المحاصرون في مقر عرفات استفادوا من زيارة باول بالاستحمام بعد إعادة إسرائيل الماء لساعات

السفير النرويجي جلب كعكة شوكولاتة فضل الفلسطينيون الاحتفاظ بها لتقديمها إلى الوفد الأميركي

TT

مع الاجتياح الاسرائيلي لمدينة رام الله، تضاءل المجمع الذي يقيم فيه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليضم بنايتين فقط يزدحم فيهما عشرات المسؤولين والمستشارين والحرس حيث ينامون بالتناوب على الأرضية وسط رائحة العرق. مضى على حصار عرفات داخل المجمع 18 يوما ويرافقه في هذا الحصار ما بين 100 إلى 200 شخص، بمن فيهم الحرس والجنود والموظفون وعدد قليل من الصحافيين والعاملين الصحيين. ويقف القناصة الاسرائيليون على بعد 30 ياردة من المسلحين الفلسطينيين الذين يراقبون الخارج عبر فتحات في الستائر.

لقد حوصر عرفات ورفاقه في المكاتب منذ أن احتلت القوات الإسرائيلية 10 بنايات من المجمع، بضمنها المقرات الوزارية والعسكرية للسلطة الفلسطينية، ووقع هذا الاحتلال بعد فترة قصيرة من صدور أوامر رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون باجتياح الضفة الغربية. ويمكن مشاهدة آثار الرصاص على واجهة البنايات، إضافة للحفر التي تركتها قنابل الدبابات، وحول المجمع تقف المدرعات مطوقة إياه، تنفيذا لرغبة شارون بعزل الرئيس الفلسطيني. مع ذلك ما زال الفلسطينيون يسيطرون على المقر الاداري للرئيس عرفات وقاعة الاستقبال. وهذه تشكل ثلاثة طوابق ومرتبطة ببعضها بواسطة رواق. ويرفض الفلسطينيون الاعلان عن عدد المقيمين داخل المجمع.

ويقطع «خط المواجهة» الآن الفسحة الكائنة امام المجمع حيث توقفت العديد من مواكب السيارات بما فيها الموكب الذي اقل وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى لقائه مع عرفات اول من امس، مثلما يقطع الساحة الصغيرة لوقوف السيارات قبالة المجمع. وأمام السلم الذي يقود الى المبنى حيث كان الرئيس الفلسطيني يستقبل الشخصيات البارزة، تحتشد القوات الاسرائيلية الان وراء أسلاك شائكة. وفي تلك الباحة ما زالت تقف سيارتا مرسيدس تعودان للحكومة الفلسطينية، وسط الركام المتناثر حولهما جرّاء القتال.

وحال انتهاء المعركة قبل ما يقرب من اسبوعين، جاء 30 ناشطا معظمهم من الاوروبيين ليدخلوا مقر الرئيس الفلسطيني، تعبيرا عن تضامنهم معه. والظروف داخل المجمع لم تتحسن، باستثناء توقف إطلاق النار الذي اصبح المحاصرون بفضله قادرين على النوم ليلا. وقامت القوات الاسرائيلية بقطع المياه عن المجمع في الساعات الاولى من هجومها، لكن الصليب الأحمر ظل قادرا على ايصال كمية محدودة من قناني الماء. وقال بعض المحاصرين إنهم لا يستطيعون الاستحمام الا يوم السبت حينما يتسلمون قدرا أكبر من الماء. ويقوم الصليب الأحمر بجلب الطعام لهم، وهذا يتضمن الخبز والحمص والجبن، الذي يكفي لوجبتين صغيرتين في اليوم. السجائر نادرة، أما القداحات وعلب الكبريت فهي الأكثر ندرة.

وحسب الطبيب الجراح، زيد أبو شاويش، فان آلام البطن والاسهال بدأت بالتفشي بين المحاصرين. ويشغل الدكتور أبو شاويش موقع نائب رئيس مستشفيات الضفة الغربية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية. وقال إنه التحق بالمحاصرين بعد توقف اطلاق النار بفترة قصيرة. ويقول إن هناك ثماني حالات مرضية حتى الان، وإذا «وقعت حالات إسهال أخرى في هذه المنطقة فانها ستتفشى بشكل جد واسع». وأضاف الطبيب الفلسطيني أنه لا يمتلك أي عقار لعلاج هذا المرض. وقال انه يعتني الآن بستة جنود فلسطينيين جرحوا برصاص القوات الإسرائيلية، إثنان منهم في وضع صحي خطير. وقرر الفلسطينيون عدم اجلاء الجرحى خوفا من اعتقالهم. وبدلا من ذلك، يقوم شاويش بعلاجهم في مركز صحي طارىء أنشئ داخل المجمع ويستخدم طاولة كسرير للعمليات بعد وضع شراشف جلبها له عمال الهلال الأحمر. وقام الإسرائيليون بقطع الكهرباء عن المجمع قبل ان يعيدوها بدون أي توضيحات، وسمحوا لعرفات ومستشاريه بمتابعة برامج شبكة «سي.إن.إن» التلفزيونية. وأعيدت الاتصالات الهاتفية باستثناء الهاتف الجوال الذي لا يمكن استخدامه إلا في زاوية من المبنى.

ويبدو النحول على عرفات جليا، لكن الفلسطينيين يقولون إن زعيمهم البالغ من العمر الـ 72 عاماً يتمتع بصحة جيدة وإن معنوياته جد عالية. ويقول أبو شاويش «الحمد لله لوضعه الصحي الجيد، مقارنة بالضغط غير الطبيعي الذي فرض عليه وهو في هذه السن. أتمنى أن يتجاوز بسلام هذا الوضع». ومن وقت إلى آخر، ينزل الرئيس الفلسطيني إلى الطابق السفلي للاختلاط برجاله. وحسب أحد هؤلاء، يعبر عرفات أحيانا عن انزعاجه من الدعم الضئيل الذي يصله من الحكومات العربية. لكنه غالبا ما يحثّ رجاله على الحفاظ على قوتهم ويقول «اعتنوا بانفسكم وابتعدوا عن النوافذ». السبت الماضي اعاد الاسرائيليون الماء الى المجمع مما اتاح للكثير من المحاصرين الاستحمام لاول مرة منذ اكثر من اسبوعين. ويقيم مع عرفات 40 ناشطا اوروبيا. ولأول مرة، تم تنظيف المرافق الصحية، كما اعيدت الكهرباء للمجمع. وقال الصحافي الفلسطيني، علي صفوت «في بعض الأيام كنا نأكل وجبة واحدة، وفي أيام أخرى وجبتين.. ونأخذ قسطا من النوم بشكل دوري على الأرضية أو على الأرائك القليلة». واعتمد الفلسطينيون والناشطون الأجانب على الصليب الأحمر، الذي كان يجلب لهم من وقت لآخر الطعام وماء الشرب. وقبل بضعة أيام جلب السفير النرويجي لهم كعكة بالشوكولاته، لكن الفلسطينيين احتفظوا بها لتقديمها لباول والوفد المرافق مع القهوة الأحد الماضي.

لكن فترة الراحة لم تدم طويلا، فحسب صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، اعيدت الاتصالات الهاتفية قبل وصول باول إلى المجمع بفترة قصيرة لتقطع ثانية بعد مغادرته. كذلك تم قطع الماء اول من امس بعد ان داست سيارة اسرائيلية على انبوب الماء، وعند وصول باول للمجمع كان الماء يتسرب من ذلك الانبوب بشكل واضح على الأرض المحيطة بالمبنى.. ومرة أخرى، لا ماء داخل المجمع.

* خدمة «لوس انجيليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»