن مقتل قرابة 21 شخصا، بينما ذكرت وزارة الدفاع الاميركية ان ما لا يقل عن 15 شخصا قتلوا.

وهذه المعلومات المتعلقة بسوء معاملة اربعة من السجناء، بمن فيهم مسؤول الشرطة المحلية، تلقي الضوء على ما يحدث في معسكر الاعتقال الاميركي وفقا لوجهات نظر افغانية، حيث قال عبد الرؤوف، وهو مسؤول الشرطة في هذه البلدة الجبلية الصغيرة، وهو في الـ60 من العمر، انه تعرض للضرب والركل حتى تحطمت عظامه وان الجنود الاميركيين انهالوا عليه باللكمات عندما اقتحموا مقر الشرطة مساء ليلة 23 ـ 24 يناير (كانون الثاني) الماضي، واصطحبوه ورجاله الى السجن. وفقا لما صرح به عبد الرؤوف الذي تحدث في منزله وهو طريح الفراش وتبدو عليه علامات التعب مما لقيه من معاملة، فان ضابطا اميركيا اعتذر له عندما اطلق سراحه، وطلب منه المسامحة قائلا له ان القبض عليه كان خطأ، لكن عبد الرؤوف قال «لا يمكنني البتة ان اسامحهم. ولا يمكن ان افهم لماذا قاموا بقصفنا وبكل هذا؟».

ويذكر ان متحدثا باسم وزارة الدفاع الاميركية في واشنطن قال ان الوزارة لن تعلق على الشكاوى حتى استكمال تحقيق رسمي تجريه القيادة المركزية للقوات الاميركية.

وكانت القوات الخاصة الاميركية قد اقتحمت مجمعين في عرس جان خلال بضع دقائق، وهما مدرسة صغيرة حيث كانت مجموعة من موظفي اللجنة الحكومية لنزع السلاح قد اتخذتها مقرا لها، اضافة الى مقر الشرطة المحلية المدنية، حيث يتمركز 30 رجل شرطة اضافة الى 6 سجناء في المقر، واحتوى المجمعان على مخازن ما زالت مملؤة بالاسلحة التي تركها رجال طالبان او تم الاستيلاء عليها منهم.

ومن بين الرجال الذين قتلوا في المدرسة كان هناك اثنان من كبار القادة العسكريين الموالين لكرزاي بينما قتل اثنان من الحرس في مقر الشرطة المحلية، حسبما قال الناجون من الهجمات الاميركية امس.

واعترف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد خلال الاسبوع الماضي بان القوات الاميركية قد تكون قتلت موالين محليين خلال الهجوم.

وعلى الرغم من تأييد الحكومة الافغانية المتواصل للعمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة من اجل القضاء على مقاتلي طالبان والقاعدة، يقول المسؤولون المحليون ان الوقت قد حان لكي يتم وضع نهاية للقصف وللهجمات البرية، وذلك تجنبا لارتكاب المزيد من الاخطاء والخسائر البشرية.

وكما قال عزيز الله اغا الرئيس الجديد للجنة نزع الاسلحة الحكومية هنا، والذي توفي تسعة من اقاربه خلال القصف في شهر نوفمبر (تشرين الثاني): «لا توجد حاجة لمزيد من الهجمات، واذا ما توفرت لنا معلومات على سبيل المثال حول مكان وجود زعيم طالبان الملا عمر، فانا استطيع شخصيا ان اتفاوض معه او ان ابعث اليه بالجنود». واضاف اغا: «لا اعلم لماذا يرتكبون عددا كبيرا من الاخطاء.. رغم ان الخطأ الاخير كان كبيرا للغاية».

واستطرد اغا البالغ من العمر 58 عاما انه تقبل في مراحل سابقة الاخطاء لانها كانت قريبة للغاية من مواقع طالبان، اما هنا «فلا توجد اي من طالبان او القاعدة، كانت هناك فقط لجنة تعمل لصالح الحكومة، وتقوم بجمع الاسلحة».

من جانبه، اعرب حاكم اقليم عرس جان، جان محمد، هو الآخر عن غضبه خلال مقابلة اجريت معه في عاصمة الاقليم، تيرين كوت، حيث قال ان لديه 30 جنديا من افراد القوات الخاصة الاميركية يعملون معه ويقيمون في مقره الرسمي بينما يقوم عدد آخر من الاميركيين بقتل رجاله على بعد 100 ميل.

وقال عبد الرؤوف انه كان نائما مع حرسه في مقر الشرطة عندما ايقظتهم صرخات وطلقات نارية عند الساعة الثالثة صباح ذلك اليوم، وانه ادرك ان الاميركيين كانوا بالخارج، ثم خرج اليهم محدثا اياهم باللغة الباشتونية. واوضح قائلا: «لقد قلت لهم اننا اصدقاؤكم لكنهم لم يستمعوا لي.. واخبرت رجالي انهم اصدقاؤنا، لكن الجنود الاميركيين اقتحموا المكان وبدأوا بضربي».

ووصف عبد الرؤوف ذلك المشهد قائلا: «قاموا بركلي في صدري بعدما طرحوني ارضا. وشعرت بان عظامي تهشمت. حينها استلقيت جانبا لكنهم واصلوا ركلي في ظهري وعند كليتاي، حتى اغمي علي».

وبعدما استعاد وعيه وجد نفسه مكبلا وبجواره احد رجاله وقد لقي مصرعه. كما وجد رجاله وقد استسلموا بدون مقاومة تذكر. كما جاء في اقواله.

اثنان من رجاله تحدثا اول من امس للصحافيين، وهما نور الله، البالغ من العمر 40 عاما، وضياء الدين، البالغ من العمر 50 عاما، ويبدو انهما كانا مزارعين قبل ان ينضما لقوات الشرطة كأفراد حراسة بعد الاطاحة بحركة طالبان. والى جانبهما كان هناك حارس ثالث هو اخطر محمد الذي ما يزال فتى مراهقا.

جميعهم قالوا ان الجنود الاميركيين ضربوهم وركلوهم وهم في مقر الشرطة قبل ان يتم تكبيل اياديهم وارجلهم، ويرحلوا بواسطة طائرات الهليكوبتر ثم ينقلوا الى قندهار. وهناك تم اجبارهم على الاستلقاء ارضا واوجههم فوق التراب في ارضية المستودع، وحتى انقضاء تلك الليلة تعرضوا للمزيد من الركلات واللكمات العنيفة، حسبما قالوا.

اما عبد الرؤوف فقد اضاف «كانوا يقومون بالمشي فوق ظهورنا ويركلوننا». وعندما كان يستعد لاداء الصلاة، قام جندي بضربه في مؤخرة رأسه ضاربا بانفه في الارض. وبدت على انفه آثار جرح اصابة. اما ضياء الدين، الذي يستخدم اسما مفردا، فقال انه هو الآخر تعرض للضرب في رأسه، وانه فقد احدى اسنانه عندما اصطدم رأسه بالارض.

وقال محمد انه تعرض للرفع الى الاعلى ثم القائه ارضا ثلاث مرات من قبل الجنود، حتى فقد وعيه خلال المرة الثالثة بعدما تعرض رأسه لاصابة. واضاف «كنت خائفا للغاية ولم اتوقع البقاء على قيد الحياة وان ارى عائلتي مرة اخرى»، موضحا انه في صباح اليوم التالي وجد نفسه مع السجناء الآخرين في مخزن كبير تقسمه اعمدة خشبية ويعلوه سقف من القماش.

وبعد يومين تاليين تم سحبه ووضعه في مكان خاص داخل حاوية حديدية تستخدم لنقل البضائع، ولمدة ثمانية ايام، تعرض خلالها للتحقيق باسلوب عدائي كما وصفه. واضاف ان جنديين اميركيين كانا يحرسان الباب المفتوح للحاوية وقد طلبا منه الجلوس ارضا وان يبقي عينيه مفتوحتين.

وقال معظم الرجال ان استجوابهم تم بطريقة لطيفة، لكن ذلك حدث بعد اليوم الاول من توقف الضرب، وربما بعدما قال جميعهم للاميركيين انهم من مؤيدي كرزاي. ومع نهاية اليوم الـ16 لاحتجازهم قيل لهم بانهم سيكونون احرارا ووزعت عليهم ملابس جديدة وقبعات صوف واحذية.

وضم ضابط اميركي كلتا ذراعيه معا تعبيرا عن الاعتذار، كما قال لهم مترجم شارحا الامر بانه «كان خطأ».

وقال نور: «لست غاضبا من الاميركيين لان ما حدث كان خطأ. ويبدو ان البعض قدم لهم معلومات غير صحيحة».

اما عبد القدوس عرفاني المسؤول الجديد عن المنطقة والذي عين مؤخرا فقد قال: هؤلاء السجناء محظوظون لانهم ما يزالون على قيد الحياة».

لكن اقارب الرجال القتلى يشعرون بالغضب ويطالبون بمعرفة من زود الاميركيين بالمعلومات غير الصحيحة. وكما قال عرفاني: «اننا نعاني من مشكلة كبيرة ونحن نحاول اقناعهم بان ما حدث كان خطأ».

لا يمكن لاحد ان يشير الى اسم مشتبه فيه، لكن المسؤولين هنا يصرون على انه بالرغم من الخلافات الداخلية، لا يمكن لاحد من عرس جان ان يكون قد زود القوات الاميركية بمعلومات وطلب منها ان تقوم بما فعلته... واوضح عرفاني «لا يمكن لاعتذار بسيط ان يحل المشكلة. فالاميركيون يعرفون من الذي زودهم بالمعلومات. وذلك الرجل هو عدو هذه الحكومة وهذا البلد. ولا بد من تسليمه لهذه الحكومة ومن اعدامه».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»