سليم الحص لـ«الشرق الأوسط» : على الرئيس لحود المبادرة بإعلان «استعداده للتنحي عن السلطة»

قال إن الطائفية في لبنان «على أشدها» وتتحكم في قرارات النخب السياسية

TT

أكد سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق وجوده في المعترك السياسي اللبناني، على الرغم من اعتزاله العمل السياسي الحكومي منذ خسارته في انتخابات 1995 النيابية. وفي حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش ملتقى الشركات العائلية الذي أقيم أخيرا في مدينة جدة، دعا الرئيس اللبناني الحالي، أميل لحود، الى المبادرة باعلان «استعداده للتنحي» عن السلطة وفق قانون انتخابي جديد، للحفاظ على الاستقرار في لبنان.

وفيما يلي نص الحوار:

> أولاً أين أنتم من ساحة المعترك السياسي التي يشهدها لبنان؟

ـ أنا لست محتجباً، حيث أشارك في السياسة اللبنانية كوني أحد اللبنانيين الذين يفتخرون بوطنيتهم وعروبتهم، إلا أني منذ أن خسرت مقعدي في الانتخابات النيابية عام 1995 توصلت الى قناعة بالابتعاد عن الساحة السياسية الحكومية، ولكن ذلك لا يعني اعتزالي السياسة بشكل عام.

> خططت بيدك أول صياغة لمشروع ما يعرف بـ«بيان الثوابت الوطنية»، والسؤال هل ترون أن هناك حاجة لإعداد ثوابت جديدة؟

ـ في الحقيقة نحن بحاجة إلى إضافة بعض المستجدات لمشروع الطائف، حيث أعتقد بأنه لا يجب الرجوع إلى ما قبل الطائف، ولا يجب البقاء على الوضع الراهن، بأي شكل من الأشكال.

> وبالنسبة للطائفية في لبنان اليوم، هل من احتمال لعودتها إلى الحياة السياسية اللبنانية؟

ـ الطائفية، على أشدها هذه الأيام، والعصبيات الطائفية أيضاً متحركة جداً هذه الأيام، كما لم تكن خلال فترة الحرب اللبنانية، ونحن نشكو دائماً من تفجر العصبيات الطائفية، التي تتحكم بقرارات كثرة من الناس.

> وكيف ذلك؟

ـ أصبحت الطائفية السياسية تتحكم بقرارات كثرة من السياسيين في لبنان، من نواب ووزراء وغيرهم، وبذلك تكون الطائفية والمذهبية متحكمة في القرار في لبنان مع الأسف الشديد، ولذلك نحن لا ننتظر عودة الطائفية فهي موجودة فعلاً.

> في الـ 4 مارس (آذار) 1983 قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جورج شولتز، بأن احتمالات السلام في لبنان قائمة غير أن طريقها وعرة وطويلة، هل هناك مقارنة بين ما ذكره الوزير في تلك الفترة، وبين ما يشهده لبنان اليوم؟

ـ بالطبع، فطريق السلام في لبنان ما زالت وعرة جداً وطويلة، وأهم وأخطر ما يعترضها العصبيات المذهبية والطائفية، ونحن في تجربة الإصلاح السياسي في ما يشبه الدوامة أو الحلقة المفرغة، فقرار الإصلاح قرار سياسي يتم اتخاذه عبر سياسيين، ومفتاح الإصلاح الشامل يكون بقانون الانتخاب الأمثل.

> وما المانع من وجود مثل ذلك القانون لإنقاذ الوضع العام؟

ـ السبب بسيط جداً، فقانون الانتخاب الأمثل الذي يحلم به الحريصون على المصلحة الوطنية اللبنانية، إذا صدر سيحول دون مجيء أكثر الموجودين اليوم في الساحة السياسية، بمعنى أوضح أن أكثر النواب لا يعودون نواباً بموجب هذا القانون في ما لو تم تطبيقه، وهذا في نظري يعتبر قراراً انتحارياً، ولا اعتقد بأن هناك من لديه الاستعداد للموافقة على قرار انتحاره. > قلت في إحدى مذكراتك «لا يزال مضمون اتفاق الطائف مثاراً للطعن أو للتحفظ أو الرفض لدى فريق من اللبنانيين»، ما معنى ذلك؟

ـ ما كنت أقصده أن هناك أناسا ساروا في اتفاق الطائف من دون إيمان بالمفيد من الاتفاق، ومن ذلك سأذكر حالتين للاستشهاد بهما فقط، الأولى أن الطائف نص على إنشاء هيئة عليا لإلغاء الطائفية السياسية وتجاوزها على مراحل، وحسب الطائف كان من المفروض أن تشكل هذه الهيئة مع انتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكان يفترض أن يتم ذلك في عام 92 عندما تم انتخاب أول مجلس نيابي، إلا أنه بعد 16 عاماً لم يتم تشكيل تلك اللجنة، والأمر الآخر هو عروبة لبنان حيث نص الطائف على أن «لبنان وطن نهائي لأبنائه» ولكنه قال أيضاً بأنه «عربي الانتماء والهوية»، أي أنه أقر بعروبة لبنان، واليوم للأسف نجد أن هناك الكثير في لبنان لا يعترفون بعروبة لبنان، وهذا تأكيد على أن هناك من يؤمن بالطائف ولكنه غير ملتزم بما نصت عليه الطائف من بنود. > هناك دور أميركي واضح وآخر فرنسي على الساحة اللبنانية. ما هو رأيك فيهما؟

ـ لا شك في ذلك، ولكنهما ليسا وحيدين فهناك أدوار كثيرة في لبنان، هناك الدور الأميركي فعلاً ولكن بعده إستراتيجي، وهناك الدور الفرنسي المنافس والملحوظ، وهناك المبادرات السعودية والمصرية والعربية، وهناك الدور الأوروبي أيضاً، وهناك من يعتقد بوجود دور لسورية وإيران في المنطقة أيضاً، ولكن من مصلحة جميع الأطراف استقرار لبنان والمحافظة عليه. وهنا أدعو جميع الأطراف بأن تكون وقفتها مع لبنان في هذا الوقت وقفة بناءة، ومساهمة في ترسيخ الديمقراطية التي يصبو إليها لبنان.

> كيف ترون المستقبل السياسي في لبنان ؟

ـ لو سألتني عن المستقبل، فيجب تحديده وفق أفق زمني محدد، فلو قلنا على سبيل المثال خلال الأيام القليلة المقبلة فأعتقد أنه لن يكون هناك جديد، ولكن لو قلت لك خلال سنة فهناك العديد من التغيرات التي حتماً ستحدث، وهكذا فكلما زادت المدة الزمنية كانت نسبة التطور أكبر، خاصة أن لبنان بانتظار نتائج تقرير المحقق الدولي برايمرتس في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري النكراء والذي حتماً سيحدث نقلة وتغييراً في الساحة السياسية اللبنانية بأكملها، وربما سنشهد حكومة اتحاد وطني تقوم بتسيير أمور الدولة، ولكن بشكل عام أنا متفائل جداً بمستقبل الوضع السياسي في لبنان.

> والعلاقة اللبنانية مع سورية إلى أين تتجه في نظركم بناء على المعطيات الحالية على الساحتين اللبنانية والدولية؟ ـ قدرنا أن تكون علاقتنا بسورية جيدة ومميزة، ولا ننسى أننا أقررنا بعروبة لبنان في اتفاق الطائف ولا تنازل عنها، وكيف تكون عروبة من غير سورية، وسورية جار يشغل أكثر من 80 في المائة من الحدود البرية مع لبنان. ولا ننسى بأن لنا مصلحة استراتيجية ومصلحة يومية في التعامل مع سورية، ولذلك يجب أن تصحح العلاقة وتعود إلى ما كانت عليه في الماضي، ويجب أن تكون متكافئة على أساس الندية واحترام سيادة البلدين. > وكيف يكون هذا التصحيح في نظركم؟

ـ التصحيح يبدأ باجتماع لهيئة التنسيق العليا التي يرأسها رئيسا وزراء البلدين، ومعهما الوزراء المختصون، والمجلس الأعلى اللبناني السوري الذي يتكون من الرؤساء الثلاثة في البلدين ويتم التباحث في كل الأمور. > ما رأيك في مسألة الرئاسة اللبنانية الحالية؟

ـ نحن في «القوة الثالثة» تقدمنا بمبادرة في هذا الإطار، تبدأ بإعلان الرئيس «استعداده للتنحي» وليس «إعلانه التنحي مباشرة» بعد صدور قانون جديد للانتخاب، وبعد إجراء الانتخابات النيابية على أساس هذا القانون، ونحن نقدر بأن هذه العملية لا تستغرق أكثر من 6 أشهر، شهران منها لإصدار قانون للانتخاب، و4 أشهر للانتخاب، لتأتي بذلك طبقة سياسية جديدة ألى مجلس جديد، ولا أعتقد أنه من المنطق أن يتنحى الرئيس من دون وجود مبادرة للإنقاذ الوطني. > وما موقفك من إشكالية لبنانية مزارع شبعا؟

ـ مزارع شبعا لبنانية لا شبهة عليها، وأنا أستغرب موقف من يشكك في لبنانيتها..ومزارع شبعاً كانت دوماً جزءا من لبنان ولكنها احتلت مع الجولان، ولذلك قيل أنها تخضع للقرار 242 ولا تخضع للقرار 425 بسبب احتلالها مع الجولان، ولكنها كلها أملاك لبنانية، وملاكها لبنانيون مقيمون في لبنان وكل هذه الأملاك مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية في صيدا وليس في دمشق، فكيك تكون ملكيتها سورية؟

> وما موقفكم من سلاح المقاومة اللبنانية بروز مطالبة دولية ومحلية بنزعه؟

ـ نحن دائما مؤمنون بأن هناك قضية وهناك مشكلة، ويجب التوفيق بينهما من خلال الحوار بين اللبنانيين.

القضية هي أنه ما دمنا نتعرض لاعتداءات إسرائيلية جوية وبحرية يومية، وما دامت أرض لبنانية وهي مزارع شبعا تحت الاحتلال، وما دام هناك أسرى لبنانيون في السجون الإسرائيلية، فنحن إذاً بحاجة للمقاومة كردة فعل على الأقل لهذه الاعتداءات، والجهة القادرة على ذلك هي المقاومة اللبنانية. هذه هي القضية ونحن بحاجة للمقاومة، والمشكلة تكمن في أن هناك جهة ثانية ممن يتخوف من وجود السلاح في يد فئة من دون أخرى، ونحن شئنا أم أبينا فالمقاومة إسلامية، ولا ننسى بأن هناك جماعات غير مسلمة تتوجس خوفاً من توجه السلاح ضدهم في يوم ما، ولذلك فالحوار يجب أن يكون موضوعه التوفيق بين القضية والمشكلة، بمعنى آخر نتوصل إلى صيغة تحافظ على قدرة لبنان على المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى تطمئن المتخوفين من وجود السلاح في يد فئة من دون أخرى بان هذا السلاح لن يوجه في أي وقت من الأوقات ضدهم.