وولفويتز أحد صقور إدارة بوش: عاش في إسرائيل ويرى العالم من منظار الحرب العالمية الثانية

TT

تلقى نائب وزير الدفاع الاميركي، بول وولفويتز، مكالمة هاتفية قبل عشرة ايام، من كارل روف المستشار السياسي للرئيس جورج بوش، تدعوه للتوجه لمخاطبة مظاهرة مؤيدة لاسرائيل. وكان البيت الابيض يتحرك كالملسوع اثر الانتقادات التي تلقاها من الجمهوريين المحافظين لسياساته تجاه اسرائيل. ولذلك صار وولفويتز، اكثر مؤيدي اسرائيل تشددا في الادارة، متحدثا باسم بوش، امام جمع اغرق خطابه بشعارات: يسقط عرفات، يسقط عرفات. كان خطاب وولفويتز، اليهودي اصلا، مؤيدا بصورة جوهرية لاسرائيل. ولكنه قوطع عدة مرات وارتفعت صيحات الاستنكار والاحتجاج عندما اشار الى «الفلسطينيين الابرياء» الذين يعانون، مثلهم مثل الاسرائيليين من اراقة الدماء.

كان وولفويتز قد اخذ كفايته من لعب دور «مانعة الصواعق» باعتباره ابرز الصقور في صفوف الادارة. فهو من اقوى الداعين لاقامة الدرع الصاروخي الاميركي، وتوسيع الحرب ضد الارهاب لاسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. ولكن وولفويتز، وهو الرجل الثاني في وزارة الدفاع، لم يكن راغبا في ان يكون درعا سياسيا لاحد. وقال في هذا الصدد انه ترجى روف ان يعفيه من هذه المهمة. ولكن هذا الأخير قال له ان بوش اختاره وهو في اجتماع مع كبار مستشاريه بمن فيهم كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس للامن القومي.

قلت له: «أليس هناك شخص اخر يمكن ان يضطلع بهذه المهمة؟ ولكنه قال لا». مضيفاً «ان كوندي هي البديل الوحيد وهي في اجتماع مع الرئيس وانت لست في ذلك الاجتماع». وهكذا وبعد 72 ساعة، وبعد ست مسودات للخطاب، وبعد رحلة الى فورت براغ للتنوير من قبل قادة القوات الخاصة المرابضة في افغانستان، القى وولفويتز خطابا حاول فيه ان يصور فيه سياسة الادارة في الشرق الاوسط، كموازنة سديدة بين المقتضيات المحلية وبين الاهداف الكبرى للسياسة الخارجية الاميركية.

وقال وولفويتز في مقابلة جرت معه الاسبوع الماضي في مكتبه بالطابق الثالث بوزارة الدفاع: «كان واجبي ان اطرح المدى الكامل لسياستنا الخارجية، وليس فقط ذلك الجزء المؤيد لاسرائيل».

وذكر انه صعق من عنف الغضب الذي ووجه به: «كان أسوأ ما في تلك المواجهة تلك الصيحات الغليظة من المستمعين من الطلاب». ولا غرو فقد كان وولفويتز استاذا بجامعة ييل. وحاول ان يتقمص شخصية لا تناسبه، وهي شخصية الداعية السياسي للقيم الاخلاقية، وذلك عندما طرح فكرة «انهاء تلك الدول التي تدعم الارهاب»، وهي الشخصية التي اثارت غضب وزير الخارجية كولن باول. وولفويتز عالم في الرياضيات، لطيف العبارة، تحول الى واحد من صناع القرار السياسي. ولكنه كوّن مبادئه وافكاره مستندا الى تاريخ عائلي والى بحوث جرت في قاعات البحث والدراسة والاكاديمية وليس في ادغال فيتنام او ممرات مجلس الشيوخ. ولد وولفويتز في بروكلين، وشب في ايثاكا، نيويورك، وهو يبلغ من العمر حاليا 58 عاما. وهو ابن بروفسور جامعي، استاذ في الرياضيات بجامعة كورنيل، كان قد هرب من بولندا بعد نهاية الحرب العالمية الاولى. اما بقية اسرته فقد هلكت كلها في معسكرات الاعتقال النازية.

ويقول وولفويتز: «ما حدث في اوروبا اثناء الحرب العالمية الثانية، هو الذي صاغ افكاري وقناعاتي الاساسية. انه لمن الامور البشعة ان يقوم بعض الناس بابادة البعض الاخر. وتقع الابادة دائما على الاقليات. وليس من الممكن منع كل حدث من هذا النوع في كل العالم، ولكن من الخطأ التعامل مع مثل هذا الاحداث باعتبارها احداثا انسانية صرفة، ولا ترتبط بالمصالح الحقيقية».

تخرج وولفويتز في كورنيل ونال درجته في الرياضيات والكيمياء.. ولكنه تأثر بقوة بكتاب جون هيرسي «هيروشيما» مما جعل اهتماماته تتحول الى السياسة. وقال: «احد الامور التي جعلتني اتحول من الرياضيات واتخصص في العلوم السياسية هو التفكير في انني يمكن ان امنع نشوب حرب نووية».

وشغل منذ ان تحول الى السياسة عام 1973 عددا من الوظائف في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، منها كبير المستشارين السياسيين لديك تشيني عندما كان وزيرا للدفاع، كما عمل سفيرا لدى اندونيسيا. وبمراقبته للمسرح السياسي في شرق اسيا، وتحول بلدان مثل كوريا الجنوبية وتايوان والفلبين الى النظام الديمقراطي، قال وولفويتز «ان الدول يمكن ان تختار الديمقراطية اذا ساعدناها على ان تجد القوة الكافية التي تمكنها من ذلك».

وأضاف وولفويتز الذي يتحدث الفرنسية والعبرية والاندونيسية: «المسألة ليست هي ان نهيمن على العالم او نجعل العالم يدير شؤونه على طريقتنا ووفق نهجنا. ولكننا نقول ان الناس اذا تحرروا بصورة كافية فانهم سيديرون بلدانهم بطريقة تكون متوافقة تماما مع المصالح الاميركية».

اثناء ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، وبين 1994 الى 2000، عمل وولفويتز عميدا لمدرسة الدراسات الدولية العليا، بجامعة جون هوبكنز. ولكنه صار من اوائل مستشاري بوش في مجال السياسة الخارجية والامن القومي.

الحكمة التقليدية التي تجري بها الالسنة في واشنطن هي ان ادارة بوش لن تتمكن من التعامل مع العراق، اكبر اهدافها التالية في الحرب ضد الارهاب، ما لم تحل مشكلة الشرق الاوسط. ولكن وولفويتز الذي عاش باسرائيل لمدة سبعة اشهر عندما كان عمره 14 سنة، لا يوافق على ذلك. ويقول «ليس ثمة شك انه اذا عاد المسيح غدا وتمكنا من حل النزاع العربي ـ الاسرائيلي، فان ذلك سيسهل كثيرا من المشاكل التي نواجهها في الحرب الاكبر ضد الارهاب. ولكننا لا نستطيع ان نسمح لمشكلة واحدة، ومهما كانت خطورتها، ان تصيبنا بالشلل. ونحن لم نحدد حتى الان حلا لمشكلة العراق. فالرئيس حدد ما هي المشكلة. ونحن نفكر الان في الحلول الممكنة، وفي السياسات المتاحة».

ان الرؤية البراغماتية النازعة نحو الفعل، هي التي شكلت مسيرة وولفويتز داخل الحكومة وخارجها. فبالاضافة الى دعوته لاسقاط صدام حسين، كان مؤيدا لتسليح مسلمي البوسنة في حربهم ضد الصرب. وكان من معارضي ومنتقدي سياسة كلينتون في كوسوفو، متهما اياه بالانتظار وقتا اطول مما ينبغي قبل ان يتدخل عسكريا.

ويعترف وولفويتز بأن زيارة كولن باول الى الشرق الاوسط، اوضحت حدود النفوذ الاميركي في المنطقة، وخاصة نفوذها العسكري. وقال في ذلك: «اعرف انني اجلس هنا في وزارة الدفاع، واعرف ان الناس يريدون ان يلصقوا بي وصفات معينة، ولكنني اعتقد ان القوة العسكرية هي جزء صغير من القوة الاميركية. ان القوة الحقيقية هي ما نمثله من قيم».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط.»