صراع الحكيم والصدر وراء عقدة الجعفري والحكومة العراقية

10 آلاف مسلح مع كل منهما.. ومرجعية النجف تحثهما على معالجة الانقسام

TT

في قلب الازمة السياسية الحالية في العراق المتعلقة بمن سيشكل الحكومة المقبلة هناك جبهتان، الاولى يمثلها رجل الدين الشاب الذي أصبح رمزا ناريا للمضطهدين وينتمي إلى أسرة عريقة: الصدر، والاخرى يمثلها رجل الدين الأكثر حكمة والذي أسست عائلته آل الحكيم أكبر حزب سياسي في العراق، لكنه وراء المظهر الهادئ يمتلك سمعة بالقسوة.

ينتمي مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم إلى سلالتين قياديتين للأكثرية العراقية الشيعية. وكلاهما ينتميان إلى هذه المدينة الدينية القديمة (النجف). ويدير كل منهما ميليشياته الخاصة: الأول يدير جيش المهدي والثاني يدير لواء بدر. وفي كل ميليشيا هناك أكثر من 10 ألف مسلح. وكلا رجلي الدين ينتميان إلى عائلتين ظلتا لعدة أجيال تتنافسان فيما بينهما، أحيانا بطريقة عنيفة من أجل كسب قلوب وعقول أتباعهما.

والرجلان في قلب الخلاف الدائر حول احتفاظ إبراهيم الجعفري بمنصبه كرئيس للوزراء فيما الازمة مستعصية على الحل على الرغم من مضي شهور من المفاوضات مع ضغط أميركي مكثف، حيث أصبح الحل محددا لا بعوامل كثيرة أخرى بل بخلاف هاتين العائلتين الذي يعود إلى فترة قديمة.

يقول جوان كول البروفسور والخبير في التشيع إن «الزعامة الدينية للشيعة في العراق تميل إلى أن تدار من قبل عائلات وظل هذا الحال لفترة طويلة. فخلال القرن العشرين كانت عائلتا الصدر والحكيم ربما الأكثر تقديرا وكلتاهما سعتا للحصول على نفوذ أكبر. وها هما تعودان مرة أخرى».

وفي الخلاف الحالي حول منصب رئيس الوزراء وقف الصدر خلف الجعفري اعتقادا أنه سيدفع أكثر باتجاه مغادرة الأميركيين للعراق قريبا. أما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي يرأسه الحكيم فقد سعى لتعيين مرشحه عادل عبد المهدي. وعلى الرغم من رعاية إيران له لعقود فإن الحكيم اقترب بشكل كبير مع الولايات المتحدة منذ غزو عام 2003 واستفاد من ذلك الموقف. وعمل حزبه عن قرب مع السفير الأميركي زالماي خليلزاد وكان لديه عدة وزراء في الحكومة الانتقالية الضعيفة. بينما قاتل الصدر الوجود الأميركي في العراق. ففي عام 2003 أصدر قاض عراقي مذكرة اعتقال بحق الصدر بسبب علاقته بقتل رجل دين منافس له في النجف له أواصر بالولايات المتحدة. وقبل عامين حاربت مليشيته جيش المهدي القوات الأميركية هنا وفي بغداد. وقال دبلوماسيون وضباط كبار أميركيون إنهم يعتبرون مليشيا الصدر أكثر عنصر مهدد لأمن العراق ولم يلتق أي منهم به مباشرة.وقال السيد رياض نوري الذي يرأس لجنة الصدر السياسية «نحن لن نتفاوض تحت الاحتلال «نحن لا نشترك مع الناس الذي خرقوا ديمقراطيتنا».

وقد سعى الصدر وأنصاره إلى تقديم صورة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق باعتباره حركة أجنبية فمؤسسوها كانوا في المنفى بإيران حينما كان صدام يحكم العراق. وفي مقابلة نادرة مع مراسل واشنطن بوست بعد سقوط بغداد قال الصدر إن حكم العراق يجب أن يدار من قبل أولئك الذين لم يهربوا من نظام صدام حسين. كذلك انتقد رجال الدين الذين بقوا في العراق لكنهم عانوا من ظلم صدام حسين بصمت.

وقال صاحب العامري رئيس «مؤسسة شهداء الله» التابعة للصدر: «الفرق بسيط: عائلة الحكيم قررت الخروج من العراق لمقاتلة النظام السابق بينما عائلة الصدر بقيت في الداخل وتحدت صدام بشكل مفتوح». وأنكر التقارير الأخيرة التي تقوم إن الصدر تسلم أيضا دعما كبيرا من إيران، وقال «علاقتنا الوحيدة بإيران هي كونها جارا لنا».

فقد الصدر أخوته وعمه وأباه آية الله العظمى محمد صادق الصدر على يد رجال أمن صدام حسين. بينما يقول الحكيم إن أكثر من 60 من أفراد عائلته قُتلوا خلال العقود الأخيرة بمن فيهم أبوه وأخوه محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الإسلامي السابق والذي قتل في حادث تفجير سيارة خارج ضريح الإمام علي في النجف عام 2003. وخلال النصف الأخير من القرن الماضي احتلت شخصيات دينية من كلتا الأسرتين أكبر المراتب الدينية في التسلسل الهرمي الديني في النجف.

وقال عمار الحكيم (36 عاما) في مقابلة معه بمكتبه القريب من مرقد عمه القتيل محمد باقر الحكيم «هناك دور كبير لهذه العائلات في تاريخ العراق الشيعي بسبب المواقف التي اتخذتها تجاه الشعب والثمن الذي دفعته».

ولكن القياديين في المعسكرين يسارعون الى توضيح أن النماذج المقولبة للأطراف الشيعية لم تثبت على الدوام انها حقيقية. فبينما كان الصدر ابطالا بالنسبة للطبقة العاملة العراقية فان جد الصدر كان معروفا بتدريسه العلوم الدينية. وتصاهرت العائلتان ايضا عبر الزواج. فزوجة عبد العزيز الحكيم هي ابنة عم مقتدى الصدر.

ويؤكدون ان النزاع حول الجعفري «لا يدور في الواقع حول العائلات لكنه يدور حول افكار مختلفة بشأن العراق»، وفقا لما قاله عمار الحكيم مستشهدا بدعوة المجلس الأعلى الى اقامة حكم ذاتي في الجنوب العراقي ذي الاغلبية الشيعية. ويخشى اتباع الصدر من ان تؤدي خطوة كهذه الى تقسيم البلاد.

ويجتذب الصدر وهو في الثلاثينات من عمره اتباعا من شيعة الطبقات الدنيا التي تجد نماذج خطابها اصداء في خطابه. وتتركز قاعدته في مدينة الصدر ببغداد، التي سميت على اسم والده، حيث يعيش 10 في المائة من سكان العراق. ومسجده الرئيسي في الكوفة، المدينة الفقيرة التي تجاور النجف.

وباتباعه نموذج حزب الله اللبناني حقق الصدر دعما في صفوف المحتاجين وشكل قوة من الرجال المسلحين. وباتت مكاتبه المنتشرة في انحاء البلاد مكانا للشيعة المهجرين من مناطقهم بسبب العنف الطائفي المتصاعد.

والمجلس الأعلى لديه أيضا مؤسسات خيرية وهو حركة سياسية اكثر حداثة ولديه قناة تلفزيونية فضائية ومنظمات شعبية واسعة وبرامج ثقافية يشرف عليها عمار الحكيم الذي قام العام الماضي بزيارة الى الولايات المتحدة رافقتها تغطية اعلامية واسعة.

وقال «لدينا 80 مكتبا في محافظات تمتد من البصرة الى السليمانية. ولدينا ألف مسجد في العراق وخمسة آلاف رجل دين مرتبطين بنا. ولدينا 155 من النساء الناشطات. ونحن ندير مدارس ومؤسسات تعليمية وخيرية».

وقد حثت المرجعية، التي تتخذ من النجف مقرا لها، الطرفين على معالجة الانقسام الذي هيمن على الوضع السياسي في العراق منذ الغزو الأميركي. وفي يوم اول من امس قال احد كبار مساعدي آية الله العظمى علي السيستاني، وهو أكثر رجال الدين نفوذا في العراق، ان الصبر مع السياسيين الشيعة بدأ ينفد.

وقال المساعد احمد الصافي ان من يؤذيهم هذا التأخير هم ابناء الشعب العراقي. المنطقة الخضراء هادئة ولكن الشارع العراقي شيء مختلف. وعندما تعطي المرجعية اشارات عليكم أن تفهموا ذلك. وقد ترغم المرجعية على التدخل بصورة اكبر. وقد اوضحت المرجعية في مناسبات عدة أهمية الاسراع بتشكيل حكومة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»