مسؤولون وخبراء روس يتوقعون انتقال الحرب ضد الإرهاب إلى منطقة القوقاز

الروس اعترضوا مكالمة للقائد خطاب بحث فيها نقل أموال الى الشيشان وأعرب عن المخاوف من اغتياله

TT

يبدو أن النقطة الساخنة المقبلة للحرب ضد الارهاب قد تنتقل الى بانكيسي جورجي، وهي منطقة متمردة في جورجيا تأوي المقاتلين الشيشان. ففي هذا الممر الجبلي النائي، كما يقول مسؤولون روس وأميركيون، ربما يوجد مقاتلو تنظيم «القاعدة» الذين فروا من أفغانستان، وربما يكون اسامة بن لادن ايضا مختبئاً في هذا المكان.

وكان القائم بالاعمال الاميركي لدى جورجيا فيليب ريملر قد قال لصحيفة محلية أوائل الشهر الحالي إن عشرات من المقاتلين العرب «الذين لهم علاقة بابن لادن» قد يكونون ضمن ما يقرب من 7 آلاف لاجئ شيشاني في المنطقة. وخلال الأسبوع الماضي، تردد الحديث عن شن عمل عسكري مشترك بين روسيا وجورجيا في المنطقة.

وكانت ملاحظات ريملر بالنسبة للكرملين الروسي دليلا واضحا على ان الولايات المتحدة قبلت أخيرا زعم روسيا الذي رددته مرارا بأن المقاتلين الشيشان الذين ينتشرون في دول القوقاز المجاورة ليسوا فقط حركة استقلالية محلية، وانما أصبحوا يشكلون دعما كبيرا لشبكة بن لادن.

ورغم الاعتقاد بأن الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان قد أدت إلى إغلاق أبواب هذا البلد، فان مناطق يسيطر عليها المقاتلون الشيشان، مثل بانكيسي جورجي، ما تزال مفتوحة لعملياتهم، كما يقول الروس.

وطبقا لما أوردته مصادر أمنية روسية، فإن هناك ما بين 600 و1500 مقاتل أجنبي لا يزالون في الشيشان، يحصلون على المال والسلاح من تنظيم «القاعدة» ومن مجموعات أخرى عبر نفس القنوات المخفية التي أعدت لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي في الولايات المتحدة. وقبل أن تغزو القوات الروسية الشيشان وتحتلها عام 1999، كان هناك 15 معسكرا لتدريب المتشددين، الذين استخدموا نفس المواد والكتب الارشادية التي عثرت عليها القوات الأميركية في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان، حسب ما يذكر المسؤولون الروس.

ويقول سيرغي إيغناشينكو، نائب المتحدث باسم جهاز الأمن الروسي «إف. إس. بي»، الذي يشرف على عمليات موسكو الأمنية في الشيشان وحل مكان وكالة «كي. جي. بي» الاستخباراتية السوفياتية السابقة «إننا نتحدث عن شبكة عالمية تتقاسم نفس مصادر التمويل والدعم السياسي والأسلحة والتدريب والفكر والعمليات في الشيشان وأفغانستان وفي العديد من الأماكن الأخرى. وهؤلاء لا يبحثون عن الاستقلال أو القومية. إنهم إرهابيون عالميون يخضعون للتعليمات ويجمعهم هدف واحد: الاستيلاء على السلطة».

لكن منتقدي الحكومة الروسية يقولون إن الكرملين يبالغ في الحديث عن مدى التعاون بين المقاتلين الشيشان والمقاتلين الأجانب، في الوقت الذي يتجاهل دور موسكو في زعزعة استقرار الشيشان في أواسط الثمانينات.

فالشيشان، جمهورية إسلامية من حيث الثقافة يسكنها قرابة مليون نسمة وتقع في منطقة شمال القوقاز الغنية بالنفط. وقد أعلنت استقلالها عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. لكن القوات الروسية غزت الشيشان عام 1994 وأدت نتائج ذلك الى حرب مدمرة استمرت نحو 20 شهرا واسفرت عن مقتل قرابة 60 الف شخص، إضافة إلى تدمير معظم البنية الأساسية للجمهورية. وقد انسحبت القوات الروسية عام 1996 بعد تعرضها لهزيمة من المقاتلين الشيشان الاشداء.

وقبل انتهاء تلك الحرب تمكنت القوات الروسية الخاصة من اغتيال الأب الروحي لاستقلال الشيشان جوهر دوداييف، بواسطة عبوة ناسفة وضعت في جهاز اتصالاته عبر الأقمار الصناعية. وكما يقول الكسندر اسكندريان، مدير المركز المستقل لدراسات القوقاز في موسكو «كان دوداييف قوميا علمانيا، ولم يكن لحركة الاستقلال في الشيشان أي دافع ديني على الاطلاق. لكن تدفق المال الخارجي والفكر (الاسلامي) حدث في ما بعد، وكان إلى حد ما نتيجة حتمية لتدهور الأوضاع في الشيشان. مع ان التمرد في الشيشان ظل مستندا في الأساس الى فكرة النضال من أجل الاستقلال عن روسيا. الأمر الذي يتطلب حلا سياسيا وليس عسكريا».

ويطرح عدد آخر من الخبراء الروس انه مهما كان حجم الخطأ في الماضي، فان الوضع في الشيشان وفي الأقاليم المجاورة لها أصبح اليوم يشكل تهديدا للأمن العالمي ويجب التعامل معه بصرامة. ويقول غريغوري بوندارفسكي، الخبير الروسي والمستشار الحكومي لشؤون الحركات الاسلامية «حذرنا الغرب لسنوات عديدة من أن نوعا جديدا من الارهاب كان ينمو في وسط آسيا وفي الشيشان وانه يستعد لمهاجمة العالم. إنهم جماعات حسنة التمويل ومطيعة للغاية، ويخضعون لسيطرة محكمة. والحدود بالنسبة اليهم لا تعني شيئا. كان لا بد من حدوث مأساة 11 سبتمبر (ايلول) الماضي لكي يفهم الأميركيون ما كنا نتحدث بشأنه».

وقد امتنع إيغناشينكو عن الدخول في تفاصيل الصراع الروسي ـ الشيشاني الذي يعود تاريخه إلى 200 عام. لكنه يصر على انه بعد إجبار القوات الروسية على الانسحاب عام 1996، اتجهت الجمهورية الصغيرة إلى عهد اللامبالاة.

وطبقا لمصادر جهاز الأمن الروسي «إف. إس. بي»، فإن قادة الحرب في الشيشان، بمن فيهم العربي الأصل خطاب، بدأوا حينها بتكوين جيوش صغيرة مرتبطة بشبكة إرهابية عالمية. وخلال صيف 1999 قامت قوات بقيادة خطاب والقائد الآخر شامل باساييف، بغزو جمهورية داغستان الروسية المجاورة. حينها أدت سلسلة من التفجيرات إلى مقتل 3 آلاف روسي. وخلال شهر أكتوبر (تشرين الاول) من نفس العام قررت روسيا غزو الشيشان. ويؤكد جهاز الأمن الروسي على أن تفجيرات 1999 كانت من عمل نفس الأشخاص الذين خططوا لهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، على الرغم من ان ذلك لم يثبت بعد.

ومع إن الشيشان تخضع تقريباً للاحتلال بالكامل، فان الحرب فيها ما زالت تحصد ما يقرب من 10 جنود روس أسبوعيا، كما أدت إلى تشريد ما يقرب من ربع مليون لاجئ شيشاني في المناطق المجاورة بما فيها منطقة بانكيسي جورجي في جورجيا. ويقول جهاز الأمن الروسي إن هناك قرابة الفي مسلح في المنطقة، معظمهم قد يكونون من الشيشان.

وبينما لا تزال الحكومات الغربية تنتقد موسكو بسبب ما تردد عن انتهاكات حقوق الانسان خلال الحرب التي استمرت قرابة 28 شهرا في الشيشان، فان هناك تأكيدات على أهمية التعاون مع روسيا في أعقاب هجمات سبتمبر في ما يتعلق بالحملة العالمية ضد الارهاب. ومن بين الأشياء التي أبدى ايغناشينكو استعداده لعرضها على الصحافيين هناك، شريط مسجل لمحادثات هاتفية عبر الأقمار الصناعية تم اعتراضها، وكانت باللغة العربية، بين خطاب وبعض أنصار المقاتلين في الشيشان ممن يعملون في السعودية وفي غيرها من الدول. وأشارت ترجمة باللغة الروسية للمحادثات التي وفرها جهاز الأمن الروسي إلى ان خطاب كان مشغولا بتحويل أموال من مصادر غير محددة إلى الشيشان، من أجل الحصول على معدات اتصالات أفضل لقواته، ومن أجل نقل المقاتلين الجرحى لتلقى العلاج في السعودية. وتكشف الترجمة أيضا مخاوف خطاب بشأن استخدام هاتفه عبر الأقمار الصناعية وهي مخاوف معقولة بالنظر إلى ما أصاب دوداييف.

ويؤكد جهاز الامن الروسي كذلك على إن «مئات» المقاتلين الشيشان قاتلوا في صفوف حركة طالبان و«القاعدة» في أفغانستان. ويقول إيغناشينكو «كان الشيشان مطلوبين للغاية لانهم يعتبرون من افضل خبراء حرب الألغام».

وعلى الرغم من ان واشنطن لم تكشف حتى اليوم عن هويات جميع سجناء «القاعدة» وطالبان الموجودين في قاعدة غوانتانامو بكوبا، فان إيغناشينكو يقول إن بينهم «العديد» من الشيشان. ويضيف أن البعض منهم تخلصوا من جوازات سفرهم الروسية ويتنكرون بأنهم أفغان.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»