الرئيس الأميركي يخالف مستشاريه ويدعم بقوة حملة شارون العسكرية

بوش يواجه خيارات سيئة لأن التصعيد الإسرائيلي لا يخدم أهداف محاربة الإرهاب واستئناف العملية السلمية

TT

منذ اعلانه الحرب ضد الارهاب، نادرا ما بدر عن الرئيس الاميركي جورج بوش ما يشير الى تناقض او ازدواجية في استراتيجيته، كما انه نجح في ابداء تصميم واضح وعزيمة قوية للاصدقاء والاعداء على حد سواء. نجح بوش في المحافظة على هذه الصورة حتى الاسابيع القليلة الماضية، أي الى ان اضطر للدخول في دوامة الاضطراب والعنف في منطقة الشرق الاوسط.

عندما ظهر بوش يوم السبت الماضي في مزرعته بتكساس، حاول مرة اخرى تعديل لهجته في اطار سعيه للتأثير على احداث الضفة الغربية التي لا يملك الكثير من التأثير عليها. استخدم بوش هذه المرة اقوى لهجة له حتى الآن لتأييد رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وادانة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات.

وقال مسؤول في الادارة الاميركية ان رسالة بوش المتشددة جاءت في اعقاب اجتماع مطول لمجلس الامن القومي الاميركي صباح نفس اليوم الذي ردد فيه مستشارو بوش شكوكهم حيال استراتيجية شارون كونها لن توقف الهجمات الانتحارية او تحمل عرفات على العودة الى طاولة المفاوضات.

للاستمرار في اتخاذ موقف ثابت ضد الارهاب لم يكن امام بوش من خيارات سوى شجب عرفات بعنف وتحميله مسؤولية الفشل في وقت الهجمات الانتحارية. ودعا بوش عرفات يوم السبت بطلب وقف الهجمات الانتحارية في بيان باللغة العربية واستخدام قوات امنه المحاصرة في شن حملة متشددة على الارهابيين، الا ان عرفات تجاهل من جانبه هذه الدعوات.

طبقا لمنطق مبادئ بوش واستراتيجيته السائدة، فإن هذا النهج سيضطره للتعامل مع الزعيم الفلسطيني بنفس الطريقة التي عامل بها حركة طالبان وتنظيم «القاعدة»، وهذه هي النقطة التي يصر عليها الاسرائيليون بصورة مستمرة. ولكن في هذه الحالة، كما يعترف بعض مستشاري بوش، فإن هذا المنطق يتسم بالتهور والطيش على حساب اولويات اخرى. فمن اجل حشد التأييد اللازم للمواجهة الاميركية المرتقبة مع العراق، يدرك بوش جيدا انه ليس من مصلحته عزل الدول العربية الاخرى التي شجبت وهاجمت اسرائيل بعنف، الى جانب مطالبة هذه الدول الرئيس بوش بكبح حكومة شارون. وقال مسؤول في الادارة الاميركية ان الرئيس بوش يواجه سلسلة من الخيارات السيئة في الوقت الراهن، مشيراً الى عدم البت في الكثير من القضايا، وهذا هو السبب، طبقا لوجهة نظره، في ان «رسالة الولايات المتحدة تجاه الاحداث تبدو ضعيفة».

الرئيس بوش نفسه وبخ شارون بصورة علنية بسبب العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية واصفا اياها بأنها «غير مساعدة» في الجهود الرامية الى التوصل الى وقف لاطلاق النار توطئة لاستئناف عملية السلام التي تعتبر الآن في اسوأ حالاتها خلال السنوات التسع السابقة. وقعت تفجيرات كثيرة وعمليات قتل متعددة منذ ذلك الوقت ولكن ما يمكن ملاحظته هو ان بوش قلب الاتجاه تماما ووصف شارون بأنه «زعيم منتخب ديمقراطيا يحاول بصورة شرعية الاستجابة لارادة الشعب من اجل توفير المزيد من الامن».

جاء تصريح بوش عقب اجتماع لمجلس الامن القومي بحث خلاله المشاركون المواضيع المطروحة للنقاش عبر شبكة فيديو الى جانب مناقشات خاصة جرت بين بوش الابن ووالده اللذين امضيا عطلة عيد الفصح في مزرعة الوالد بتكساس. وظهر الرئيسان علناً مرة واحدة في صلاة بالكنيسة صباحا لكنهما لم يعلقا على شيء لدى مغادرتهما مع عدد من افراد العائلة، كما يبدو ان النصيحة التي قدمها بوش الاب للابن لا تعتبر موضوعا للنقاش بالنسبة لمستشاريه ويصر معظمهم على ان ما جرى من حديث يعتبر بالنسبة لهم لغزا.

قرر بوش التأكيد على تأييده لشارون في اجتماع مجلس الامن القومي رغم انه لم يقل خلال الاجتماع ما يشير الى انه يؤيد تكتيكات رئيس الوزراء الاسرائيلي. كما ان الامر المثير للاهتمام ان بوش لم يشر الى ما حدث في وقت سابق من نفس اليوم عندما صوتت الولايات المتحدة لصالح قرار للامم المتحدة يدعو اسرائيل لسحب قواتها من الاراضي الفلسطينية، اذ ان اغفاله لهذا الجانب طرح تساؤلات حول مدى اهمية والحاح مسألة رفع الضغوط عن عرفات.

تعديلات بوش المستمرة في المواقف ازاء الوضع في الشرق الاوسط لافتة للنظر ومثيرة للاهتمام، اذ انه درج باستمرار على ان يكون الرئيس الاكثر تمسكا بالنصوص. فهو اكثر ميلا للحديث عن التأكيدات والتباينات وعن «الخير والشر» وحول دول «اما مع الولايات المتحدة او ضدها». ولكن فيما يتعلق بالشرق الاوسط، فإن اجندته الخاصة بالوقت الراهن كثيرا ما تبدو دافعا رئيسيا للخطب التي يلقيها. يعتقد ستيفن كوهن، خبير شؤون الشرق الاوسط بمعهد بروكنغز، ان بوش عندما ارسل نائبه ديك تشيني الى المنطقة كان تحذيره لشارون حصيفا ومتعقلا. فكسب التأييد اللازم للمواجهة المحتملة للولايات المتحدة مع العراق التي كانت في صدارة اجندة تشيني خلال زيارة للمنطقة. اما مسألة الشرق الاوسط، فلم تكن قضية اساسية خلال جولة تشيني الاخيرة. يرى كوهن كذلك ان قضية العراق تراجعت قليلا وجاءت ردود فعل بوش غريزية قادته في نهاية الامر الى مقارنة الهجمات التي تعرضت لها اسرائيل بهجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي على الولايات المتحدة. كما يبدو ان هذا الجانب على وجه التحديد هو الذي سعى مسؤولو حكومة شارون ومسؤولون اسرائيليون آخرون الى تغذيته داخل بوش، فشارون ظل يتحدث عن «تفكيك البنية التحتية للارهاب»، وهذه عبارة من ضمن العبارات التي كثيرا ما استخدمها الرئيس بوش في تصريحاته وتعليقاته.

وكان بنيامين نتنياهو، الذي يأمل في العودة الى السلطة رئيسا للحكومة الاسرائيلية خلفا لشارون في وقت لاحق من العام الجاري، قد صرح خلال لقاء معه على شبكة «ان بي سي» التلفزيونية ان «اول شيء اعلنه الرئيس بوش هو اعلان الحرب وتغيير الوضع على ارض الواقع» باطاحة حركة طالبان من السلطة في افغانستان. اذ ان نتنياهو استخدم المقارنة لدعم وجهة النظر الداعية الى ابعاد عرفات.

لا يبدو ان هناك من يؤيد هذه الاستراتيجية داخل ادارة بوش، بيد ان الخلافات والانقسامات بشأن ما يجب عمله في الخطوة التالية بات اكثر وضوحا حتى داخل البيت الابيض الذي يتباهى بأنه قادر على اخفاء الخلافات الداخلية. يبدو من تصريحات بوش الاخيرة نهاية الاسبوع الماضي انها ترديد لبعض الآراء التي عبر عنها معسكر تشيني في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) وهي آراء تعكس تعاطفا واضحا مع شارون وتحث على اعطائه كل الصلاحيات والسلطات اللازمة لمواجهة الرعب اليومي. وقال مسؤول بارز في البنتاغون ان «الانتحاريين اذا فجروا انفسهم في نيويورك، فإن التركيز سيكون على وقف هذه المسالة».

ويقول مراقبون ان لدى بوش شعوراً فطرياً بأن عرفات الذي لم يلتقه بعد، غير جدير بالثقة، اذ اشار مسؤول اميركي ان «بوش يعتقد ان عرفات لم ينفذ أي التزامات من جانبه»، وهذه في عالم بوش تعتبر بمثابة الخطيئة الكبرى. وفي الجانب الآخر هناك خبراء شؤون الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية الذين يشاركون بوش عدم ثقته في الزعيم الفلسطيني لكنهم في نفس الوقت يشككون في مدى نجاح استراتيجية شارون ويعتقدون انها لن تفضي سوى الى المزيد من التفجيرات والمآسي. كما يرى هؤلاء ان شارون حتى اذا نجح في اعتقال من يقفون وراء العمليات الانتحارية، فإن الاجراءات العسكرية الاسرائيلية ستعوق الهدف الاساسي المتمثل في استئناف محادثات السلام. كما حذروا من ان طول فترة العمليات العسكرية سيتسبب في تراجع النفوذ الاميركي في المنطقة. وأعرب خبراء شؤون الشرق الاوسط عن رغبتهم في تبني نهج اكثر تشددا وصرامة ربما بقيادة وزير الخارجية كولن باول بدلا عن الجنرال انتوني زيني المبعوث الاميركي الى منطقة الشرق الاوسط.

وفيما يدرس بوش هذه الخيارات خلال الاسبوع الحالي، فإنه يواجه جدلا داخل الجناح المحافظ في حزبه يركز على مسألة ما اذا سيسمح بوش لنفسه بالانجراف الى نزاع الشرق الاوسط، اذ كانت هذه تهمة وجهها محافظو الحزب الجمهوري الاميركي للرئيس السابق بيل كلينتون. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد قالت في افتتاحيتها لعدد يوم الجمعة الماضي ان «مستنقع الشرق الاوسط يمكن ان يصرف اهتمام الرئيس بوش عن حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب». كما نشرت صحيفة «ذا ويكلي ستاندارد» المحافظة حجة مماثلة في عددها الصادر نهاية الاسبوع الماضي، اذ انتقدت الاداء الدبلوماسي الاميركي في مجمل التعامل مع مسألة الشرق الاوسط.

لا يتفق كل المحافظين مع وجهة النظر هذه، فهناك من يعتقد ان بوش ما لم يظهر رغبة واضحة ومقنعة في العمل كصانع سلام وللسبيل المؤدي الى اقامة دول فلسطينية وتوفير الامن لاسرائيل، لن يستطيع التحرك ضد العراق. البيت الابيض من جانبه يختلف مع الاتجاهين، فقد علق احد المسؤولين فيه عقب حديث بوش يوم السبت الماضي قائلا ان «الادارة الاميركية تركز على الارهاب وايضا على الطريق الى تحقيق السلام في الشرق الاوسط»، مؤكدا ان المشكلة الحقيقية تكمن في العمليات الانتحارية التي تحدث كلما اوشكت الجهات المعنية على اتخاذ خطوة الى الامام في سبيل السلام.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»