صحافة واشنطن .. شيء من الجدية ومخالفات تضعها موضع الشبهات

المراسلون «المتعاونون» يحصلون بسهولة على المعلومة.. وأمور مجانية أخرى

TT

يتاجرون بأخبار الإشاعات ويجذبون المطلعين على الأسرار وينظمون حفلات. يتحركون صوب الأسماء اللامعة، ويكافئون المصادر المتعاونة معهم، وفي الوقت نفسه يعاقبون المصادر التي ترفض ذلك.

لم يكن احد يعتقد ان مراسلا من صحيفة «بيلت ويي» سيطلب من مصدر ما 220 ألف دولار لإبقاء القصص السيئة بعيدا عن الصحيفة، مثلما هو الحال مع «واشنطن بوست» التي اوقفت كاتبا عندها، هو جاريد بول ستيرن، بعد ان وجد يجري حوارات على الفيديو مع المليونير رون بيركل. وإذا كان ستيرن يسعى للحصول على المال، فإن الكثير من مراسلي واشنطن أصبحوا موضع شبهات.

لكن على الرغم من السمعة الجيدة التي تتمتع بها الصحافة في واشنطن، وأن مؤسساتها لم تنتج مقالات تسيء للسمعة خلال السنوات الأخيرة فإن أعضاءها تسلط عليهم أصابع التهمة للأسباب التالية:

ـ العمل كناقل للأخبار السيئة القادمة من مصادر تتمتع بمواقع عالية مثل قصص جوديث ميلر حول أسلحة الدمار الشامل في العراق والتي اتضح لاحقا أن لا وجود لها.

ـ الانحياز إلى المصادر الحكومية ونقل ما يقولونه حول الأحداث.

ـ عدم المس بالبيت الأبيض خشية فقدان الوصول إلى مصادر المعلومات.

ـ اللقاء بالرئيس جورج بوش بطريقة سرية بينما يجري القبول باداء القسم بعدم كشف المعلومات غير المسجلة. والآن، تبدو مثل هذه الشكاوى مبالغا فيها. فليست هناك تسهيلات كثيرة في البيت الأبيض حيث لا يحصل حتى الصحافيون المفضلون على الكثير من التسريبات (إلا إذا قام الرئيس بتحويل ما هو سري إلى غير سري وبطريقة سرية). وقد يكون هناك قدر من الحقيقة في هذا الزعم. وكتب بيركل في صحيفة «وول ستريت جورنال» ان «لعبة المصادر هذه لا تجري على الصفحة السادسة فقط. إنها تمارس على مستويات عالية في شارع وول ستريت وواشنطن».

ثم، الا يحاول معظم الصحافيين جذب المصادر ليشاركوهم الأسرار من خلال مساومة معقولة؟ وألا يقول كل الصحافيين للمصادر الرافضة ان امرا مؤسفا سيحدث إذا رفضوا التعاون؟ وألا يقوم عدد من صحافيي واشنطن بتقديم «بروفايل» عن مسؤول قد يكون مفيدا لسبقهم الصحافي؟

ما يميز صحافة واشنطن أنها ذات جدية عالية في أدائها. ففي الأسبوع الحالي جاء بـ«الصفحة السادسة» في «نيويورك بوست»: «تدور الأقاويل على أن الصحيفتين ستار وناشيونال انكوايرر قد تعرضان للبيع. وفي كلتا الحالتين فإن محرر الصفحة بوني فولر، على الرغم من احتجاجاته، قد يفقد وظيفته لهذا السبب أو ذاك».

وبالمقارنة تنقل «نيويورك تايمز» عن مصدر من الحزب الجمهوري قوله ان الرئيس الجديد لموظفي البيت الأبيض «يريد من الرئيس بوش ان يستبدل وزير الخزانة جون سنو»، بينما تقول «واشنطن بوست» ان «الاسم الأبرز الذي جرت مناقشته كبديل محتمل هو وزير الخزانة جون سنو الذي غالبا ما سرت الإشاعات بأنه في طريقه الى مغادرة منصبه». انها نوعية أفضل من الإشاعات، أليس كذلك؟

ولكن ليس هناك شك كثير في ان بعض كتاب الإشاعات يحصلون على أمور مجانية. وقال ستيرن لصحيفة «يو اس إيه توداي» انه قبل رحلة واقامة في فندق الى جزر البهاما، غالبا ما حصل على استخدام مجاني للسيارات مقابل ذكره امورا ما. وحصل ريتشارد جونسون، محرر «الصفحة السادسة»، على رحلة مجانية الى حفل الأوسكار وحضور حفلة رجالية باذخة في منتجع بالمكسيك.

وماذا عن صحافيي واشنطن؟ تصوير مجاني في جمعية صناعة السينما في أميركا، واستقبال لساعات غير محدودة بمبنى الكونغرس، ومراقبة الوزيرة كوندوليزا رايس، وهي تسير في الطريق.

بعد ربع قرن في الظل، خرج موراي واس الى النور. اعد صحافي التحقيقات، غير المتفرغ، هذا، سلسلة من القصص الاخبارية، وقد استشهد به فرانك ريتش وبول كروغمان، كاتبا الرأي في «نيويورك تايمز». ويسميه جاي روسن أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك «بوب وودورد الجديد».

لكن واس الذي تحمل مدونته اسم «أي شيء الآن»، لا ينفخ في البوق كثيرا وقد اعطى مقابلة كرها. وهو يقول: «نظريتي هي: تجنب الأضواء، قم بما هو مهم واترك بصمتك. واذا كان لصحافتي تأثير فان ذلك يعود الى انني قضيت وقتا في محاكم المنطقة اكثر من غرف الانتظار».

وعندما يرى الصحافيون وهم يلاحقون القصص من اجل الحصول على «فرص للظهور في التلفزيون أو عقد كتاب يدر ارباحا بملايين الدولارات، فانه يصبح اكثر صعوبة بالنسبة لنا ان نلعب دورنا».

ويرتبط واس حاليا بـ «ناشيونال جورنال»، لكن خلال العقد الماضي كتب في «لوس انجليس تايمز» و«بوسطن غلوب» و«نيشن» و«نيويوركر» و«صالون» و«أميركان بروسبيكت». ويقول واس انه ببقائه مستقلا قد يستفيد من «الافتقار الى البيروقراطية».

وقبل 10 أيام، كشف واس عن قصة لويس ليبي، المسؤول السابق في البيت الابيض الذي يُحاكم الآن على خلفية كشف اسم عميلة استخباراتية، وهو يقول ان الرئيس بوش كان قد فوضه بتسريب معلومات سرية حول العراق عام 2003. (حصل واس على معلومة بأن المدعي باتريك فيتزجيرالد كان قد كشف عن المعلومات في جلسة محكمة في وقت متأخر من الليل. وكانت «نيويورك صن» قد سبقته على الانترنت قبل ساعات قليلة). وهذا، أكد في الواقع، قصة واس التي كتبها في فبراير (شباط) الماضي بشأن تقرير ليبي. كما افاد واس الشهر الماضي بأن كارل روف، المستشار الرئاسي، كان قد حذر مساعدين آخرين في البيت الأبيض عام 2003 من أن اعادة انتخاب بوش يمكن ان تنتج عنها اضرار اذا علم الرأي العام بانه كان قد حذر من أن مسؤولين في الادارة كانوا قد اعترضوا على احد المبررات الرئيسية لشن حرب على العراق.

وفي العام الماضي، كشف واس أن ليبي كان قد ابلغ المدعين بأنه التقى عام 2003 مع جوديث ميلر، التي كانت صحافية في «نيويورك تايمز» عندئذ، وابلغها بشأن فاليري بليم التي كانت تعمل في وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. ايه). واستشهد فيتزجيرالد بتقرير واس في رسالة الى محامي ليبي أدت الى تحريك قضية ميلر التي كانت في السجن.

وواس الذي كان يعمل في صباه جامع معلومات لكاتب العمود جاك اندرسون، لا يتحدث بصخب، ولديه طريقة ذكية في التطفل والحصول على معلومات من المدعين، كما فعل اثناء التحقيق الذي قام به كينيث ستار مع الرئيس السابق بيل كلينتون. وكان من بين المرشحين النهائيين للحصول على جائزة بوليتزر عام 1993، مع دوغلاس فرانتز من «لوس انجليس تايمز» على تقاريره عن الجهود الأميركية السرية في العراق. ويقول فرانتز، المدير العام للصحيفة في الوقت الحالي: «انه صحافي عنيد ولديه قدرة مذهلة على الحصول على الوثائق الحساسة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»