ممرضة تروي ما رأته من ثقب الباب في جنين: ضربوا جاري بالرصاص وهو يرفع يديه وأنقذت طفلة تسير بغير هدى وسط الألغام

TT

لم يكن بوسع لقية تومي أن تشاهد الاشياء الا من خلال ثقب الباب. وقد رأت من خلال ذلك الثقب ان جارها قد ضرب بالرصاص وهو يرفع يديه. وصرخت عندما ابصرت امرأة طاعنة في السن تسقط برصاص احد القناصة. ولكن لم يعد بوسعها ان تبقى في مكانها عندما رأت طفلة تسير دون هدى في شارع مليء بالالغام.

قالت لقية: «امرني الجنود الا اخرج من منزلي، ولكنني لم التزم بذلك. لم يكن بمقدوري ان ابقى حيث كنت». وقد خرجت لقية، الممرضة الفلسطينية، وامسكت بالطفلة لتنقذها من موت محقق. وقد ظهرت شواهد دامغة ومتزايدة، بعد اسبوعين من اكثر المعارك دموية التي خاضها الجيش الاسرائيلي بالضفة الغربية، منذ 1967، ان النصر الذي تحقق له في معسكر جنين للاجئين، كان ملطخا بخروقات حقوق الانسان. فقد أطلق الجنود الاسرائيليون رصاصهم على المدنيين العزل، وهدموا المنازل على اهلها بالبلدوزرات، واغلقوا كل سبل الوصول الى المستشفيات ومراكز العناية الطبية. وادلى بشهادات تثبت ان الجيش قام بهذه الافعال كلها عشرات من شهود العيان، تمكنوا من الحديث يوم الاحد الماضي وهم يقيمون في مأوى مؤقت خارج المخيم الذي ما تزال تشتعل فيه الحرائق.

وتدل الشهادات التي أدلى بها هؤلاء، كشهود عيان، انه دارت معركة بشعة، انتقلت من بيت الى بيت، بين الجنود الاسرائيليين وبين المسلحين الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في الحي مع سكانه الاخرين من المدنيين العزل. اصطحبت القوات الاسرائيلية يوم الاحد، ولاول مرة منذ بداية الهجوم، الصحافيين في جولة على هذا المخيم. كانت جثة رجل فلسطيني ملتح ما تزال على الارض في أحد الشوارع، يغطيها الذباب. بعض المنازل والمباني تمت تسويتها بالارض. وقال الجنود الاسرائيليون انهم وجدوا مصائد مموهة في كل انحاء المخيم. ولكن بعد فترة من مغادرة الصحافيين، اندلع القتال من جديد، وسمعت اصوات انفجارات قوية، قال المواطنون انها عبوات ناسفة تستخدم في تحطيم الابواب، وسمعت كذلك اصوات المدافع الآلية واصوات قذائف الدبابات، وتعالت السنة اللهب والدخان من أحد جوانب المعسكر الذي كان يؤوي 13 ألف شخص قبل عدة ايام.

وقال رجل من سكان المخيم في محادثة هاتفية انه لم يبق من سكان المخيم الا قلة من الناس. فقد انعدمت المياه وخدمات الهاتف، رغم ان الامداد الكهربائي قد اعيد يوم الاحد.

قال الرجل، واسمه وليد اغا، وهو اب لثلاثة اطفال: «نحن اصابنا اليأس. اننا نشم رائحة الجثث المتحللة».

وقال الاسرائيليون ان عدد القتلى كان 23 من الجنود الاسرائيليين وحوالي 70 من الفلسطينيين. ولكنهم قالوا ان مزيدا من الجثث يمكن ان تستخرج من الحطام الذي يصل ارتفاعه الى 25 قدما في بعض المواقع. ولكن الفلسطينيين يصرون على انه قد مات بين 300 و500 شخص نتيجة الهجوم الذي استمر اسبوعين. ويمكن ان يبقى عدد الضحايا موضعا للجدل. ففي يوم الاحد رفضت المحكمة العليا طلبا من السياسيين العرب باسرائيل وبعض جمعيات حقوق الانسان، بمنع الجيش الاسرائيلي من دفن الموتى. وقالت المحكمة ان من حق الجيش ان يدفن الموتى اذا فشلت السلطة الفلسطينية في عمل ذلك. ولكن المحكمة قالت انه من الافضل ان تساهم في العملية جمعية الصليب الاحمر الدولي. ونفى المسؤولون العسكريون ان تكون قد حدثت مجازر او اية خروقات لحقوق الانسان.

ومع هدير الدبابات وانتشارها في شوارع المخيم المهجورة والمخربة، في الساعات الاولى من يوم 3 ابريل (نيسان) وهو اليوم الاول لبداية الهجوم، وحتى لحظة الاخلاء شبه التام للمخيم يوم السبت، قال اكثر من عشرة من الشهود، ادلوا باقوالهم باستقلال عن بعضهم البعض، انهم شاهدوا نمطا محددا للاعتداء على المدنيين. وقال هؤلاء الشهود ان الجنود الاسرائيليين عمدوا منذ البداية الى اطلاق الرصاص على المواطنين العزل والى هدم البيوت على ساكنيها. وجاءت في شهادة اخرين ان الاسرائيليين منعوا الناس من الوصول الى مراكز العلاج. وقال اخرون ان الاسرائيليين اعتقلوهم وهددوهم بالقتل قبل ان يطلقوا سراحهم.

وفي اليوم الاول للهجوم هربت لقية تومي من مركز صحي تابع للامم المتحدة بحثا عن الامان في منزل احد اقربائها. وعندما كانت تنظر من ثقب الباب رأت رجلا بالشارع يسير وهو يمسك بطنه. لم يكن يحمل سلاحا. وقالت تومي انه كان يقول:

«أريد طبيبا، اريد ان اذهب الى المستشفى. فقد ضربوه بالرصاص».

وتحدثت تومي وأكد ما قالته بهاء عوض، (20 سنة)، وهو موظف في الاسعاف، عن حادثة وقعت في الايام الاولى من الغزو عندما امر الجنود الاسرائيليون احدى الاسر بالخروج من منزلها وبعد ذلك هدموه بالبلدوزر. وكان افراد الاسرة يصرخون ويقولون انهم اضطروا للخروج من منزلهم وتركوا وراءهم ابنهم المعوق. ومع ذلك فان المسؤولين في الجيش الاسرائيلي يقولون انهم لم يدفنوا المدنيين الابرياء وهم احياء.

قال وولف وهو يتحدث للصحافيين: «نحن لا نحطم اية منازل اذا كنا نعلم ان هناك مدنيين بالداخل. ولكننا نفعل ذلك في حالة تكرار نداءاتنا بالاستسلام واستمرار اطلاق النار من داخل المنزل المعين».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص ب«الشرق الأوسط»