نظرية جديدة: السرعة العالية لإحدى طائرتي الانتحاريين سببت انهيار البرج الجنوبي قبل الشمالي في مركز التجارة العالمي

الطائرة حلقت بسرعة تفوق سرعتها التصميمية وكادت تنشطر في الجو قبل ارتطامها بالبرج

TT

حاول الباحثون ان يفسروا لماذا انهار البرج الجنوبي قبل الشمالي مع انه ضرب بعده. وقد ركزوا بحثهم حول حقيقة ان الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي كانت سرعتها 582 ميلا في الساعة، لحظة الارتطام، أي اسرع بـ100 ميل في الساعة من الطائرة المخطوفة الاخرى. وقد حسبت سرعة الطائرتين لحظة الارتطام بمشقة حقيقية، اذ لجأ الباحثون الى صور الفيديو والرادار وحتى الى الاصوات المسجلة للطائرتين وهما تمران فوق الرؤوس.

ظهر الآن تقديران من قبل علماء يعملون للحكومة واخرين يعملون باستقلال عنها. وكلاهما يوضحان ان الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي الساعة 02:9 صباحا وهي طائرة يونايتد ايرلاينز الرحلة 175، اقتربت من المبنى بسرعة عالية جدا بالقياس مع سرعة الطائرة الاخرى، اميركان ايرلاينز الرحلة 11، التي ضربت البرج الشمالي الساعة 46:8 صباحا.

وقال مسؤول في شركة بوينغ ان طائرة يونايتد كانت تطير بسرعة كان من الممكن ان تجعلها تنشطر في الجو عندما قامت بانعطافها النهائي نحو البرج. فقد كانت البوينغ 767 ـ 200 تطير بسرعة تفوق بكثير سرعتها التصميمية لمثل هذا الارتفاع. وقالت ليز فيرديير، الناطقة باسم شركة بوينغ: «هؤلاء الاشخاص تخطوا سرعة الهبوط الاضطراري الفجائي. ما فعلوه ليس موجودا في اللوائح».

ولكن سرعة الطائرتين لن تكون هي العامل الوحيد الهام في تفسير انهيار البرج الجنوبي، الذي ضرب بين الطابقين 78 و84، بعد 56 دقيقة، بينما انهار البرج الشمالي الذي اصيب بين الطابقين 94 و99 بعد 102 دقيقة. وفي التحليل الاخير فان تفاعل التدمير الهيكلي وحجم النيران، التي اشعلتها الاف الغالونات من وقود الطائرات، هي التي ادت الى انهيار البرجين. في نفس الوقت فان البرج الجنوبي اصيب في نقطة ادنى، مما يعني ان هناك وزنا اكبر يضغط على الطوابق المدمرة.

ولكن الباحثين يقولون ان الفرق في ثبات المبنيين، والذي كان له اثر مباشر على فرص الناس في النجاة، يمكن ارجاعه جزئيا على الاقل الى سرعة الطائرتين.

وقال الدكتور جيريمي كونور، البروفيسور في الهندسة المدنية بمعهد ماساتشوتيس للتقنية: «من الواضح ان احدى الطائرتين كانت اسرع ومزودة بالتالي بطاقة اكثر. واذا اصيب احد المبنيين بدمار اكبر، فان النيران ستستغرق وقتا اقل في الاشتعال بالمستوى الذي تسقط به البناء. وهذا هو التفسير لكون البرج الذي اصيب أخيرا سقط اولا».

وقال كثير من الطيارين ان السرعة المرتفعة لطائرة يونايتد ستكون قد عقدت مهمة الخاطفين، لانه سيكون من الصعب تحقيق التوازن المطلوب في اتجاه الطائرة. وستكون هناك اصوات عالية ومتكررة لشارات الانذار في المقصورة.

وقال تيم اوتول، الطيار السابق بطائرة بوينغ 767، والمسؤول حاليا في شعبة السلامة في رابطة الطيارين: «كلما كانت السرعة عالية، ضاق المكان وقل الزمان لاصلاح الخطا." ولم يتم العثور على مسجلات المعلومات الملاحية لاي من الطائرتين. وقال مسؤولو بوينغ ان هذه الصناديق السوداء ليست مصممة لتحمل قوة الارتطام التي تعرضت لها في الهجوم.ولكن باحثا بمعهد ماساتشوتيس للتقنية تمكن من تقدير سرعة الطائرتين عن طريق الدراسة المتأنية لصور الفيديو الخاصة بالحادثتين. كما اصدرت ادارة الملاحة الفيدرالية، بالتعاون مع هيئة سلامة المواصلات، تقديراتها الخاصة المبنية على بحث معلومات الرادار والفيديو.

ويقول تقرير معهد ماساتشوتيس للتقنية الذي اصدره البروفسور ادواردو كلاوس، استاذ الهندسة المدنية والبيئية، ان طائرة يونايتد كانت تطير بسرعة 537 ميلا في الساعة، بينما كانت طائرة اميركان تطير بسرعة 429 ميلا في الساعة تقريبا. بينما قال مكتب المباحث الفيدرالي ان التقدير الحكومي هو ان طائرة يونايتد كانت تطير بسرعة 586 ميلا في الساعة وطائرة اميركان كانت تطير بسرعة 494 ميلا في الساعة. وفي الحالتين فان الطائرتين كانتا تطيران بسرعتين لا ينبغي الوصول اليهما على ذلك الارتفاع. والحد الاقصى الذي تسمح به الهيئة على ارتفاع 10 آلاف قدم هو 287 ميلا في الساعة.

ولم يستطع المحققون ان يحددوا بدقة لماذا كانت احدى الطائرتين تطير بسرعة اكبر من الاخرى. ربما يتعلق الامر باختيارات صدفية لطيارين مبتدئين، وربما خشيت المجموعة الثانية من الخاطفين من اسقاطها في الجو. ولكن المهم هو ان السرعة كانت عاملا هاما لحظة الارتطام. فطاقة الحركة التي يحملها أي جسم، وتسمى الطاقة الحركية، تختلف بنسبة تربيع سرعتها، ولذلك فان الاختلافات الطفيفة في السرعة يمكن ان تؤدي الى فرق هائل في كمية الطاقة التي يتوجب على المبنى امتصاصها. ولذلك فمع ان طائرة يونايتد كانت اسرع بنسبة الربع قياسا الى طائرة اميركان، الا ان حجم الطاقة الذي تطلقه عند الارتطام سيكون اكبر بمقدار 50 في المائة من الطائرة الاخرى. وقال الدكتور كاوسيل «ان هذا الفرق هائل بكل المقاييس».

ويقول فريق اخر بمعهد ماساتشوتيس للتقنية ان طائرة بوينغ 767، تزن 132 طنا، تطير بسرعة 500 ميل في الساعة، يمكن ان تولد ثلاثة بلايين جول عند الارتطام. وهذا يعادل القوة الانفجارية لثلاثة ارباع طن من مادة الـ«تي. إن. تي».

وقال الدكتور توماز ويزبيكي، الاستاذ في الميكانيكا التطبيقية بمعهد ماساتشوتيس للتقنية ان حوالي 6 في المائة فقط من تلك الطاقة كافية لقطع اكثر من 30 عمودا خارجيا من الفولاذ، وان 25 في المائة منها كافية لتدمير البنية التحتية للطابق، وان 56 في المائة منها كافية لتدمير الاعمدة الهيكلية في المحور الداخلي للبناء. وقال الاستاذ الذي اجرى ابحاثه مع الطالب ليانغ زو، ان الطاقة التي ضربت قلب البناء ربما كانت كافية لتدمير 23 من الاعمدة الـ47 الموجودة بالمحور الداخلي للبناء. وقال ان قدرا اكبر من الاعمدة يمكن تدميره اذا كانت السرعة اكبر.

واختلف خبراء الطيران حول مدى الصعوبة التي واجهها الخاطفون الذين لم تكن لديهم سوى خبرة محدودة جدا، وربما لم يكونوا قد قادوا طائرة تجارية من قبل، فضلا عن ان السرعة العالية ستكون قد زادت من تعقيد المهمة.

والسرعة المعتادة لطائرة بوينغ 767 ـ 200 على ارتفاع 35 ألف قدم هي 530 ميلا في الساعة. وكلما هبطت الطائرة الى ارتفاعات اقل، اصبح الهواء اكثر كثافة، واضطرت الطائرة لتخفيض سرعتها تفاديا للضغط الشديد. وقال بعض طياريي البوينغ 767 ان تحليقها على ارتفاع 1000 الى 1500 قدم لا يمنع طيرانها بسرعة 580 ميلا في الساعة او اكثر، وربما لا يهدد سلامة الطائرة الهيكلية. ولكن استدارة الطائرة الى الاتجاه المطلوب على ذلك الارتفاع، والمحافظة على حركة العلو والانخفاض تعد امرا صعبا خاصة بالنسبة لطيار مبتدئ. كما ان الاستدارة على ذلك الارتفاع ستكون قد سببت ضغطا غير عادي داخل الطائرة.

وكان يمكن للطيار الآلي ان يوجه الخاطفين الى مانهاتن اذا عرفوا كيف يدخلون احداثيات معينة في نظام التحكم الآلي الخاص بالملاحة. ولكن الخاطفين عندما اقتربوا من المدينة اضطروا دون ادنى ريب الى التحكم في الطائرة يدويا، لأن الطيار الآلي ليس من الدقة، في حالة الطيران، بحيث يصيب مركز مبنى من المباني. وتوضح صور الفيديو لطائرة يونايتد 175، وهي تقترب من البرج الجنوبي، انها مالت غربا في اللحظات الاخيرة، وارتفع جناحها الايمن الى اعلى بينما هبط جناحها الايسر. وربما قصد الخاطفون من تلك المناورة زيادة الدمار الذي ينوون الحاقه بالمبنى. ولكن اخرين فسروه بانتباه الخاطف الى انه على وشك ان يخطئ اصابة المبنى.

وقال ريتشارد فاريلو، القبطان السابق بشركة تي دبليو ايه والذي يعمل مستشارا لـ«ناسا» حاليا:

«كان ذلك من علامات الحظ التعيس. فاذا حكمنا بالاتجاه الذي كان يسير فيه، فانه كان يمكن ان يصيب المبنى باحد الجناحين لا أكثر. وكان يمكن ان تقف المسألة عند هذا الحد».

ولم يستطع المهندسون المعماريون ان يحددوا مدى أهمية دور سرعة الطائرتين في تدمير البرجين. وفضلا عن ان الطائرة الثانية ضربت في نقطة ادنى، فانها ضربت كذلك بمسافة اقرب الى واجهة البرج، مما يجعل من الصعب على البناية توزيع الضغط على الاعمدة التي كانت ما تزال قائمة وقتها.

وقال الدكتور شيام صندر، رئيس قسم الانشاءات بالمبنى، انه من المهم أولا وقبل كل شيء تحديد مدى الارتطام وطاقته، حتى يصبح من الممكن معرفة أية نقاط ضعف اخرى ادت الى انهيار المبنى في النهاية.

واذا كانت الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي تطير بسرعة اقل، واذا كان البرج قد صمد لفترة اطول، فانه لن يكون واضحا مع ذلك كم من الناس يمكن ان ينجوا من الموت. ومع ان البرج الجنوبي سقط في 46 دقيقة فقط، الا ان الذين ماتوا فيه كانوا اقل من اولئك الذين ماتوا في البرج الشمالي. وهذا يرجع في الغالب الى ان اولئك الذين كانوا بالطوابق العليا غادروا المبنى اثناء الدقائق الـ16 الفاصلة بين الضربتين. ولكن مزيدا من الوقت كان من الممكن ان يتيح للباقين فرصة الوصول الى مخرج الطوارئ الوحيد الذي كان ما يزال قابلا للاستعمال.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»