الأمم المتحدة: لاجئو العالم ينخفضون لكن معاناتهم تزداد

عددهم انخفض إلى أدنى نسبة خلال ربع قرن.. والهجرة الداخلية أصبحت المشكلة الأكبر

TT

تقلص عدد اللاجئين في العالم الى ادنى نسبة خلال ربع قرن، الا ان هناك عدداً متزايداً من المهاجرين يعانون امام تشديدات أنظمة اللجوء وتزايد المخاوف بشأن الارهاب، حسبما جاء في تقرير اصدرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين امس.وادى انخفاض عدد من النزاعات وإعادة مهاجرين الى بلدان مثل أفغانستان وسيراليون، الى تقلص اعداد اللاجئين الى 9.2 مليون عام 2004، مقارنة بـ18 مليون عام 1992، وفق ما جاء في التقرير الذي حمل عنوان «حالة لاجئي العالم: العزل الانساني في الألفية الجديدة». لكن هناك في المقابل أعداداً متزايدة من المهاجرين غير المشمولين باتفاقيات دولية، يواجهون مصائر مقلقة، وسط تزايد الأخطار الأمنية وانخفاض المساعدات المقدمة للاجئين، حسبما قال مفوض شؤون اللاجئين انتونيو غيتير، بمناسبة صدور التقرير في لندن. واضاف غيتير متعهدا بإجراء تعديلات جوهرية في عمل المفوضية: «كل واحد يحتاج الى حماية يجب ان يكون محميا».

والعام الماضي، كان في السودان والكونغو نحو 7.5 مليون شخص من بين المشتتين داخلياً في العالم، أي اولئك الذين يجبرون على مغادرة منازلهم، لكن لا يعدون في الغالب لاجئين لانهم لا يعبرون أي حدود دولية. وتمت اعادة اكثر من 4 ملايين شخص الى افغانستان ومئات الآلاف الى انغولا وسيراليون وليبيريا. ومن المحتمل ان يشهد السودان عودة اكثر من 4 ملايين من المهاجرين والمشتتين داخلياً، خلال السنوات القليلة المقبلة، حسب تقرير المفوضية. وحسب غيتير فان عدم ايصال المساعدات الانسانية للنازحين داخلياً كان «أكبر خطأ» ارتكبته المجموعة الدولية.

ومنذ نهاية الحرب الباردة، زاد عدد الاشخاص الذين تشتتوا بسبب النزاعات والنزاعات العرقية وانتهاكات حقوق الانسان. ففي عام 2004 كان هناك ما يتراوح بين 20 الى 25 مليون شخص مشتت داخليا. وبحلول نفس السنة، انخفض عدد اللاجئين، أي اولئك الذين هربوا او طردوا من بلادهم، الى 9.2 مليون نسمة، مقارنة بـ9.6 مليون نسمة في عام 2003. وكان هذا الاتجاه واضحا في عام 2001 خلال الحرب في افغانستان، عندما وصل عدد المشتتين داخليا الى مليونين. الا ان عدد اللاجئين الافغان الذين عبروا الحدود الى باكستان لم يزد على 200 الف نسمة.

وفي عام 2003 وخلال الحرب في العراق، بقى مئات الالاف من المشتتين عرضة للخطر داخل البلاد، وتمكن عدد محدود للغاية من الهرب للخارج. وفي بعض الازمات الانسانية في افريقيا، كان 10 اشخاص مشتتين داخليا مقابل كل لاجئ. وفي الوقت الراهن يوجد ما يقدر بـ1.4 مليون شخص مشتت بسبب النزاعات في اوغندا، وعلى الاقل 1.5 مليون في جمهورية الكونغو الديمقراطية و 6 ملايين في السودان. لكن هناك 30 الف شخص فقط من اوغندا تحولوا الى لاجئين، بينما بلغ الرقم بالنسبة للكونغو الديمقراطية والسودان 469 الفا و703 آلاف على التوالي.

وحتى مشاريع التنمية يمكن ان تتسبب في تشتت داخلي. فالجماعات الفقيرة والمهمشة والسكان الاصليون يتعرضون للتشتت بدون مشاورات، من اجل المشاريع الوطنية الكبيرة. ولا يجري تجاهل حقوق مثل هذه الجماعات، بل نادرا ما يحصلون على تعويضات مناسبة او يعاد توطينهم. وطبقا للبنك الدولي، فان 10 ملايين شخص يجبرون على التشتت بسبب مشاريع تنمية سنويا، مما دفع البنك الدولي وغيره من الجهات والهيئات المتبرعة الى وضع مقاييس لمعاملة هؤلاء الذين «اجبروا على اعادة التوطين». وبالرغم من ان اسباب التشتت متعددة، فإن اولئك الذين تشتتوا بسبب النزاعات وانتهاكات حقوق الانسان، هم الذين يثيرون القلق والاهتمام. والاحتياجات الغالبة لهؤلاء الاشخاص لحمايتهم من حكوماتهم، تثير الاهتمام الدولي بمشاكلهم. ومثل اللاجئين، لا يمكنهم الحصول على الأمن وعلى الاحتياجات الضرورية في بلادهم، ولذا يتجهون للمجتمع الدولي. وطبقا لتقرير «غلوبال أي دبي بي سيرفاي»، هناك اكثر من 13 مليون شخص مشتت داخليا في افريقيا وما يتراوح بين 5 الى 6 ملايين في آسيا (بما في ذلك منطقة الشرق الاوسط) و3 ملايين في اوروبا وما يتراوح بين 3 الى 4 ملايين في القارة الاميركية.

وكان لوضع اللاجئين في السودان وتشاد اهتمام خاص في التقرير. وكان مساعد الأمين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية، جان ايغلاند، قد وصف ما يحدث في اقليم دارفور، بغرب السودان، بأنه «أسوأ كارثة انسانية». واعتبر تقرير مفوضية شؤون اللاجئين ان ما يجري في اقليم دارفور يعتبر نموذجا على صعوبة توفير الحماية للنازحين عندما تكون حكوماتهم سببا في هذا النزوح، وتفشل في الالتزام بقرارات الامم المتحدة بتوفير الأمن للمدنيين. واضاف معدو التقرير: «كما حدث في البوسنة والهرسك قبل حوالي عقد من الزمن، تركزت المساعدات الدولية في دارفور الى حد كبير، على توفير المساعدات العاجلة»، مشيراً الى ان هناك اكثر من 11000 من العاملين في مجال الإغاثة في دارفور، بالإضافة الى طاقم من 100 مسؤول من الحماية الى جانب بضعة آلاف من قوات تابعة للاتحاد الافريقي مزودة بأسلحة خفيفة وتفتقر الى وجود تفويض قوي لتوفير الحماية.

يشار الى أن أزمة دارفور بدأت عام 2003 بشن هجوم على حاميات حكومية من قبل مقاتلين تابعين لقبائل الفور والمساليت والزغاوة، وجاء رد الحكومة سريعا وقاسياً، اذ استخدمت مروحيات وقوات عسكرية تساندها ميليشيات الجنجويد للهجوم على 3 مجموعات عرقية في المنطقة، مما اسفر عن مقتل نحو 70 الف شخص ونزوح اكثر من 200 الف آخرين أصبحوا لاجئين في تشاد المجاورة. وبلغ عدد من توفوا منذ عام 2003 حتى الآن بسبب المجاعة والأمراض والعنف في دارفور اكثر من 350 الف شخص. ويعيش الآن نحو مليوني شخص في حالة مزرية في معسكرات للنازحين، يعتمدون بصورة كاملة على المساعدات الدولية من دون بارقة أمل في عودتهم الى ديارهم، بسبب انعدام الامن والدمار في مناطقهم. وقال غيتير عن وضع اللاجئين في دارفور وتشاد: «اننا قلقون جدا بالفعل»، قبل ان يدعو لتقديم مساعدات عالمية اكثر لهم. واضاف: «كل المنطقة غير مستقرة».

وسجل التقرير ان عدد المهاجرين على مستوى العالم ارتفع من 100 مليون شخص عام 1960 إلى 175 مليونا في عام 2000، مع الاشارة الى ان الامم المتحدة تعرف المهاجر بانه الشخص الذي أقام ما لا يقل عن عام خارج بلده. ونصف هؤلاء المهاجرين هم من النساء. وجاءت الزيادة هذه بالدرجة الأولى مع العولمة المتسارعة منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي. وتضمنت غالبية الهجرات من الشمال إلى الشمال، على عناصر عمل ماهرة، بينما كانت الهجرات من الجنوب إلى الجنوب بسبب وجود بطالة عالية في البلد الأصلي، بينما البلد المستقبل يحتاج إلى أيد عاملة.

لكن الهجرة من الجنوب إلى الشمال خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين قد تضاعفت: في عام 1980 بلغت الهجرة 48 مليون شخص، لكن مع حلول عام 2000 بلغت 110 ملايين شخص. وفي نفس الفترة كان عدد المهاجرين في البلدان النامية قد زاد بشكل أبطأ من 52 مليون إلى 65 مليون مهاجر.

ويشكل عدد المهاجرين نسبة 3% فقط من سكان العالم، لكن تركيزهم خلال مناطق معينة يضعهم في مقدمة التغير الاجتماعي. فقبل انتهاء عام 2000 كان 63% من مهاجري العالم في البلدان المتطورة، بينما هم يمثلون 8.7% من كل سكان هذه البلدان. أما البقية فهم في البلدان النامية، حيث يشكلون 1.3% من عدد سكانها.

وحسب الأرقام الأخيرة، هناك 35 مليون مهاجر في الولايات المتحدة، وهم يشكلون 12.3% من عدد السكان. وفي أوروبا الغربية هناك 32 مليون مهاجر، وهم يشكلون 9.7% من عدد السكان. أما في كندا فهناك 5.7 مليون مهاجر، وهم يشكلون 19% من عدد السكان، وفي أستراليا هناك 4 ملايين، وهذا يمثل 23%. ويبدو أن المهاجرين وأسلافهم يفضلون المدن الكبيرة. ففي تورنتو على سبيل المثال يشكلون 44% من عدد سكان المدينة الكندية. وفي بروكسل يشكل المهاجرون 29% من عدد سكانها، بينما يشكل المهاجرون ربع سكان لندن أو هم من أسلافهم.

ووقف التقرير عند علاقة الهجرة بالعولمة، مشيراً الى ان العولمة رفعت من فوارق الأجور والضمانات الاجتماعية بين الشمال والجنوب. وكان «تحرير» الاقتصاد ودخول الشركات المتعددة الجنسيات إلى مناطق كانت مقصورة فقط على الاقتصاد القومي وسياسات التكيف البنيوي أدوات للتحول الاجتماعي. ففي الكثير من مناطق الجنوب قلل التصنيع من قيمة السلع المنتجة بطرق تقليدية، مما أجبر الكثير من القرويين للهجرة إلى المدن، وربما الهجرة إلى الخارج هي الخطوة اللاحقة. وتتماشى معا عادة الدول الضعيفة مع الاقتصاد الضعيف، لذلك فإن الفاقة المتزايدة والهجرة المتزايدة للخارج مرتبطة معا.

وتخلق الهجرة أيضا شروطا تقنية وثقافية للحركة، فالصور المثالية عن نمط العيش في الشمال تنقل اليوم بسهولة عبر المحطات الفضائية إلى أفقر القرى في العالم. ويرى التقرير ايضاً ان الهجرة العالمية تشكل قوة أساسية للتغيير. فالبعض يرىا انها أداة لتخفيض عدم المساواة في العالم والتحفيز على التطور. ومع ذلك فإن للهجرة آثارا سلبية أيضا مثل «هجرة العقول» للأطباء والممرضات واختصاصيي الكومبيوتر، وغيرهم. وتأمل البلدان المرسلة للمهاجرين أن يحفز ذلك على التنمية من خلال الأموال التي يبعثها هؤلاء لبلدانهم ثم نقلهم للمهارات لاحقا. وقدر حجم الحوالات المالية على المستوى العالمي بحوالي 130 مليار دولار في عام 2003. وهذا يزيد عما يقدم من مساعدات مالية للبلدان النامية. وأغلب ما يتم تحويله يذهب إلى الاستهلاك، لكن بعضا منها يتم استثماره في مجالات الصحة والتعليم والأنشطة الانتاجية. وحينما يكون الأمر متعلقا بنقل الخبرات فإن البلدان المرسلة للمهاجرين لا تكسب في الغالب الكثير في هذا المجال.

ويرى التقرير ان الكثير من المهاجرين يعملون في وظائف خالية من المهارات ولا يتمكنون من تطوير مهاراتهم.

كما يلاحظ انه من غير المحتمل أن يرجع المهاجرون ذوو المهارات العالية والذين يحتلون وظائف بأجور عالية إلى بلدانهم الأصلية، إلا إذا وفرت الاستقرار والأمن والنمو.

وخصص التقرير جانباً كبيراً للصعوبات التي اصبحت تواجه اللاجئين في عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وقال تقرير مفوضية شؤون اللاجئين، انه بعد هجمات 11 سبتمبر لجأت الدول بدرجة متزايدة الى القلق الامني في تبرير قوانين جديدة أثرت على طالبي اللجوء واللاجئين، اذ تم تشديد مراقبة الحدود في اجزاء عديدة من العالم بينما تم التوسع في اعتقال وطرد الرعايا الاجانب. وامام هذا الوضع لاحظ التقرير ان «العناصر الاساسية لوضع اللاجئين أصبحت موضع شك»، اذ لم يعد ينظر الى طالبي اللجوء باعتباهم لاجئين فارين من الاضطهاد ويستحقون الحصول على ملاذ، وانما صاروا ينظر اليهم «كأنهم لاجئون غير شرعيين وارهابيون ومجرمون محتملون.

ولاحظ معدو التقرير وجود ميل لتجريم المهاجرين، وبينهم طالبو اللجوء، من خلال ربطهم بالتهريب والاتجار بالمخدرات.