بعد بزوغ نجم أكراد العراق.. مقاتلون سابقون أصبحوا وزراء

سياسيون غير راضين عن سيطرة «البيشمركة» على السلطة

TT

سركلو (العراق) ـ رويترز: يبتسم شير محمد وهو يشير الى تل صخري على مسافة بضعة أمتار من نافذة قصره الذي يطلق عليه «قصر الحرية» في جبال كردستان العراقية. وكان قبل فترة غير بعيدة يقيم في كهف قذر على الجانب الآخر من التل يقاتل جيش صدام حسين وأسلحته الكيماوية.

وقال شير محمد، 55 عاما، وهو من قادة البيشمركة الكردية «أنا محظوظ جدا». وأضاف «كم أنا محظوظ.. لم أتصور حتى في أحلامي أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه على أرضنا». وتابع «انه فرق السماء من الأرض. الفرق أكبر من أن يمكن شرحه».

ونقل شير محمد أسرته الى لندن بحثا عن الأمان، حيث عاشوا عشر سنوات وكسب المال الكثير من امتلاكه وإدارته لمطعم مغولي ثم عاد الى العراق رجلا غنيا وقويا. وشير محمد سياسي طموح، كما أنه يدير شركة مقاولات في مدينة السليمانية الكردية على مسافة 330 كيلومترا شمال بغداد، وهو رئيس البلدية غير الرسمي أو الأب الروحي لنحو عشر قرى غير بعيدة عن الحدود الايرانية ويقطنها 15 ألف نسمة.

وقاتل بيشمركة كردستان حكم بغداد على مدى ستة عقود، وهم يلعبون الآن دورا رئيسيا في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تتفوق على بقية أرجاء العراق من حيث النمو والأمن. فهم يرأسون وحدات من الجيش ويقودون الشرطة والإدارة المحلية ويحرسون الحدود مع تركيا وايران. وتعني كلمة بيشمركة باللغة الكردية المستعدين للموت.

وقاد مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، جيش البيشمركة الذي أسسه والده وقاتل بين صفوفه العديد من وزرائه الآن ومنهم عمر فتاح نائب رئيس وزراء كردستان.

وكانت حياة البيشمركة صعبة. وضمت صفوف المقاتلين كذلك كافية سليمان زوجة فتاح التي ترأس اتحاد المرأة الكردستانية. وهي تتذكر القتال على الجبال مع تقدم جيش صدام الذي حول اهتمامه الى الأكراد بعد انتهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع ايران. وقالت وهي تسحب سيجارة في مطعم على قمة تل مطل على السليمانية «كنا فيما يشبه جزيرة... كنا محاصرين. كانت صلاتنا بمقر القيادة الرئيسي مقطوعة».

وأصيب العديد من البيشمركة بإصابات خطيرة من جراء الاسلحة الكيماوية التي استخدمها الجيش في الثمانينات، وكانت خليطا قاتلا من غاز الخردل وغازات الأعصاب. وكان الجيش العراقي أول جيش في العالم يستخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه. وقالت «أصيبوا بالعمى... لم يتمكنوا من رؤية أي شيء. كنا نمسك بأيديهم ونقودهم».

ويواجه صدام وابن عمه علي حسن المجيد الملقب «علي الكيمياوي» لاستخدامه الاسلحة الكيماوية ضد الاكراد، المحاكمة قريبا بتهمة الإبادة الجماعية في مذبحة استمرت سبعة أشهر في عام 1988 قتل فيها نحو 100 ألف شخص أغلبهم من المدنيين.

ويذكر شير محمد غاز الخردل الذي يقول ان رائحته تشبه رائحة الثوم، وانه حول الحشائش الى اللون الأصفر. وفر الى ايران بعد أن أصيب بالعمى في هجوم كيماوي. ومضت أشهر قبل أن يتمكن من رؤية أي شيء ولم تستعد عينه اليمنى القدرة على الابصار حتى الآن. وكان الغذاء يمثل مشكلة دائمة في الجبال والكهوف. وكثيرا ما كانت أسر بكاملها تعيش على الخبز والماء فقط. وقال «كانت أوقاتا صعبة للغاية... لم يكن لدى الناس في معظم الوقت ان لم يكن كله سوى الخبز والماء أو الخبز واللبن (الزبادي). وحتى الأغنياء لم يكونوا قادرين على الحصول على اللحم إلا نادرا».

ولا يشعر بعض الأكراد بالرضا ازاء سيطرة البيشمركة على السلطة، ويرون أن المقاتلين ليسوا في أغلب الأحيان أفضل من يتولى الإدارة. ويرى البعض أن المشكلة تكمن في أن معظم مقاتلي البيشمركة يميلون لأحد الحزبين السياسيين الكرديين الرئيسيين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني. وقال الدكتور محمود عثمان، وهو من رجال البيشمركة السابقين وسياسي كردي بارز الآن يتولى مقعدا في البرلمان العراقي «هذا أمر بالغ السوء. إنهم يحتكرون السلطة». وأضاف «ليس هذا ما نحتاجه. نحن بحاجة لتكنوقراط وبحاجة لأناس مهرة ويجب أن يكون لدينا مستقلون. انهم لا يتركون شيئا لأحد غيرهم». وتابع «هناك الكثيرون الذين يمكنهم العودة من الخارج».

وقال الرائد محمد نجيب، وهو من البيشمركة السابقين ويقود حاليا قوة الشرطة في منطقة قرداغ الكردستانية بالقرب من السليمانية، ان البيشمركة وحدها هي التي مهدت الطريق للحكم الذاتي والنمو الاقتصادي اللذين تتمتع بهما المنطقة الآن. وقال بفخر «أنا أجلس خلف هذا المكتب وأحمل هذه الرتبة وارتدي هذا الزي بفضل دماء رفاقي... كان الأمر يستحق».