مسؤولون عرب: المبادرة السعودية صيغة عامة وليست وصفة تفصيلية ينبغي لكل دولة عربية اتباعها

TT

لم يكن لدى الفلسطينيين الكثير الذي يغري بالمبادلة في السوق الهائج المضطرب لمحادثات السلام في الشرق الاوسط. ليس لديهم جيش كبير، او اراض. ولكن هناك شيء واحد ظل الاسرائيليون يسعون الى تحقيقه من خلال الفلسطينيين: ذلك هو القبول. فالاسرائيليون يعتقدون انه بمجرد زوال العداء بينهم وبين الفلسطينيين، فان بقية الجيران سيتخلون عن عداوتهم لهم.

هذا هو جوهر المبادرة التي سيقدمها الامير عبد الله، ولي العهد السعودي، الى الزعماء العرب الاخرين في اجتماع القمة الذي سيعقدونه هذا الاسبوع في بيروت. اذا انهت اسرائيل نزاعها مع الفلسطينيين فان العالم العربي سيكافئها بقبولها ضمن دول المنطقة. وبمعنى اخر، ستكون هناك علاقات طبيعية، ليست حميمة بالضرورة، ولكنها لا تنطوي على احتمالات رميها في البحر. ويقول الاسرائيليون ان هذا هو ما ظلوا يطالبون به منذ انشاء الدولة عام .1948 ولكن ما هو بالضبط الدافع وراء المبادرة السعودية؟ خاصة ان القادة العرب المجتمعين في بيروت يعرفون ان هناك معارضة في بلدانهم لمثل هذا التوجه، من قبل كثير من المفكرين، ومن الجمهور المعجب بالمقاومة الفلسطينية المسلحة ومقدرتها على تسجيل انتصارات سيكولوجية على الاسرائيليين. ويتمسك المعارضون بشعار قديم يقول ان قبول اسرائيل يعادل الاستسلام، ويستقبلون بحماسة انباء وقوع الضحايا وسط الاسرائيليين باعتبار ذلك دليلا على المعنويات المتدنية للجمهور الاسرائيلي.

ولكن قادة الدول العربية الاكثر نفوذا يعتقدون ان النزاع قد وصل الى نقطة يمكن ان يسبب فيها متاعب جمة، وهم يريدون اولا خفض عدد الضحايا البشرية. وهم قلقون من حقيقة ان الولايات المتحدة، التي تعرضت مؤخرا لاحداث ارهابية دموية، اخذت تقارن بين الاعمال الفلسطينية والارهاب، وبين مؤيدي تلك الاعمال ومؤيدي الاعمال الارهابية.

بالاضافة الى ذلك فان القضية الفلسطينية هي المرشحة اكثر من غيرها لاشعال فتيل الغضب في اوقات تتميز بصعوبة الاوضاع الاقتصادية، وهي الجديرة اكثر من غيرها باتخاذها صيحة حرب من قبل اشخاص على شاكلة اسامة بن لادن.

اخيرا، ما تزال الولايات المتحدة بعيدة عن التدخل في النزاع، الامر الذي اعطى اسرائيل حرية كبيرة في ان تفعل ما تشاء في الاراضي المحتلة. ولكن ادارة بوش، التي انتبهت فجأة الى انها تحتاج الى التأييد العربي اذا كانت عازمة على خوض حربها ضد الارهاب داخل العراق، اصبحت تبدي رغبة قوية لتلعب دور الوسيط، مما فتح امام العرب باب المطالبة بالتدخل الاميركي.

ويقلل القادة العرب من شأن حجج المعارضين لتوجهاتهم الحالية بالتذكير بانهم لم يحققوا قدرا اكبر من الاجماع فيما سبق، ولم يكن لديهم سبب اقوى مما لديهم حاليا للدفاع عن مبادرة تحظى بموافقة الطرفين.

قال مروان المعشر، وزير الخارجية الاردني، «علينا ان نوضح للاسرائيليين اننا نرغب في العيش معهم بسلام، طالما كانوا راغبين في القيام بدورهم. كما يجب ان نعطي الفلسطينيين املا بأن هناك حدا للاحتلال، ونشوء دولة فلسطينية».

ويقول المسؤولون العرب ان المبادرة السعودية ليست وصفة تفصيلية ينبغي لكل الدول العربية ان تتبعها، بل هي صيغة عامة. ولكنهم يعتقدون انه اذا ازيلت المستوطنات الاسرائيلية واذا احتفل الفلسطينيون بقيام دولتهم، فان افتتاح سفارة اسرائيلية في كل عاصمة عربية سيكون امرا مقبولا، وسيؤدي هذا بدوره الى تجفيف منابع التأييد للمجموعات المتطرفة التي تسعى الى تدمير اسرائيل.

قال المعشر: «نحن لا نتحدث فقط عن نهاية الحرب، وانما نتحدث عن العلاقات المتبادلة. سيكون هناك اعلان شامل يوافق عليه الجميع، ولكنك لا يمكن ان تتوقع ان تكون علاقات كل الدول العربية متساوية مع اسرائيل. هل سيكون لكل الدول تبادل على مستوى الفرق المسرحية، مثلا؟ لا اعرف. ان هذا متروك للمفاوضات».

ان العنف الذي استمر طوال الـ18 شهرا الماضية، طرح بالحاح لا سابق له، التساؤل حول امكانية قيام علاقات طبيعية مع اسرائيل، والفترة التي يمكن ان يستغرقها مثل هذا الامر. ويعتقد المسؤولون العرب ان الجيل العربي الحالي يكن للاسرائيليين كراهية.

قال محمد صبيح، سفير فلسطين لدى الجامعة العربية: «في كل مكان يشاهد فيه الاطفال التلفزيون، في مصر او لبنان، او في أي مكان في العالم العربي، فانهم يشاهدون الفلسطينيين يتعرضون للقتل. الاطفال يرون هذا في التلفزيون كل يوم ولن ينسوا ذلك ابدا».

ويقول كثير من المحللين في المنطقة، ان مقتضيات الاستقرار تلزم الحكومات العربية ان تفعل شيئا ازاء هذه الاوضاع. ويقولون ان معالجة القضايا الاجتماعية تصبح محاطة باخطار اقل عندما تختفي مناظر الفلسطينيين القتلى.

قال عبد المنعم سعيد، مدير مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ان كل الارهابيين، والاصوليين، وكل اولئك الذين يسعون الى اسقاط الحكومات في الشرق الاوسط، يستغلون عجز هذه الحكومات على مواجهة اسرائيل. ان النزاع الاسرائيلي الفلسطيني هو السبب الاساسي في عدم الاستقرار. هناك بالطبع مشاكل اجتماعية اخرى، ولكن ليس منها ما يلهب العواطف مثل القضبة الفلسطينية».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»