الأسر الفلسطينية في رام الله تعيش هاجس الإمدادات الغذائية والإسرائيلية في القدس تخشى الذهاب إلى المتاجر

TT

اضطر الاسرائيليون والفلسطينيون على السواء لتغيير الطريقة التي يعيشون بها مع تفاقم النزاع بينهما وازدياد اعمال العنف، اذ بات عبء الحياة اكثر صعوبة في مدينة رام الله الواقعة تحت الحصار وفي القدس، حيث يعاني السكان من مخاوف الهجمات التي قد يشنها انتحاريون ومسلحون فلسطينيون. فالخروج لشراء الحليب بات محفوفا بالمخاطر، كما ان ارتداء سترة ثقيلة اصبح امرا مثيرا لخوف الآخرين.

* الأسرة ثم السياسة

* منذ ان اجتاحت القوات الاسرائيلية مدينة رام الله بالضفة الغربية، اصبحت الاولوية القصوى لسام باحور هي سلامة اسرته. ففي صباح يوم السبت الماضي، القت القوات الاسرائيلية القبض على شقيق زوجته وثلاثة من اقربائه عقب المطالبة عبر مكبرات الصوت خروج كل الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و60 عاما. يقول باحور، وهو يعمل في مركز تسوق اميركي ـ فلسطيني، انهم حاولوا مرارا معرفة المكان الذي يحتجز فيه اقرباؤه. السبب في عدم احتجاز باحور هو ان الدوريات الاسرائيلية لم تصل الى الشارع الذي يسكن فيه. وظل باحور يستعمل شبكة الانترنت والهاتف لمعرفة مكان احتجاز اقربائه. لا يواجه باحور مشكلة في الامدادات الغذائية بمنزله حتى الآن، لكنه يشعر بالقلق ازاء احتمال نفاد مخزون الاسرة والفشل في توفير الضروريات لزوجته وطفليه في حال استمرار الحصار. واضاف باحور ان المثير للقلق من الناحية السياسية انه لا يبدو ان ثمة نهاية لدى اسرائيل في ما يتعلق بالاوضاع الراهنة.

* حراسة الأحفاد

* تقول تكفا ييزكيل، وهي ربة بيت تعيش بمدينة القدس في منزل الاسرة الذي يضم ابناءها وبناتها الست واحفادها، انها ترفض ان يغير الخوف طريقة حياتها، فهي تؤكد انها ستذهب الى السوق المفتوحة او البقالة، اذا كان لا بد من ذلك. غير ان ييزكيل تصبح اكثر حرصا عندما يتعلق الامر بأحفادها الذين يقضون الآن عطلة عيد الفصح. وتقول كذلك انها فكرت في اصطحاب واحدة من حفيداتها لقضاء بعض الوقت خارج المنزل، لكنها قالت انها تفكر في مكان غير مزدحم او الى متجر صغير لشراء هدية لها، لكنها تؤكد انها لن تذهب الى مركز تسوق رئيسي. الهجمات التي نفذها فلسطينيون باخفاء قنابل تحت ستراتهم جعلت ركاب الحافلات اكثر حذرا تجاه من يرتدي سترة غير عادية. وقال يعقوب زوج ييزكيل انه استقل الاسبوع الماضي احدى الحافلات وهو يرتدي سترة زرقاء ثقيلة مما جعله محل شك لدى السائق الذي قاد حافلته باتجاه اقرب مركز للشرطة، الا ان يعقوب نبه بالعبرية سائق الحافلة الى ان الطريق الذي سلكه ليس الخط المألوف للحافلة، عند ذلك فقط ادرك السائق ان الشخص الذي يرتدي السترة المشبوهة يهودي وادار الحافلة بغرض العودة الى خط سيرها المألوف.

* المحظوظون

* تعيش ريما طرزي، التي تترأس اتحادا للنساء الفلسطينيات، لوحدها في منزل يقع على بعد مئات الامتار من مجمع الزعيم ياسر عرفات الذي ظلت القوات الاسرائيلية تسيطر على معظم اجزائه منذ يوم الجمعة. دخلت القوات الاسرائيلية منزل ريما طرزي من خلال نافذة واستدركت في وقت لاحق انهم كانوا يطرقون على الباب واعتقدت ان ذلك صوت قتال في الخارج. واضافت ان الجنود الاسرائيليين الذين اقتحموا منزلها للتفتيش كانوا آخر من رأت منذ يوم الجمعة. وتقول ريما طرزي ان الحظ حالفها في عدم انقطاع المياه والكهرباء عن منزلها، كما ان الجنود الاسرائيليين الذي دخلوا منزلها لم يمارسوا عنفا خلال عملية التفتيش لكنهم فتشوا كل مكان في المنزل، اذ ان عدم انقطاع التيار الكهربائي عن منزلها سمح لها بالتنقل بين القنوات الاخبارية. من حسن الحظ ايضا ان الجنود الاسرائيليين لم يلحقوا أي ضرر باغراضها ومن ضمنها البيانو الذي تملكه، لكنها تقول انها لا تشعر بالارتياح لأن هناك من يموتون يوميا.

* شبكة الانترنت

* ويقول موتتي نيغر، استاذ الاتصالات بالجامعة العبرية في القدس، انه بدأ في التسوق عبر شبكة الانترنت قبل بضعة اشهر لاعتبارات امنية، ولنفس السبب لم يذهبوا الى التسوق في المتاجر الكبيرة الا بضع مرات فقط خلال الفترة السابقة. وكلما وقع هجوم انتحاري في المنطقة تصاب والدة نيغر بالذعر الى ان تتأكد من سلامته وسلامة زوجته وطفله وعودتهم الى المنزل. كان نيغر يحرص في السابق على استخدام المقاهي كمركز للقاءات الاجتماعية العادية وحتى تلك المتعلقة بالعمل، لكنه لم يعد يمارس هذا التقليد ويفضل عقد لقاءاته في المنزل. ويشعر نيغر بالقلق الآن ازاء احتمال استدعائه للخدمة العسكرية، ويقول انه ناقش هذا الامر مطولا مع زوجته ولا يعرف اذا ما سينفذ امر الاستدعاء اذا حدث بالفعل.

* قصص على ضوء الشموع

* ويقول مشهور ابو دقة، وهو من سكان مدينة رام الله، انه لم يخرج من المنزل منذ يوم الجمعة، واكد امس ان حليب اطفاله نفد وان الدبابات تنتشر في المنطقة التي يسكنها. وقال ابو دقة، الذي يدير جمعية للشركات التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، ان هناك مدرعة ميركافا تقف عند نافذة بيته عندما كان يتحدث معي. وعندما انقطع التيار الكهربائي يوم السبت، تجمعت اربع اسر في شقته وبدأوا في حكاية بعض القصص على ضوء الشموع، فالكبار حكوا قصصا حول حياتهم خلال حرب 1967، فيما تذكر الجيل الاصغر سنا الانتفاضة السابقة خلال عقد الثمانينات واوائل التسعينات.

* من بوسطن الى القدس

* وتقول خبيرة الآثار جوديث غرين، التي تعيش في حي ابو طور الذي يقطنه العرب واليهود، ان اكبر تغيير شهده نمط حياتها كان تغييرا نفسيا. وتقول انه اذا رأت مجموعة من الشبان الذين ربما يكونون من العرب تشعر بخوف مفاجئ وتفكر فيما اذا يجب عليها تغيير خط سيرها، لكنها تشعر بعدم ارتياح عندما تفكر بهذه الطريقة. فهذه، كما تقول، ليست الطريقة التي تريد ان تفكر بها ازاء جيرانها، لكنها تقول ان مجمل الحالة الراهنة نتاج للاوضاع السائدة حيث يعتبر أي شيء مفاجأة، فالشخص لا يعرف ما سيحدث لاحقا ولا المكان الذي سيصبح خطرا، على حد تعليقها.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»