العمليات الانتحارية تصل إلى واحة لقاءات العرب واليهود

هجوم الأحد استهدف مطعماً عربياً في حيفا رواده يهود والضحايا من الطرفين

TT

كان مطعم الماتزا في مدينة حيفا من الاماكن القليلة في اسرائيل التي يشعر فيها اليهود انهم يمكن ان يكونوا في مأمن وهم بصحبة العرب. ولكن ظهر اخيرا انه لا العرب ولا اليهود بعيدون عن الاخطار في هذا المكان كما كانوا يتصورون. ومع ان اصحاب المطعم وموظفيه وعماله من العرب، الا ان انتحاريا من حركة حماس الفلسطينية دخل الى المطعم اول من امس وفجر نفسه بالمتفجرات التي كان يحملها ملفوفة على جسمه فتطايرت الشظايا والمسامير لتستقر في اجساد رواد المطعم اثناء ما كانوا يتناولون وجبة غداء متأخرة، وادى الهجوم الى مقتل المهاجم نفسه مع 14 آخرين، وقد تحطم سقف المطعم ولطخت الدماء ارضية المطعم وارجل الطاولات وتناثر الزجاج في الانحاء. وتحدث شهود العيان عن مناظر مرعبة للاجساد المحترقة والاثاث المحطم، كما تحدثوا عن امرأة انحنت على ابنها الجريح بجانب جسد زوجها وابن اخر من ابنائها. وقالت الشرطة ان هناك بعض القتلى من عرب اسرائيل، ولكن السلطات ما تزال تحاول تحديد هويات القتلى وجمع اشلائهم. كان هذا الهجوم من بين الهجمات الاكثر دموية خلال الانتفاضة الفلسطينية المتواصلة منذ 18 شهرا. وقال المسؤولون ان الاشخاص الاربعين الذين نجوا من الموت جرحوا جميعا. وسبب الهجوم صدمة قوية للعرب واليهود في نفس الوقت، لانهم كانوا يشعرون ان هذا المطعم كان واحة آمنة.

قال زيدان عمار، العربي الاسرائيلي الذي كان والده يعمل محصلا في المطعم وجرح في الحادث: «يعرف الجميع ان هذا مطعم عربي. ولم نكن نحن خائفين. كانت هناك علاقات ممتازة بين العرب واليهود. وكان هؤلاء من الزبائن المنتظمين. انني اشعر بانزعاج حقيقي».

والمعروف عن حيفا انها مدينة ظليلة تقوم على ربوة عالية تشرف على البحر الابيض المتوسط وسكانها خليط من العرب واليهود، يعيشون جنبا الى جنب، ويقيمون علاقات وطيدة في بعض الاحياء. ومع ان حيفا صارت جزءاً من اسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، الا ان حركة «حماس» تعتبرها ارضا محتلة، مثلها مثل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة التي استولت عليها اسرائيل عام 1967 اثناء الحرب العربية ـ الاسرائيلية. وفي البيان الذي اصدرته الحركة تجاهلت وجود العرب الاسرائيليين في المطعم واشادت بالمهاجم الانتحاري «الذي نسف جسده الطاهر وسط مجموعة من اللصوص الذين سرقوا ارضنا».

وذكرت «حماس» ان المهاجم هو شادي طوباسي (23 سنة) من مخيم اللاجئين بجنين. وقال المحللون ان الانتحاري اختار مطعم الماتزا الذي يقع بالقرب من مجمع ضخم للتسوق، دون التفكير في انتماءات من يرتادونه. وان اختياره وقع عليه ببساطة لانه كان هدفا سهلا، لان بابه لم تكن عليه اية حراسة. ومع ان المطعم نفسه مملوك لعربي الا انه يقوم على ارض يملكها يهود اسرائيليون.

قال بول دريمر (52سنة) ان ابنته اكدت له ان المطعم سيكون آمنا، وهي تتناول طعامها هناك اسبوعيا وتعرف الاسرة التي تدير المطعم. ويلزم دريمر الان سرير المستشفى بعد ان اخترق مسمار وركه الايسر واصابت بعض الشظايا خده الايمن. وكان قد تمكن من اخراج شظية من باطن كفه. ومثله مثل كثيرين من ضحايا الهجوم فان دريمر بدأ يشكو من ثقل في السمع. كان دريمر في طريقه لزيارة صديق ما يزال في غيبوبة في احد المستشفيات بعد هجوم انتحاري اخر حدث ليلة الاربعاء الماضي حيث فجر مهاجم انتحاري اخر نفسه في فندق بمدينة ناتانيا الى الجنوب من حيفا. وقد قتل في ذلك الهجوم 22 شخصا.

كانت راشيل دريمر تجلس في المطعم ووقف المهاجم الانتحاري خلفها حينما فجر نفسه، ولكنها لم تصب ولو بشظية واحدة من الشظايا المتطايرة في كل الاتجاهات. وقالت انها التفتت لترى امرأة واقفة هناك في حالة من الهستيريا. وكانت المرأة تحاول مساعدة طفل كان ممدداً ووجهه في الارض، ومع ان الطفل كان مغمى عليه الا انه كان ما يزال يتنفس. وقالت راشيل دريمر انها هبت لمساعدة المرأة، وانها سألتها عما اذا كان هو ابنها. وقالت المرأة: «نعم هذا ابني وهذا زوجي وهذا ابني الاخر». وكانت المرأة تشير الى اجساد ممددة على الارض دون حراك.

كانت سنجانا واكد في المرافق الصحية للمطعم تغسل طفلتها صابرينا عندما وقع الانفجار. وقالت سنجانا واكد ان جزءاً من السقف انهار على صابرينا وانها سقطت على دورة المياه، ولكنها تمكنت من التقاط الطفلة والخروج من الباب المغلق بمساعدة من دريمر.

واضافت سنجانا واكد: «رأيت رجلا يحمل سيجارة ولكنه كان بلا رأس».

وسنجانا واكد مهاجرة روسية تزوجت من العربي الاسرائيلي سمير واكد الذي يملك محلا للخردوات بالقرب من المطعم. وقد اصيب بجراح في رأسه واحدى رجليه. وقال واكد: «ماذا اقول لك؟ عندما ينفذ احدهم هجوما مثل هذا على مطعم يملكه العرب، فانه لم يفكر والضحايا، سواء كانوا من هؤلاء او من اولئك».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط».