القوات الإسرائيلية تستعمل المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية في حملات التفتيش

شاهدة عيان من طولكرم تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها حيث اقتادها جنود الاحتلال إلى منزل جيرانها قبل دخوله للتفتيش

TT

«سياسة الدروع البشرية اخر ما تفتقت عنه العقلية الهتلرية لقوات الاحتلال الاسرائيلي في حرب الابادة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني الاعزل خلال عمليات الاقتحام لمنازل المواطنين بحثا عن الاستشهاديين والاستشهاديات الفلسطينيين الذين اثاروا الرعب في نفوس الجنود الاسرائيليين، بتجهيزهم بالاحزمة الناسفة استعدادا لاذاقتهم طعم الموت». هذا ما قالته لـ«الشرق الأوسط» شاهدة عيان كانت لسوء حظها او كما تقول هي لحسن حظها احد هذه الدروع البشرية في مدينة طولكرم شمال غرب الضفة الغربية.

واستخدمت قوات الاحتلال امس اهالي حي الياسمينة في البلدة القديمة في مدينة نابلس حيث فشلت الطائرات والدبابات الاسرائيلية في اختراق دفاعات المقاومين، كدروع بشرية في محاولات يائسة للتأثير في معنويات المقاتلين ودفعهم الى الاستسلام، واحتلال المدينة التي استعصت عليهم بعد 6 ايام من الحصار والقصف المتواصل.

وكانت قوات الاحتلال قد استخدمت الدروع البشرية خلال اقتحامها للمقر الرئيسي لجهاز الامن الوقائي في منطقة بيتونيا غرب رام الله مطلع الاسبوع الماضي. اذ ساقت اكثر من 60 فلسطينيا امام دباباتها وحاملات الجند المصفحة وهي تتقدم نحو افراد الامن الوقائي الذين كانوا يتحصنون داخل المقر.

واما في مخيمات اللاجئين حيث المنازل متلاصقة الجدران فكان الجنود الاحتلاليون يتنقلون من منزل الى منزل خلال حملات التفتيش الارهابية خاصة في عملية الاحتلال قبل الحالية، بنسف الجدار الفاصل ليضمنوا قبل ان يعبروا الى المنزل الاخر، خلوه من الفدائيين والمقاومين، وكأنهم لا يثقون بقدرة طائرات الـ«اف 16» والاباتشي الاميركية الصنع، على ضرب المقاومين، وتوفير الحماية لهم.

والان تترك «الشرق الأوسط» الحديث لشاهدة العيان التي طلبت عدم ذكر اسمها حتى لا تكون هدفا لعملية انتقام من جنود الاحتلال الذين لا يزالون يمارسون ابشع انواع التنكيل والقتل ضد المدنيين العزل، لتحكي تفاصيل تجربتها:

بعد طول انتظار جاء دورنا في اطار حملة التفتيش التي يقوم بها جنود الاحتلال بحثا عن المقاومين والمسلحين الفلسطينيين على حد زعمهم. كنت ووالداي المسنان قد انتهينا للتو من تناول الغداء ونجلس في صالون المنزل نحتسي القهوة عندما سمعنا طرقا وقعقعة في حديقة المنزل الخلفية حيث يقع منزل جدي لابي المغلق ولا يقطنه احد.

خرجت الى الحديقة محاولة التفسير لهم بألا احدا يعيش في المنزل وان مفتاحه معي ان كانوا يريدون اقتحامه. لكن جنود الاحتلال تجاهلوني فاتجهت نحوهم لاصبح وجها لوجه معهم، وبحركة الية صوب الجنود وعددهم 8 على ما اذكر، فوهات بنادقهم نحوي. فقلت لهم بلغة انجليزية ان لا حاجة لكسر الباب لان المفتاح معي. وجاء ردهم: نحن لسنا بحاجة لمفتاحك، لقد كسرنا الباب فعلا... عودي الى حيث اتيت.

عدت الى المنزل اشعر بالضعف والغضب والحقد. وما هي الا دقائق حتى طلت نفس الوجوه الاحتلالية من الحديقة الخلفية لبيت جدي التي تتاخم حديقتنا الخلفية ايضا. حاولوا فتح البدروم او الدور تحت الارضي الذي يستخدم لتخزين معدات الحديقة لكنهم كما يبدو لم يستطيعوا، فنادوا علينا حيث يروننا من خلال النوافذ وطلبوا مفتاح المخزن. رافقتهم وحاولت ان افتح القفل الذي كان صدئاً ولم استطع. في هذه الاثناء كان والدي الذي بدأ يحس بالقلق علي، قد تبعني لكن احد الجنود توجه اليه قائلا: عد الى منزلك. توجهت بكلامي الغاضب الى الجندي وقلت بصوت عال ان والدي في منزله.. ان هذا المنزل هو منزل والده. فامسكت بيد والدي وطلبت منه بحنية ان يعود الى منزلنا قبل ان افقد اعصابي معهم. لكن والدي قبل ان يعود دار بوجهه الى الجندي وقال له: اننا في منزلنا اما انت فلا.

انتهى الجنود من تفتيش منزل جدي الذي يطل بابه الامامي على شارع مخالف للشارع الذي يطل عليه منزلنا، لكن وبعد مضي وقت ليس بالطويل، سمعنا من جديد صوت الجنود وقعقعتهم، هذه المرة قي حديقة منزلنا الامامية. رن جرس المنزل فطللت من شرفة الدور الاول لاعرف من السائل لافاجأ بجارنا على الباب والجنود يقفون خلفه فابلغني بان الجنود هنا لتفتيش منزلكم ويطلبون منكم ان تجلسوا جميعا في غرفة واحدة طيلة فترة وجودهم في المنزل. فطلبت منه ان يبلغهم بانهم اذا ارادوا تفتيش منزلنا فلا بد ان اكون معهم لانهم كما سمعت ورأيت يسرقون ويخربون. وافق الجنود على الطلب وطلبوا مني النزول الى بوابة الحديقة لكي ارافقهم الى داخل المنزل ليضمنوا درعا بشريا اخر قبل ان يسمحوا لجارنا بالعودة الى منزله.

وباسلوب آمر قالوا: اطلبي من والديك ان يبقيا في غرفة واحدة ولا يتحركا. نحن هنا لنفتش المنزل بحثا عن السلاح واي شيء يمكن ان يضر بدولة اسرائيل. ثلاثة من الجنود فقط رافقوني الى داخل المنزل اما البقية فقد انتشروا حوله. وبدأت حملة التفتيش من الباب الامامي للمنزل، لتشمل كل غرفة وكل شيء فيها من ادراج ودواليب. هم لا يقتربون من اي شيء قبل ان يطلبوا مني فتحه وفوهات بنادقهم جاهزة لتقذف بحممها في اي لحظة. وراقبت باحتقار واشمئزاز الجنود الثلاثة وهم يتحركون ويقفزون وينتقلون بحذر من زاوية الى اخرى، وكأنهم على وشك الانقضاض على موقع عسكري. علامات الخوف بل الرعب واضحة في تصرفاتهم وبادية على وجوههم وكأن البنادق موجهة الى صدورهم، وليس العكس.

صعدنا الى الدور الثاني ليبدأوا غزوتهم لغرفة والدي حيث راحوا يعيثون فيها فسادا لم تسلم منهم حتى اغراضهما الخاصة. سألتهم ودمي يغلي ودون توقع رد... اتشعرون بالانتصار وانتم تعبثون بالاغراض الخاصة لضحاياكم؟ رماني احدهم بنظرة يصعب تفسيرها واكمل دون ان ينبس ببنت شفة... وبعد بضع دقائق قال وهو منهمك بالتفتيش: اننا نحمي اسرائيل. صدرت عني ابتسامة ساخرة وصمت.

وبينما كان الجنود منهمكين بالتفتيش رن جرس الهاتف وقفز احدهم ورفع السماعة ليضعها من جديد دون ان يجيب. ورن الهاتف من جديد وفعل الشيء ذاته. وفي المرة الثالثة امرني بالرد ومطالبة المتصل بعدم الاتصال.

بعد ان انتهوا من تفتيش الادوار العليا التي لم يسلم منها شيء، طلبوا مني مرافقتهم الى الدور الارضي وهو عيادة طبية كان والدي يستخدمها عندما كان لا يزال يمارس مهنة الطب. وقبل ان اهم بالمغادرة قال بصوت آمر: انتظري، بينما كان احدهم ينظر ناحية جهاز التلفزيون. وقلت ساخرة: هل لديكم الوقت لمشاهدة التلفزيون؟ فرد احدهم طالبا مني التزام الصمت. في نفس الوقت سمعت صوتا كالرنين مصدره احد جيوبه.. وفهمت انها اشارة من الجنود في الحديقة الامامية الى ان الطريق آمن. طلبوا مني بعدها ان اتقدمهم في هبوط الدرج لكني اصررت على ان يبلغوا زملاءهم بانني سأكون في المقدمة كي لا يطلقوا النار... يذكر هنا ان ذلك حصل اكثر من مرة وراح فيها الكثير من الضحايا.

وفعلوا في العيادة كما فعلوا في الدورين الاول والثاني. توجه احدهم الي بالحديث قائلا: عليك ان ترافقينا الى منزل جيرانك في الجهة الاخرى وستبلغين اهل المنزل بان يتجمعوا في غرفة واحدة ولا يتحركوا اطلاقا. سألت: هل لدي خيار الرفض؟ فرد: كلا. فقلت: انكم تستخدموننا كدروع بشرية. ولم يجب.. وتقدمتهم في الشارع الذي يخلو من اي حركة وانا اشعر بالفخر بانني انتمي الى هذا الشعب البطل.