مسؤولون أميركيون وإسرائيليون يتهمون عرفات بأبرام تحالف سري مع إيران

اتهامات لطهران بإيواء قيادي من «القاعدة» أرسل 3 لشن هجمات ضد إسرائيل

TT

توصل المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون الى قناعة بان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات توصل الى تحالف جديد مع ايران يشتمل على تقديم شحنات ايرانية من الاسلحة الثقيلة وملايين الدولارات الى الجماعات التي تشن حرب عصابات ضد اسرائيل.

وقال المسؤولون ان هذه الشراكة جرى ترتيبها في لقاء سري في موسكو في شهر مايو (آيار) الماضي بين اثنين من كبار مساعدي عرفات والمسؤولين في الحكومة الايرانية. وجرى اللقاء خلال زيارة عرفات الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، طبقا لمعلومات المسؤولين الاسرائيليين الذين رفضوا وصف الطبيعة المحددة لمعلوماتهم.

وذكر المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون ان التحالف الجديد يتسم بأهمية كبرى لعدة اسباب. ففي السنوات الاخيرة ضعف تأييد ايران لجماعات متطرفة للارهاب حول العالم، فيما عدا علاقاتها مع «حزب الله» الجماعة المتطرفة التي حاربت لمدة 18 شهرا لطرد اسرائيل من جنوب لبنان.

واعرب المسؤولون الاسرائيليون عن قلقهم لتحالف عرفات مع ايران لانه يمنح الفلسطينيين راعيا قويا ومسلحا تسليحا جيدا في الصراع الذي يزداد عنفا مع اسرائيل.

وعبر المسؤولون الاميركيون عن نفس المخاوف وقالوا انهم يشعرون بالقلق ايضا من التقارير الاستخبارية التي تشير الى ان طهران تأوي اعضاء من منظمة «القاعدة» من بينهم احد القادة الذي حاول شن هجوم ضد اسرائيل من ملجئه في ايران.

والجدير بالذكر ان التساؤلات بخصوص علاقة ايران بالفلسطينيين قد انكشفت في اوائل العام الحالي عندما ضبطت اسرائيل سفينة تحمل 50 طنا من الاسلحة الايرانية، من بينها اسلحة مضادة للدبابات يمكنها تحييد إحدى مميزات التفوق الاسرائيلي العسكري على الفلسطينيين وصواريخ يمكن ان تصل الى المدن الاسرائيلية.

وينفي الفلسطينيون والايرانيون انهما يعملان معا. ولكن المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين يقولون انهم ينظرون الى هذه الشحنة الان في اطار علاقة اكبر. واوضحوا ان ذلك بدأ عبر عدة محاولات من الجماعات التي تحظى بتأييد ايران في لبنان لامداد الفلسطينيين بالاسلحة وقد تم دعم هذه العلاقة في اجتماع موسكو. وقال المسؤولون في كل من الولايات المتحدة واسرائيل انهم يعتقدون ان عرفات اقر شخصيا الاتفاقات مع ايران.

وقال المسؤولون الاميركيون ان تقرير الاستخبارات الاسرائيلية حول لقاء موسكو كانت اهم المعلومات السرية التي امدت بها اسرائيل ادارة بوش بعد الكشف عن شحنة الاسلحة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية «هناك العديد من الادلة التي تؤكد انها لم تكن مجرد عملية فردية».

وقد نفى المسؤولون في السلطة الفلسطينية اتهامات بوجود اية علاقات مع ايران في صراعهم ضد اسرائيل، كما نفوا ان عرفات لديه اية معلومات عن شحنة الاسلحة. وقالوا ان الاتهامات هي محاولة من اسرائيل للاساءة للفلسطينيين وتبرير العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال ياسر عبد ربه وزير الاعلام الفلسطيني «هذا مصنع اكاذيب. ان اسرائيل مثل اية سلطة استعمارية. عندما تتعرض للمتاعب، تحاول تحميل اللوم على الآخرين. لا يوجد ايراني واحد هنا منذ القرن الرابع عشر».

كما نفت ايران هي الاخرى اي تورط لها مع الفلسطينيين او شحنات الاسلحة. وقال علي شمخاني وزير الدفاع الايراني لوكالة الانباء الوطنية الايرانية ان «جمهورية ايران الاسلامية ليست لديها اية علاقات مع عرفات، ولم تتخذ اية خطوات من جانب اية منظمة ايرانية لشحن اسلحة للاراضي المذكورة».

وكانت ايران بعيدة عن القضايا الفلسطينية في الوقت الذي كان فيه عرفات يتابع عملية اوسلو لتحقيق السلام مع اسرائيل. وقد تدهورت العلاقات بين البلدين بعد توقيع اتفاقات اوسلو عام 1994 لدرجة ان عرفات اصبح مقتنعا ان القيادات الدينية في ايران قد اصدرت اوامرها بقتله لتعامله مع اسرائيل، طبقا لمعلومات المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين.

غير ان رجال الاستخبارات الاميركية ذكروا انهم يعتقدون ان تصاعد الانتفاضة في سبتمبر (ايلول) الماضي قد جدد حماس المتشددين الايرانيين.

وكان جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات المركزية للكونغرس قد ذكر مؤخرا ان الاصلاحيين الايرانيين يخسرون قوة الدفع في معركتهم طويلة المدى للسيطرة على السلطة مع رجال الدين المحافظين الذين يسيطرون على الاستخبارات واجهزة الامن التي تؤيد الجماعات المتطرفة، وحذر من ان دعم ايران للجماعات الارهابية لم يضعف، كما ان طهران فشلت في اغلاق حدودها الشرقية مع افغانستان لمنع هروب اعضاء «القاعدة». واشار المسؤولون الاسرائيليون الى ان هناك أدلة جديدة علي ان بعض المسؤولين الايرانيين سمحوا لـ«القاعدة» باستخدام ايران ليس كنقطة عبور بعد الهرب من افغانستان، ولكن كنقطة انطلاق.

وذكر مسؤولون اسرائيليون واميركيون كبار ان ابو مصعب زرقاوي وهو من كبار المسؤولين في «القاعدة» الذي هرب من مدينة هيرات الافغانية ظهر في طهران تحت حماية قوات الامن الايرانية.

واضاف المسؤولون الاسرائيليون ان زرقاوي ارسل في الشهر الماضي ثلاثة اشخاص ـ تدربوا في افغانستان لشن هجوم على اسرائيل. وقد قبض على الثلاثة وهم فلسطينيان واردني عندما عبروا الحدود الايرانية مع تركيا في 15 فبراير (شباط) الماضي.

وذكرت السلطات التركية انه عثر مع الرجال على وثائق مزورة، ورسوم توضيحية لقنابل وادعوا انهم ينوون مهاجمة اهداف في تل ابيب بأوامر من قائد يدعى ابو مصعب. وقالت الاستخبارات الاسرائيلية ان اسمه بالكامل هو ابو مصعب الزرقاوي.

وقد اثارت المعلومات الجديدة حول وجوده في ايران تساؤلات حول تصرفاته وتحركات غيره من اعضاء «القاعدة» الذين دخلوا ايران في الشهور الاخيرة.

وقال المسؤولون الاميركيون انهم لا يعرفون بالضبط مدى الدعم المباشرة الذي تحصل عليه «القاعدة» من كبار المسؤولين الايرانيين. والمعروف ان ايران كانت تؤيد جماعات المعارضة الافغانية التي كانت تقاتل قوات طالبان الحاكمة.

غير ان تينيت ذكر للجنة تابعة لمجلس الشيوخ ان الانقسامات التاريخية لا تمنع التعاون في عمليات ارهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

وتوجد ادلة على ان اسامة بن لادن سعى لتقريب هوة الخلافات الدينية عندما يتعلق الامر بالعمليات الارهابية.

وقد ذكر علي محمد وهو عضو في «القاعدة» ادين في مؤامرة تفجير السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا عام 1998، في شهادته انه رتب تأمين اجتماع في السودان بين بن لادن وعماد مغنية عضو «حزب الله» المتهم بخطف طائرات اميركية.

وذكر المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون في اجهزة الاستخبارات انه بعد انسحاب القوات الاسرائيلية ارسلت ايران مغنية لمساعدة الفلسطينيين. واوضح مسؤول في الادارة السابقة لكلينتون «ان مغنية تلقى اوامر من طهران للعمل مع حماس».

وقد اعرب المسؤولون في اجهزة الاستخبارات الاميركية عن قلقهم من الادلة المتزايدة على تجدد اهتمام ايران بالارهاب، بما في ذلك عمليات استطلاع سرية من جانب العملاء الاميركيين لاهداف اميركية محتملة في الخارج. وقال المسؤولون ان ايران بدأت تنظر الى الارهاب كوسيلة ردع ضد هجوم من الولايات المتحدة. واوضح مسؤول استخباري اميركي «اذا حدث هجوم عسكري اميركي مباشر على ايران، فمن المرجح ان مغنية سيهاجمنا».

وفي الوقت ذاته تزايد حديث المسؤولين الاسرائيليين عن العلاقات الايرانية الجديدة مع الفلسطينيين، ففي اوائل هذا العام حدد الرئيس الاميركي جورج بوش ايران والعراق وكوريا الشمالية بأنها «محور الشر».

وذكر المسؤولون الاميركيون ان الحرس الثوري الايراني وجهاز الاستخبارات يملكان حرية كبيرة في التعامل مع وكلاء لها.

وذكر المسؤولون الاميركيون، على سبيل المثال، ان جماعة «الجهاد» الفلسطينية، وهي واحدة من الجماعات التي تقف وراء موجة من العمليات الانتحارية في اسرائيل تمول مباشرة من ايران. وقال مسؤولون اميركيون واسرائيليون انه منذ بداية الانتفاضة فإن ايران دفعت ملايين الدولارات مكافآت نقدية الى «الجهاد» لكل عملية ضد اسرائيل. ويعتقد ان «حماس» وهي جماعة فلسطينية اكبر كثير، تتلقى دعما ايرانيا، وان كان المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون قد ذكروا ان علاقتها بـ«حماس» ليست مباشرة. فـ«حماس» تملك وسائل مستقلة لجمع الاموال وتجنيد الاعضاء.

وقال المسؤولون الاسرائيليون انهم قبضوا مؤخرا على ثلاثة من اعضاء «حماس» تلقوا تدريبا خاصا لمدة سنتين في دورة خاصة لتدريب ضباط الحرس الثوري في منطقة دارا قزوين خارج طهران.

ويبدو ان هذا التدريب كان مفيدا. فقد كشفت الهجمات الاخيرة للجماعات الفلسطينية صفات مميزة للتكتيكات التي يستخدمها «حزب الله» ضد اسرائيل في لبنان، مثل تدمير دبابتين اسرائيليتين في الاسابيع الاخيرة عن طريق متفجرات موضوعة على جانب الطريق.

وفي الواقع يعتقد المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون ان صراع «حزب الله» لاكثر من 18 شهرا في جنوب لبنان المدعوم بعشرات الملايين من الدولارات من الاسلحة من ايران، يعتبر نموذجا لما ترغب طهران في خلقه في الضفة الغربية والقطاع. غير ان المسؤولين الاسرائيليين قالوا انه ليست لديهم ادلة على ان نشطاء الاستخبارات الايرانية يعملون مباشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة. غير ان اكثر الادلة وضوحا على الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين السلطة الفلسطينية وايران هو حادث السفينة كارين المحملة بخمسين طنا من الاسلحة التي ضبطتها السلطات الاسرائيلية في اوائل شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وهي نتيجة واضحة على اللقاء السري في موسكو في شهر مايو الماضي بين ممثلي عرفات وضباط استخبارات ايرانيين.

وجاءت هذه الشحنة بعد عدة محاولات فاشلة لتهريب اسلحة من لبنان عن طريق البحر الى قطاع غزة. وقد وقعت احداها في شهر مايو الماضي عندما عثرت السلطات الاسرائيلية على سفينة الصيد سانتوريني تحمل اسلحة في طريقها الى الفلسطينيين. واشار المسؤولون الاسرائيليون الى وقوع ثلاث محاولات قبل ذلك.

وبعد فشل هذه المحاولات فقد سعى عرفات، طبقا لمعلومات مسؤولي الامن الاسرائيليين الى اتفاق مع ايران لتحقيق تحالف اكثر جدية. ومقابل منطلق اكثر حرفية لدعم التسليح، فقد وافق عرفات على منح ايران التقارير الاستخبارية الفلسطينية بخصوص المواقع العسكرية والدفاعات الاسرائيلية.

وقد تم هذا الاتفاق في لقاء في موسكو بين الجانبين. وقد رفض الاسرائيليون تحديد هوية الايرانيين الا انهم قالوا ان الشخصيتين الفلسطينيتين اللتين شاركتا في الاجتماع هما فؤاد شوبكي مدير المشتريات العسكرية في حركة فتح وفتحي الراسم نائب قائد الشرطة البحرية.

وتجدر الاشارة الى ان الاسرائيليين لم يتمكنوا من ربط الشحنة مباشرة بعرفات، او ان تشير الى علمه بالعملية.

ويتفق المسؤولون الاميركيون على ان ممثلي عرفات التقوا مع المسؤولين في الحكومة الايرانية في موسكو، غير انهم غير متأكدين عما اذا كان الاجتماع يهدف الى « استكمال تفاصيل شحنة الاسلحة او انه بداية لعدة اجتماعات لاحقة.

وبالرغم من ان علامات المنشأ كانت ممسوحة من على الاسلحة فإن معظم الاسلحة لا تصنع الا في ايران، طبقا لما ذكره المسؤولون الامنيون الاسرائيليون.

وقد نفى عرفات ومساعدوه اية معلومات عن الشحنة بالرغم من قولهم ان بعض شخصيات السلطة الفلسطينية شاركت في العملية.

وفي الدوائر السياسية الفلسطينية شعر عدد من المعتدلين بالغضب من ان عرفات توصل الي اتفاق مع الايرانيين، مما قد يؤدي الى غضب الاميركيين، طبقا لمعلومات ادلى بها مفاوض فلسطيني. غير ان بعض المسؤولين الاخرين دافعوا عن المحاولة بإعتبارها ضرورية لمواجهة القوة النارية الاسرائيلية المتفوقة.

وقد اثار مثل هذا الاكتشاف مناقشات حادة داخل ادارة بوش، فقد دعا وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد وعدد آخر الى ضرورة قطع العلاقات مع عرفات، غير ان وزير الخارجية كولن باول رد على ذلك بقوله انه لا يمكن تحقيق اي شيء بقطع العلاقات.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»