شقيقتا موساوي : هرب من الفقر ليقع في أيدي الأصوليين في بريطانيا

شهادات مؤثرة يدلي بها لصالحه صديق يهودي في فرنسا وإمام مسجد في برايتون وطبيب نفسي بأميركا

TT

أدلى طبيب نفسي متخصص بشهادة قوية قد تقلب النتائج رأسا على عقب في قضية الفرنسي المغربي زكريا موساوي مساء اول من امس قال فيها إن المتهم الوحيد في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مصاب بفصام في الشخصية وتظهر عليه أعراض التشتت الذهني وسيطرة الأوهام على عقله وعدم انتظام أفكاره وأحاديثه.

ولكن سرعان ما شاب شهادة الطبيب النفسي إكسفير آمادور، شيء من الضعف بعد أن أقر أنه لم يفحص موساوي مباشرة لأن المتهم رفض ذلك، ولكنه شخّص مرضه جزئيا بناء على استنتاجات خرج بها أخصائيون آخرون في الصحة العقلية، إضافة إلى تحليله لتصرفات موساوي وكتاباته بما فيها المرافعات المتناقضة التي قدمها موساوي طوال 18 شهرا من تمثيله لنفسه في المحكمة. وفي سابقة نادرة في تاريخ المحاكمات بالولايات المتحدة اتهم محامو الدفاع زكريا موساوي بالكذب في شهادته عن دوره المزعوم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقال المحامون إنه كذب مرتين على هيئة المحكمة في محاولة منه لنيل شرف الاستشهاد عن طريق الإعدام في حين يصر الإدعاء على أن المتهم صادق في كل أقواله.

وكان موساوي قد اعترف الأسبوع الماضي للمرة الثانية بأنه كان يخطط لخطف طائرة خامسة في الحادي عشر من سبتمبر للاصطدام بها في البيت الأبيض، وأعرب موساوي عن قناعته بأن الرئيس الأميركي جورج بوش سوف يفرج عنه قبل أن يترك منصبه في العشرين من يناير 2009 مقابل الإفراج عن جنود أميركيين مخطوفين في الخارج كجزء من عملية لتبادل السجناء.

وقال امادور، الذي يعد من ابرز الخبراء الاميركيين في مجاله، ان «موساوي يعاني من الفصام المصاحب لجنون العظمة».

وينكر موساوي اصابته بهذا المرض مثل كافة المصابين به. وقال ردا على سؤال للمدعي روبرت سبنسر حول ما اذا كان «مجنونا»، بقوله «لا والحمد لله».

واستدعى محامو موساوي أحد حراسه للإدلاء بشهادة لصالحه حيث قال الحارس إنه سمع من المتهم كلاما غريبا يتضمن التأكيد بأنه سيطير إلى لندن، بعد أن يفرج الرئيس بوش عنه وسوف يصدر كتابا هناك ويحصل من ريعه على أموال ثم يعود إلى جبال أفغانستان للعمل مجددا مع «القاعدة».

وفي جلسة سابقة أدلت الأخصائية الاجتماعية جان فوغيلسانغ بشهادة مؤثرة عن طفولة موساوي القاسية ومعاناته قائلة إن قصته مع العنف بدأت وهو جنين في بطن أمه حيث كان والده يمارس العنف المنزلي ضد والدته ويضربها في بطنها وهي حامل به واستمر الأمر بعد ولادته.

ولاحظت «الشرق الأوسط» أثناء حضورها للمرافعات في محكمة الكسندريا الفيدرالية أن التأثر ظهر جليا على وجوه معظم المحلفين أثناء سماعهم لروايات عن طفولة موساوي ونشأته البائسة نقلتها الأخصائية الاجتماعية عن رفاقه في المدرسة وأقربائه، وأصدقاء طفولته. وشوهد بعض المحلفين يدونون ملاحظات باهتمام أثناء حديث الأخصائية.

وكان محامو الدفاع قد كلفوا جان فوغيلسانغ الأخصائية الاجتماعية السفر إلى فرنسا والمغرب بصحبة مترجم يجيد الفرنسية والعربية لجمع أكبر قدر من المعلومات والصور عن حياة زكريا موساوي. وقالت الأخصائية إن مهمتها لم تكن العمل على إيجاد مخرج للمتهم وإنما دراسة حالته بدقة ومحاولة فهم أسباب تصرفاته بغض النظر عن النتائج التي سوف تتوصل إليها في النهاية.

وأضافت أنها اكتشفت مدى العنف الذي كان يشهده موساوي في منزله ومدى المعاناة التي مر بها في حياته وتنقله بين خمسة ملاجئ، مشيرة إلى أن أصله المغربي والفقر المدقع الذي كانت أسرته تعاني منه في فرنسا أثرا كثيرا على سلامة تصرفاته.

وأشارت الأخصائية التي درست تاريخ حياته إلى أنه بدأ في 1995 الانسحاب من محيط أسرته وأصدقائه وقام بحلق شعره وتوجه نحو التدين وفقا لما رواه لها شهود عرفوه عن قرب.

ولوحظ على موساوي الاهتمام البالغ بمشاهدة فيلم فيديو عرضته هيئة الدفاع في المحكمة وظهرت شقيقته جميلة تتحدث في الشريط وقالت إن الابتسامة لم تكن تفارق شفتي شقيقها الأصغر ووصفته بأنه كان الطفل المدلل لدى العائلة.

وذكرت شقيقتا موساوي اللتان تعانيان من مشاكل نفسية، في شهادة مسجلة بالفيديو كيف ان شقيقهما الذي يواجه عقوبة الاعدام كان «لطيفا» ومؤمنا بقوة المحبة.

وقالت ان شقيقها كان يحاول ان يهرب من الفقر، ولكنه وقع في براثن الاصوليين الذين حولوه الى شخص ممتلئ بالكراهية.

وتحدثت جميلة في الشريط عن والدها عمر قائلة إنه كان يضربها ويضرب أمها لدرجة أنه كاد يقتلها في إحدى المرات. وأضافت أن أمها عندما كانت تتمكن من شراء طعام لأولادها فإن الأب كان يأكل كل شيء ولا يترك للأطفال أي شيء.

وتابعت الشقيقة تقول «عندما عاد موساوي من بريطانيا لزيارة العائلة في منتصف التسعينات لوحظ عليه أنه أصبح منعزلا ومتقوقعا على نفسه ولم أعد أحب النقاش معه». وفي شهادة منفصلة قالت شقيقته ناديا ان موساوي تعرض «للإرهاب» على يد والده عمر. واضاف «اعتقد انه كان قادرا على القيام بشيء جيد».

وقالت ان شقيقها كان يؤمن بأفكار مارتن لوثر كينغ حول الحقوق المدنية، مضيفة ان شعاره كان «سننتصر بقوة الحب».

وجاءت افادة شقيقتي موساوي بالفرنسية على شاشات تلفزيونية وزعت داخل قاعة المحكمة مع ترجمة مصاحبة باللغة الانجليزية. وكشفت الأخصائية الاجتماعية أن عمر، والد موساوي، يقيم حاليا في أحد المستشفيات بفرنسا للعلاج من مرض نفسي، كما أن شقيقته جميلة تعالج من الفصام، أما الشقيقة الكبرى نادية فإنها عولجت من مرض الذهان علاوة على أعراض الفصام. وتمكن ممثل الإدعاء من إحراج الشاهدة أثناء استجوابه لها حيث جعلها تقر بأن عبد السلام الشقيق الأكبر لموساوي نشأ في نفس العائلة ولكنه أصبح أستاذا في الهندسة ولم يصبح إرهابيا.

وقالت الشاهدة إن والدة موساوي انفصلت عن أبيه ولكن العنف لم يتوقف إذ أن خاله الذي أقام مع العائلة في فرنسا بعد قدومه من المغرب كان أكثر عنفا. وأضافت أن الأم لم ترب أبناءها على تعاليم الدين الإسلامي وكانت الأسرة تحتفل بالعطلات المسيحية والإسلامية على حد سواء غير أن والدة موساوي كانت تحرص على أن يندمج أبناؤها في الثقافة الفرنسية قدر الإمكان.

وفيما يتعلق بالحياة العاطفية لموساوي قالت الأخصائية الاجتماعية إنه في سن المراهقة تعرض للرفض والوصف بأنه «عربي قذر» من قبل أسرة حبيبته، وهو الأمر الذي ساهم في التأثير على نفسيته.

وقال أحد رفاق موساوي في المدرسة الثانوية إن مارتن لوثر كينغ كان المثل الأعلى لموساوي، وأكد رفيق آخر عبر شهادة بالفيديو إن موساوي كان يعاني من الشعور بالعنصرية في فرنسا، وأنه حرم من دخول بعض الأندية بسبب لون بشرته الأسمر وأصله العربي. ورغم أن موساوي كان يحاول أن يخفي تأثره من ذلك إلا أن رفاقه كانوا يشعرون بفداحة الأمر على مشاعره.

وقال صديقه الشاهد، وهو من أصل يهودي، إنه كان يتحدث معه وهما في سن الثامنة عشرة في 1986 عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي وكانا يعتبران نفسيهما مثالا يحتذى لإمكانية التعايش بين العرب واليهود. كما كان من بين الشهود الإمام عبد الحق بكر إمام مسجد بريكستون في جنوب لندن الذي كان موساوي يصلي فيه أثناء دراسته هناك، وقال إن أمثال موساوي من السهل أن يقعوا فريسة للمتطرفين الاصوليين، مشيرا إلى أن موساوي تغير تماما بعد اختلاطه بالمتطرفين الذين كانوا يترددون على المسجد في تلك الأيام.

واضاف إمام مسجد بريكستون في شهادة مسجلة بالفيديو ان موساوي كان شخصا «لطيفا» استقطبه المتطرفون ليتحول الى شخص مجادل وعنيف. واضاف ان موساوي سأله «اين يمكنه الجهاد في العالم»، مؤكدا انه طرده ذات مرة عندما حضر الى المسجد بثياب عسكرية.

وذكر كريستوف مارغويل صديق طفولة موساوي في شهادة مسجلة بالفيديو كذلك ان موساوي كان «يحب الحياة ويحب اللهو» رغم ان بعض النوادي الليلة لم تكن تسمح له بدخولها لاسباب عنصرية.

واضاف ان موساوي كان يحب ممارسة كرة المضرب وكان طموحا يرغب في بناء مستقبل زاهر، الا ان المتطرفين الاسلاميين استغلوه عندما توجه الى لندن للحصول على شهادة في ادارة الاعمال من جامعة ساوث بانك، حسب شهود.

ومن المتوقع أن تبدأ مداولات هيئة المحلفين هذا الأسبوع لاتخاذ قرار بشأن مصير موساوي بتثبيت حكم الإعدام عليه أو تخفيفه إلى السجن المؤبد. ومن المتوقع أن يصدر الحكم قبل نهاية الشهر الجاري. وفي حال صدور حكم بالإعدام فمن المتوقع أن يستأنف المحامون الحكم ليبدأ موساوي مرحلة جديدة مطولة في محكمة الاستئناف. وكانت القاضية ليوني برينكما، التي تنظر قضية موساوي، قد تشاورت في أحدى الجلسات مع ممثلي الدفاع والادعاء قبل ان تطلب منهم الانضمام اليها في قاعة اخرى من المحكمة لعقد جلسة مغلقة. وقالت «هناك نقطة يجب تسويتها» بدون مزيد من الايضاحات.