سيطرة قادة الحرب على آبار المياه.. تزيد معاناة الصوماليين

احتجاز قافلة مساعدات دولية انتهت بمعركة دموية الثلاثاء في بيداوه

TT

يسميها القرويون «حرب الآبار»، وهي في الحقيقة معركة نشبت بين عشيرتين بهدف السيطرة على مصادر المياه في بلدة رابدوري التجارية المتربة في الصومال. ومع انتهائها بعد سنتين، كان 250 رجلاً قد قتلوا، والآن، ظهرت أرامل الآبار وأمراء حرب الآبار ومقاتلو الآبار. وقالت فطومة علي محمود، 35 سنة: «نطلق عليهم: أمراء حرب المياه»، في اشارة الى الرجال المسلحين الذين يتحكمون في موارد المياه.

وفي احد أيام العام الماضي، توجه زوج فطومة بحثا عن الماء، لكن عثر عليه قتيلاً بعد يومين، حسبما قالت فطومة، وهي تحمل طفلا رضيعا على ظهرها وحولها 9 أطفال آخرين. واضافت ان زوجها تعرض لاطلاق نار عندما بدأت مجموعات من الاشخاص الغاضبين التشاجر حول البئر.

ويعتبر البئر في الصومال أمراً ذا قيمة مثل بنك المدينة، اذ يتحكم فيه امراء الحرب وتتولى حراسته مجموعات من المسلحين. وخلال الجفاف الذي تتعرض له البلاد منذ ثلاث سنوات، اصبحت المياه موردا يستحق القتال بل الموت من اجله.

يشار الى ان الجفاف أثر على نحو 11 مليون شخص شرق افريقيا وتسبب في نفوق اعداد كبيرة من المواشي. وقد توسطت حكوماتا كينيا واثيوبيا في عشرات النزاعات التي نشبت بسبب المياه في البلدين، وكانتا كثيرا ما ترسلان قوات لمواجهة النزاعات حول الآبار.

لكن تأثير الجفاف يعد اكثر وضوحا في الصومال، البلد الذي يفتقر الى حكومة مركزية، ومشاريع للري، منذ انهيار حكومة محمد سياد بري عام 1991. ومنذ ذلك الوقت اصبح امراء الحرب ومقاتلوهم يسيطرون على جمع الضرائب والمحاصيل الزراعية والاسواق والمياه.

ويوظف برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة مجموعات من المسلحين للمساعدة على حماية القرويين اثناء حصلوهم على المياه وزيت الطهي والذرة. وبالرغم من ذلك، فإن المسلحين يجبرون، في بعض الاحيان، النساء على ترك المياه او الطعام اثناء عودتهن الى قراهن. ويقول عبد الرشيد، وهو ممرض في رابدوري ويعمل مع منظمة اغاثية تدعى «الفرق الطبية الدولية»: «حتى عندما يتمكن السكان من التوصل الى نظام للحصول على المياه، فإن امراء الحرب يسيطرون على الامر، وهذا هو سبب وجود اعداد كبيرة من الناس يشربون مياها ملوثة بالدود والاقذار ويمرضون، الامر يشبه بداية حروب مياه هنا في الصومال».

وأدى الجفاف الى اسوأ موسم زراعي منذ 10 سنوات، ودفع الامم المتحدة الي مطالبة الدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة لدفع مبلغ 327 مليون دولار لتمويل المساعدات الغذائية وبرنامج نقل المياه للصومال. واذا لم تهطل كميات كافية من الامطار في الموسم الحالي، فان من المحتمل وفاة آلاف الصوماليين شهريا، حسبما افاد مسؤولون من الأمم المتحدة.

وتشير التقديرات الى احتياج 2.1 مليون صومالي لمساعدات عاجلة، بما في ذلك المواد الغذائية ومياه للشرب والغسيل والطهي. لكن يصعب عادة توزيع الغذاء والمياه في مناطق وعرة في الصومال، لان قوافل المساعدات وشاحنات المياه، تتعرض الى هجمات او تجبر على دفع اتاوات في نقاط تفتيش للمتطرفين.

ويوم الثلاثاء الماضي، قتل 6 أشخاص وأصيب ثلاثة بجروح عندما تبادلت مليشيات متنافسة اطلاق النار بعد احتجاز قافلة مساعدات تابعة للامم المتحدة بالقرب من بيداوه. وكانت القافلة تحاول ايصال مواد غذائية الى ضحايا الجفاف بالقرب من المدينة عندما بدأت المليشيات في القتال حول المبالغ التي يطالبون بها مقابل العبور.

وحتى رجال الاعمال الذين يستأجرون الحراس لحمايتهم يشيرون الى ان العمل في الصومال خطير بسبب عنف العصابات وزيادة عدد الاسلحة المتوفرة في المنازل.

وتشمل الحلول طويلة المدى لمواجهة الجفاف، تجميع مياه الامطار التي تتساقط، وبناء نظم ري حديثة، واستخدام تقنيات جديدة للبحث عن المياه. لكن هذا النوع من الجهود، كما ذكر زلاتان ميليتش، مدير برنامج الغذاء العالمي في الصومال، يتطلب التنسيق وفرض حكومة مركزية. واضاف ميليتش: «الصومال يعاني من ازمة مياه تحولت الى ازمة غذاء. والتأثير هنا اسوأ من أي مكان آخر في العالم بسبب عدم وجود حكومة وعدم تحقيق استقرار. ارى ان هذا هو أكثر الاماكن فوضى في العالم يعاني حالياً الجفاف».

ويندلع القتال على المياه حتى في الاماكن التي توجد فيها امدادات كافية. ففي واحد من مثل هذه الاماكن، في بلدة واجد، اعدم رجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعدما قتل رجلا آخر في معركة حول بئر، الشهر الماضي، طبقا لما ذكرته سلطات المدينة.

وذكر الصوماليون الذين فروا من الجفاف ويعيشون في ملاجئ مؤقتة على مداخل المدينة إن الحادثة أثارت رعبهم. وقالوا انهم توجهوا الى البلدة للبحث عن مياه وكانوا يأملون تحقيق ذلك بدون التعرض لعنف. وسارت عائشة عدن حسين، 38 سنة، التي قتل زوجها في حرب الآبار في رابدوري، اكثر من مائة ميل للوصول للمدينة، وكانت لديها هي وزوجها مزرعة وعدة اكواخ واسعة لأولادهما العشرة، وهي تقضي الآن غالبية وقتها في ملجأ. ووصفت حياتها بأنها «بائسة»، قائلة انها تأمل في البقاء على قيد الحياة.

في كل صباح ومساء، عندما تكون درجة الحرارة قليلة نسبياً، تقوم بجمع الحطب وتحاول بيعه. لكن الحرارة ترتفع كثيراً خلال النهار، ولذا تقضي معظم وقتها في خيمتها. وقالت: «أجلس هناك، وأدعو الله وانتظر الجنة. في الجنة سأجلس تحت شجرة مانغو كثيفة، وسأكون سمينة. سيلبس اولادي لباسا انيقا للتوجه للمدرسة، وسيقرأون قصصا لطيفة. والاهم عدم العطش، اذ ستصبح افواهنا مبللة دائما، وسنشرب في سلام».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»