شيراك يرحب بالأفكار السعودية ويعتبرها تؤسس لحل عادل ودائم في الشرق الأوسط

TT

وصف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأفكار التي أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في السابع عشر من الشهر الحالي بأنها «قوية وشجاعة» وعبّر عن «ترحيب» فرنسا بها «كما فعلت المجموعة الدولية».

وأعلن الرئيس الفرنسي ان هذه الافكار «تسير في الطريق الصحيح» لجهة طرح «مبادئ حل عادل ودائم في الشرق الأوسط» أي الأرض مقابل السلام، مضيفاً انها «تقوّي الآمال التي يمكن ان نعقدها» في هذا الاطار.

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي ظهر امس عقب اجتماعه بوزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس الذي قام بزيارة عمل االى فرنسا التقى خلالها ايضاً رئيس الحكومة ليونيل جوسبان ووزير الخارجية هوبير فيدرين. وقد التقى بيريس صباح امس كبار ممثلي الجالية اليهودية في فرنسا لمناقشة مسألة التصاعد المزعوم للأعمال المعادية للسامية في فرنسا والتي أثارت تصريحات ارييل شارون بشأنها ردة فعل عنيفة من قبل المسؤولين الفرنسيين.

ودعا الرئيس شيراك الى اعتبار الأفكار السعودية مساهمة للخروج من المأزق الراهن ومن دوامة العنف. وكان شيراك يرد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول امكانية وجود تنسيق بين الأفكار الفرنسية والأوروبية والمقترحات السعودية. وأعلن مصدر رئاسي فرنسي ان باريس «تدعم الأفكار السعودية» وانها «توليها الأهمية» التي تتمتع بها، فيما ذكر مصدر دبلوماسي في العاصمة الفرنسية انه «يعود للمسؤولين السعوديين ان يقرروا الشكل والاطار والطريقة» التي ستخرج بها هذه الأفكار ملمحاً الى امكانية ان تتبناها القمة العربية في بيروت التي ستعقد الشهر القادم وان تحولها الى «مبادرة عربية».

وأفادت المصادر الفرنسية ان باريس على اتصال بالمملكة العربية السعودية لمعرفة المزيد عن هذه الأفكار فيما يرجّح ان يسعى الوزير فيدرين، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في مدينة غرناطة الاسبانية، للحصول على توضيحات اضافية حول هذه الأفكار وحول ردود الفعل العربية عليها وخصوصاً الخليجية.

وتعليقاً على الردود الأميركية على الأفكار السعودية، أفادت هذه المصادر انه من الطبيعي ان ترحب واشنطن بها «لكن الأولوية الأميركية في الوقت الحاضر تذهب الى الملف الأمني بحيث ان الادارة الأميركية تريد «بالدرجة الأولى وقف العنف والارهاب والعودة الى حالة أمنية طبيعية قبل النظر بأي شيء آخر». وهذا الموقف الذي يساير شارون يبتعد كثيراً عن الموقف الفرنسي والأوروبي الذي يقول بأن «الأفق السياسي» يجب ان يفتح لأنه الوحيد الذي يساعد على تثبيت الأمن.

وأمس، وصف بيريس الأفكار السعودية بأنها «ذات اهمية استثنائية» فيما اشتدّ النقاش الداخلي في اسرائيل حول هذه الأفكار. واعتبر بيريس ان هذه الأفكار، التي تقوم على انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي العربية مقابل تطبيع عربي للعلاقات مع اسرائيل «من شأنها ان تساعد عرفات على تحديد خياراته» وانها «تخلق مناخاً ايجابياً في المنطقة» كما انها «المرة الأولى التي تعلن فيها السعودية، بشكل مفتوح، وقوفها الى جانب مسيرة السلام في الشرق الأوسط».

وبأي حال، فان الرئيس شيراك أعرب عن «رغبة فرنسا» في ان تعتبر الأفكار السعودية «عنصراً» من العناصر المطروحة في الوقت الحاضر، الى جانب الأفكار الفرنسية والأوروبية والى جانب خطة بيريس ـ ابو علاء، «يسمح بالخروج من المأزق».

وجاءت زيارة بيريس الى باريس في محاولة للترويج لهذه الخطة. وبالفعل، فان شيراك وكذلك جوسبان ثم فيدرين، طمأنوا وزير الخارجية الاسرائيلي الى ان فرنسا «تدعم بقوة» هذه الخطة. وبالمقابل، فان شيراك دعا الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي شارون الى الالتقاء «مباشرة ومن غير شروط» ومعتبراً ان مثل هذا اللقاء يحمل «قوة رمزية» لجهة الاستجابة لحاجة الفلسطينيين والاسرائيليين الى العيش بسلام. غير ان شيراك عاد ليذكر بأن عودة الطرفين الى طاولة المفاوضات «تحتاج الى التزام قوي من قبل الولايات المتحدة الأميركية (اولاً) وكذلك من اوروبا».

وقال مصدر رئاسي لـ«الشرق الأوسط» ان استقبال بيريس في باريس يشكل «مساهمة فرنسية في دعم معسكر السلام في اسرائيل» بالنظر الى ما يمثله بيريس الى جانب ارييل شارون، إلا ان اوساطاً ديبلوماسية فرنسية لا تعتقد بامكانية ان يقوم شارون بأية بادرة من شأنها حلحلة الوضع. وهي ترى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي «مكبّل» وان همه الأول الابقاء على حكومته وعلى التوازن داخلها وبالتالي ليس قادراً لا على اتباع سياسة معتدلة ولا على دفع القمع الذي يمارسه ضد الفلسطينيين أبعد من ذلك. وتعتبر هذه الأوساط ان النقاش الداخلي في اسرائيل ثم افكار الأمير عبد الله والضغوط والمبادرات الخارجية من شأنها «انضاج» الوضع في اسرائيل والمساعدة على تطويره.

وامس عاد شيراك الى انتقاد سياسة شارون من غير ان يسميه. فقد أعلن ان الحصول على السلام «لا يمكن ان يتم عبر استخدام السلاح» وان «العنف والارهاب (الفلسطيني) يتغذيان من الاحتلال (الاسرائيلي) ومن الأوضاع الاقتصادية المزرية (لدى الجانب الفلسطيني)». ووفق الرئيس الفرنسي، فان «غياب الافق السياسي يدفع الاسرائيليين والفلسطينيين الى الغرق اكثر فأكثر في الحرب». ودعا شيراك الى ترميم الثقة بين الطرفين مضيفاً ان فرنسا «تعتبر ان السلام ممكن».

ورغم الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا، فان الرئيس شيراك ما زال ينشط على الصعيد الخارجي عبر اتصالاته الأخيرة مع الرئيس بوش والرئيس الصيني جيانغ زيمين وكوفي أنان. وقبلها اتصل شيراك بالرئيس مبارك.

ويبدو ان فرنسا التي لم تنجح في دفع شركائها الأوروبيين الى تبني خطة تقوم على اجراء انتخابات فلسطينية لتثبيت شرعية السلطة وعلى اعلان فوري للدولة الفلسطينية، تضع في المقدمة خطة بيريس ـ ابو علاء والتي تدعمها «من غير تحفظ». ووفق شيراك، فان بوش وأنان يدعمانها كذلك ويعتبرانها «معقولة ومتدرجة».

لكن باريس لا ترى امكانية للخروج من المأزق من غير حصول تغيير في السياسة الأميركية التي تحمّلها مسؤولية الوضع الحالي. وكان فيدرين، ليل اول من امس، شديد الوضوح بقوله ان واشنطن تدعم سياسة شارون دعماً غير مشروط وهو ما يقود الى طريق مسدود.