يهود أميركا أصبحوا أكثر تأييدا لإسرائيل ويشعرون أن العالم يتحالف ضدهم

الأصوات اليهودية المنتقدة لإسرائيل أصبحت أقلية ولا تستطيع المجاهرة برأيها

TT

يجتمع كل اسبوع اكثر من عشرين من المهنيين الذين يدرسون اللغة العبرية من اجل تناول وجبة الغداء. وكان من عادتهم ان يجربوا لغتهم الجديدة بالحديث عن العطلات والوظائف والمواعيد الغرامية والاطفال. ولكن فسحة الغداء استغرقها في الاسبوع الماضي موضوع واحد، هو نفس الموضوع الذي استغرق اليهود الاميركيين مؤخرا. ماذا يمكن ان يفعلوا من اجل اسرائيل؟

اقترح احد المهنيين الشباب شراء المنتجات الاسرائيلية، واشار الى الحمص الاسرائيلي المعروض في محلات جويل بالجزء الشمالي من المدينة. واقترح آخرون ارسال بطاقات لمعارفهم باسرائيل، والاتصال بنواب في الكونغرس والتبرع بالاموال.

وقالت ربيكا كاهن، 40 سنة، المحامية التي عادت لتوها من القدس والتي تنوي الهجرة الى اسرائيل في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل: «اذهبوا الى هناك. ينتابني القلق من ان اسرائيل يمكن ان تختفي من الوجود. واشعر براحة اكبر عندما اكون هناك. انني اشعر هناك بأنني جزء من الشعب اليهودي».

مسلك ربيكا كاهن، الذي ضاعفت منه حادثة كتابة كلمة «يهودية» على صفحة سيارتها في الخريف الماضي، يعتبر مثالا متطرفا على التحولات التي تجري الان في عقول وتوجهات اليهود الاميركيين. فتصاعد المواجهات في الشرق الاوسط، مضافة اليها بعض الهجمات المعادية لليهود في اوروبا، جعل اليهود يشعرون بأنهم مستهدفون وبأن شعبهم وبلادهم يخضعون للحصار. وينتاب بعضهم القلق من ان النقد الموجه في الخارج لدعم الولايات المتحدة لاسرائيل يمكن ان يضعف التحالف القائم بين الدولتين. ولم يحدث منذ حربي 1967 و1973، بل ربما منذ حرب 1948، ان توحدت صفوف اليهود بهذه الطريقة، أو توترت اعصابهم بهذه الطريقة. ومع ان بعض اليهود يخشون ان يفسر أي نقد للعمليات العسكرية كنوع من عدم الولاء، وبينما قالت فئة قليلة انها تخشى وضع العلم الاسرائيلي على زجاج سياراتها، الا ان الازمة الحالية جعلت الكثيرين يبرزون هوياتهم بدلا من البحث عن غطاء والتواري عن الانظار.

وقال قادة الطوائف اليهودية عبر البلاد ان هناك حضورا متزايدا للكنس اليهودية ومزيدا من التبرعات. كما قالوا ان طلبات الهجرة الى اسرائيل زادت بنسبة 46%، وان 236 عائلة قدمت للهجرة منذ يناير (كانون الاول) الماضي، بينما كانت في العام الماضي 162 عائلة. واشترك في مظاهرة التأييد لاسرائيل التي سيرت في واشنطن في الاسبوع الماضي والتي نظمت في اقل من اسبوع، حوالي 100 الف متظاهر يمثلون كل فئات اليهود في الولايات المتحدة.

هذه التحولات يمكن مشاهدتها في اشكال صغيرة كذلك. فهناك طالب فنون في بروكلين، يتلو كل صباح المزمور 121 الذي يقول: «ذلك القائم على حراسة اسرائيل لا يغفو ولا ينام». وأخذ هذا الطالب نفسه يشتري الطين الذي يعمل عليه من طين البحر الميت. وقامت امرأة من شيكاغو، عمرها 23 سنة، بارسال رسالة الكترونية لكل معارفها من اليهود، تقول فيها: «ما هو العمل الذي سنقول لأحفادنا اننا قمنا به عندما حدث هذا التحول الحاسم في التاريخ اليهودي؟».

هذه النداءات من اجل التحرك العملي، ظهرت في اوساط اليهود بعد الهجوم على احتفال عيد الفصح في احد الفنادق في ناتانيا باسرائيل. والمعروف ان عيد الفصح هو من اكثر الاعياد التي يحرص اليهود على الاحتفال بها، ولذلك فان اصداء الهجوم ترددت عبر الاف الموائد المقامة لذلك الاحتفال وخاصة عند قراءة التحذير التقليدي الوارد في التوراة حول ان كل جيل سيجلب معه اعداءه الجدد.

في يوم 8 ابريل (نيسان)، وبعد نهاية الاحتفال بعيد الفصح، اعلنت الجمعيات اليهودية المتحدة، وهي منظمة تتكون من 160 مجموعة يهودية، تكوين صندوق طوارئ من اجل اسرائيل. وقد جمعت هذه المنظمة 100 مليون دولار حتى الان.

قال مايكل كوتسين، نائب مدير فيدرالية الجمعيات اليهودية بشيكاغو: «هناك احساس حقيقي بالخطر. احساس بان العالم يتحالف ضد اليهود. وهذا يصل الى اعماق الناس. ان شيئا يتعلق بوجودهم قد تعرض للخطر». ويوجد بشيكاغو 261 الفا من ستة ملايين يهودي يعيشون بالولايات المتحدة.

وقال ماكس روفنر (34 سنة) ان مظاهرة يوم الجمعة الماضي التي نظمها اليهود كانت اول مظاهرة سياسية يشارك فيها. وقال روفنر عن علاقته الجديدة باليمين: «لم اشعر مطلقا ان لي علاقة باليمين المسيحي، ولكن ها هم يقفون بنسبة 100% مع اسرائيل».

وربما يكون الموقف الاوروبي قد هز اليهود الاميركيين اكثر مما هزهم النزاع في الشرق الاوسط. وقد اوضحت استطلاعات الرأي هذا الاسبوع ان عدد المتعاطفين مع الفلسطينيين اكثر من عدد المتعاطفين مع اسرائيل في كل من فرنسا وايطاليا وبريطانيا. وقد تضافرت عدة احداث لتشعر اليهود انهم يواجهون ظروفا شبيهة بما كان سائدا في الثلاثينات. ومن هذه الاحداث الادانات التي صدرت من الامم المتحدة ومن الاتحاد الاوروبي لغزو الجيش الاسرائيلي لمدن الضفة الغربية، مضافا اليها الهجمات على المعابد اليهودية وعلى باصات المدارس وعلى فريق كرة قدم للشباب اليهودي. ومع ان اليهود يقولون انهم يشعرون بالامان في الولايات المتحدة، الا ان هناك بعض الشواهد لمشاعر معادية لليهود هنا ايضا، وخاصة في حرم بعض الجامعات. وقد وجدت كلمة الصهاينة مكتوبة على حوائط جامعة كولورادو اثناء اسبوع التوعية بابعاد المحرقة.

وغيرت سارة توكوف (19 سنة) الطالبة بالسنة الثانية بجامعة كاليفورنيا، تخصصها من الرقص الى الدراسات الدولية، وجاء ذلك جزئياً بسبب الخطاب المعادي لاسرائيل في الجامعة، مثل ذلك الملصق الذي يقول: «لماذا يحب الاسرائيليون قتل الاطفال الفلسطينيين الرضع؟».

وقالت تولكوف: «اننا نخوض هنا نفس المعركة التي يخوضونها هناك. ان هويتي مهددة. انهم يصادرون جزءاً مما امثله ويدوسونه».

وقد ادت المخاوف من بروز النزعات المعادية للسامية الى خنق النقاش وسط اليهود الاميركيين حول سياسة اسرائيل وقضاياها. وفي اجتماع لمجموعة من المتقاعدين، في كلية بروكلين، قالت هيلين روزنبيرغ (86 سنة) انها قالت في محادثة مع امرأة اخرى، انها آسفة لأولئك الفلسطينيين الذين قتلوا. وقالت ان المرأة الاخرى التفتت اليها وقالت لها: «أنت تريدين تدمير اسرائيل».

وقال ارايا كوهين، البروفسور في دراسات التلمود بجامعة الديانة اليهودية بلوس انجليس، ان الاصوات المنتقدة لاسرائيل تم اخراسها في المنابر التي كانت معروفة بحرية الحوار فيها. ولم يكن منتقدو رئيس الوزراء الاسرائيلي سوى قلة ضئيلة في مظاهرة واشنطن. وقال البروفسور كوهين، الذي عاش باسرائيل لمدة 12 عاما وشارك في حرب لبنان: «من المؤلم ان يعزل المرء نفسه عن مظاهرة مؤيدة لاسرائيل.. انني اواجه مواقف، في خضم الاحداث اليومية وبين زملائي، لا استطيع فيها ان اعبر حقيقة عما افكر فيه» وهذا واحد من هذه المواقف.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»