البوشناق يؤدون دور الوسيط في كوسوفو

عبر اشتراكهم مع الألبان في الدين والصرب في اللغة

TT

في ظاهرة فريدة بنوعها يشهدها اقليم كوسوفو الممزق دينيا وعرقيا، تقوم اقلية البوشناق بدور معتبر في تجسير المواطنة، عبر اشتراكهم مع الغالبية الالبانية في الدين ومع الصرب، المسيطرين سابقا، في اللغة. ويمثل الالبان نسبة 90 في المائة تقريباً من سكان الاقليم، في حين يمثل الصرب 8 في المائة، بينما لا تتعدى نسبة البوشناق المتحدرين من البوسنة والاتراك والاقلية الغجرية سوى 2 في المائة.

والبوشناق هم سكان البوسنة الأصليون، ويعود نسبهم إلى «الاليريين» القُدامى الذين كانوا يسيطرون مع الارناؤوط على شبه جزيرة البلقان، قبل الزحف السلافي من شمال آسيا على المنطقة في القرن التاسع الميلادي. وقد انحصر وجود البوشناق بعد ذلك في البوسنة التي اشتق اسمها من اسم النهر الذي يقع منبعه على بعد 15 كيلومترا من العاصمة سراييفو، والتي كانت تسمى على عهد مؤسسيها الاتراك سراي بوسنة. ويتوزع وجود البوشناق في عدد من الدول المجاروة مثل صربيا والجبل الاسود (نحو 700 الف نسمة) وكرواتيا (نحو 200 ألف نسمة).

وينتمي البوشناق في كوسوفو دينيا إلى الألبان المسلمين، ولغويا إلى الصرب عموما، إذا تم استثناء بعض الاختلافات غير الجوهرية، بين أسماء الاشياء عند الطرفين، واختلاف طريقة كتابة الحروف كالبيزنطية التي يستعملها الصرب، واللاتينية التي يكتب بها البوشناق والكروات. وهذه الميزة رشحتهم لأداء دور الجسر لتحقيق المواطنة بين الالبان والصرب في كوسوفو.

ورغم انخفاض عدد البوشناق في كوسوفو، خاصة في منطقة كوسوفيسكا ميتروفيتسا، فان دورهم بدأ يتعاظم في ظل رفض الصرب والالبان الالتقاء مع بعضهم بعضا، حيث يقوم البوشناق بتقريب وجهات النظر، وحمل المقترحات التي يعرضها الفرقاء على بعضهم بعضا، والتدخل لحل الخلافات في حال تمت مشاحنات بين الطرفين.

وقد التقطت قوة حفظ السلام الدولية في الاقليم (كي فور)، التي يبلغ عديد قواتها 17 الف جندي، هذه الجزئية لاستثمارها في تحقيق المصالحة الوطنية، وارساء مفهوم المواطنة بين القوميتين الالبانية والصربية، وذلك بتشجيع دور البوشناق في بناء الثقة بين الالبان والصرب في كوسوفو.

وقال أحد زعماء البوشناق في كوسوفو نجاد أغلانين في اتصال هاتفي مع «الشرق الاوسط»: «لقد نجحنا في تهدئة الاوضاع، بعد الاضطرابات التي جرت سنة 2004، فالصرب لا يتحدثون الالبانية، والالبان يرفضون التكلم باللغة الصربية، وكنا نتحدث مع الطرفين بحضورهم باللغتين».

واوضح ان «الصرب والالبان يقومون بشراء منازل اشخاص هاجروا إلى الدول الاسكندنافية، ولو لم يكن هناك استقرار، لا سيما في كوسوفيسكا ميتروفيتسا ما أقدم الصرب على ذلك». وقد استفاد البوشناق من الوضع القائم إذ تعد المطاعم او المقاهي التي يملكونها، الوحيدة بين مثيلاتها التي تجمع الصرب والالبان، ورغم حالة التحفظ من قبل الجانبين لاجراء حوارات كالتي تجري داخل مثل هذه الاماكن، فان هناك بوادر تقارب بين الطرفين، في حضور البوشناق.

ويجد الالبان أنفسهم مقربين من البوشناق بسبب الدين، بينما يجد الصرب أنفسهم مقربين من البوشناق بسبب اللغة.

وقد تطور الامر وفق ما قاله أوغلانين من مجرد شعور بالارتياح إلى تنظيم لقاءات عائلية بين الصرب والالبان والاتراك والبوشناق في أجواء من السلم الاهلي والتعايش المشترك، حيث أدت ثنائية اللغة والدين لدى البوشناق دورا محوريا في ارساء الاستقرار بكوسوفو. وحتى الحافلات التي تنقل الالبان والصرب عبر ضفتي جسر ميتروفيتسا أصبحت توظف اشخاصا من البوشناق لتهدئة الاوضاع في حال تعرضت تلك الحافلات للرمي بالحجارة، اذ بمجرد أن يطل أحدهم من النافذة ويخاطب مثيري الشغب بلغتهم يعتقدونه منهم ويكفوا عن أي اعتداء محتمل.

وأعرب ممشيلو ستانيتش، وهو أحد المسؤولين الصرب في كوسيفيسكا ميتروفيتسا، في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط» عن رضاه عن الدور الذي يقوم به البوشناق، لكنه طالب بعدم المبالغة في تقييم هذا الدور، حيث «تعرض البوشناق بدورهم في السابق لاعتداءات». لكن الجانب البوشناقي يعتقد بأن تلك الاعتداءات استهدفت الجهة الخطأ، اذ اعتقد من قاموا بها البوشناق بأنهم خصومهم. وحدثت تلك الاعتداءات خصوصا إبان الصدامات الكبرى بين الصرب والالبان عامي 1998 و1999.

وقال ضابط الماني يدعى فولغانغ شروفت ويعمل ضمن قوة «كي فور» لـ«الشرق الاوسط»: «لا شك أن الاوضاع الحالية في كوسوفو أفضل من السابق، لكن أمامنا وقتا طويلا لإرساء الاستقرار». وأعرب عن اعتقاده بأن «انضمام منطقة البلقان، لا سيما دول يوغوسلافيا السابقة للاتحاد الاوروبي، سيزيل 99 في المائة من التوتر العرقي لأن سكان المنطقة سيكسبون هوية جديدة، هي الهوية الاوروبية التي يحلم بها الجميع هنا، وبالتالي سيقل التفاخر بالانتساب العرقي، ويكون الجهد الفردي والمؤهلات العلمية هما المعيار في هذا المضمار».