بوتفليقة في فرنسا للعلاج وسط حرب كلامية عنيفة بين البلدين

لوبن: من الفاضح أن يهاجمنا الرئيس الجزائري ثم يأتي للعلاج عندنا

TT

فيما عادت العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية الى التوتر عقب تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الاثنين الماضي، حول الحقبة الاستعمارية للجزائر، أدخل بوتفليقة الى مستشفى فال دو غراس العسكري بباريس صباح أمس لإجراء بعض الفحوص الطبية.

وسعت باريس والجزائر على حد سواء للتأكيد على أن إدخال بوتفليقة المستشفى عمل روتيني. فقد ذكرت الرئاسة الجزائرية ان الرئيس توجه اول من امس الى فرنسا «لإجراء مراقبة طبية كانت مقررة منذ مدة». كما ذكر عبد العزيز بلخادم وزير الدولة، الممثل الشخصي للرئيس الجزائري، «إن الأمر لا يعدو أن يكون خضوعا لفحوص طبية روتينية تتطلبها فترة ما بعد أي عملية جراحية». واضاف لـ«الشرق الأوسط» ان الرئيس «سافر إلى فرنسا في إطار مراقبة طبية عادية لها علاقة بالعملية الجراحية التي خضع لها نهاية العام الماضي كما تعلمون». ولدى سؤاله عما اذا كان الرئيس تعرض لمشاكل صحية طارئة استدعت نقله لباريس، قال بلخادم: «لا لا، الرئيس سافر لإجراء فحوص طبية ولا توجد أي خطورة على صحته».

كذلك، قالت الخارجية الفرنسية أمس إن الرئيس الجزائري «موجود في فرنسا لغرض المتابعة الطبية وهو أمر مقرر منذ فترة طويلة».

وقالت مصادر مطلعة ان بوتفليقة غادر إقامته الرئاسية بزرالدة في الضاحية الغربية للعاصمة، مساء أول من أمس مرفوقا بطبيبه مسعود زيتوني وشقيقه ومستشاره السعيد بوتفليقة إلى مطار بوفاريك العسكري، وركب الطائرة الرئاسية باتجاه باريس ثم التحق مباشرة بمستشفى فال دوغراس العسكري. وأفادت ذات المصادر أن الزيارة كانت مبرمجة منذ مغادرة بوتفليقة المستشفى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، «لكن السلطات الجزائرية فضلت عدم الكشف عنها تفاديا للتأويل»، في إشارة إلى جدل سياسي يجري تداوله في الجزائر، باحتشام، حول مدى قدرة بوتفليقة على إتمام ولايته الثانية التي تنتهي ربيع عام 2009.

وكان الرئيس بوتفليقة، 69 عاما، قد أدخل مستشفى فال دو غراس التابع لوزارة الدفاع الفرنسية في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث بقي فيه طيلة ثلاثة أسابيع. وأجريت له عملية جراحية لوقف نزف تسببت فيه قرحة بالمعدة. وبسبب عدم توافر المعلومات الدقيقة حول حالته الصحية، شاعت أخبار حول إصابته بسرطان المعدة، الأمر الذي كذبته لاحقا السلطات الجزائرية وأطباء بوتفليقة. وعقب العملية، أمضى الرئيس الجزائري أسبوعين للنقاهة في فندق لو موريس الفخم، القريب من ساحة الكونكورد، ولم يعد الى بلاده إلا في 31 ديسمبر الماضي. وبحسب المعلومات الرسمية الجزائرية، فإنها المرة الثالثة التي يأتي فيها بوتفليقة الى باريس لإجراء فحوص عقب العملية الجراحية.

وأول من كشف أمر وصول بوتفليقة الى باريس وإدخاله مستشفى فال دو غراس، كان زعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، جان ماري لوبن، الذي أبدى استغرابه اختيار الرئيس الجزائري المجيء الى فرنسا بعد تصريحاته النارية الأخيرة ضدها. وكان بوتفليقة قد هاجم بعنف الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر التي استمرت بداية من عام 1830 حتى عام 1962. وقال بوتفليقة إن الاستعمار «قام بعملية إبادة بحق هويتنا وتاريخنا ولغتنا وتقاليدنا بحيث لم نعد نعرف ما إذا نحن من الأمازيغ أو العرب أو الأوروبيين أو الفرنسييين».

وفي حديث لإذاعة «آر. إم. سي» الفرنسية صباح أمس، قال لوبن الذي خدم ضابطا في سلاح المظلات الفرنسي، واتُّهِم بممارسة التعذيب بحق موقوفين جزائريين، إنه «لأمر فاضح أن يسمح (الرئيس) بوتفليقة لنفسه بأن يدلي علنا بمثل هذه التصريحات، وأن يجيء الينا في الغد من أجل العلاج»، إذ أنه «من غير المفهوم لدي أن يجيء للمعالجة عندنا نحن الاستعماريين الكرهاء». وجاءت تصريحات الرئيس الجزائري عقب زيارة قام بها يومي 9 و10 الجاري وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الى الجزائر بغرض إعادة إطلاق العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية. لكن الجانب الجزائري اعتبر أن الزيارة لم تفض الى تنقية الأجواء التي تعكرت منذ بداية عام 2005 عقب تصويت البرلمان الفرنسي على قانون يمجد في إحدى فقراته الحقبة الاستعمارية الفرنسية. وعمد الرئيس شيراك في فبراير (شباط) الماضي الى طلب حذف الفقرة موضع الجدل، لكن يبدو أن بادرته لم تكن كافية لقلب الصفحة.

وأول من أمس، دعا وزير الخارجية الفرنسي في مقابلة صحافية الى التركيز على المستقبل بدل التركيز على الماضي. وقال دوست بلازي إنه «من المهم لبلدين مثل الجزائر وفرنسا أن ينظرا الى الأمام ويبنيا معاً لأن الجغرافيا والتاريخ يظهران أننا مشدودون الى الجزائر. والسياسة تعني البناء للمستقبل وليس التوقف عند أحقاد» الماضي. ومن بين ما قاله ايضاً، «عندما يتعلق الأمر بالاستعمار هناك مرحلتان، مرحلة الغزو التي تكون بشعة.. ثم بمجرد أن توجد في الأرض المحتلة حديثا تجد رجالا ونساء يعملون ويربون أطفالا».

ودعا حزب «حركة مجتمع السلم» في الجزائر، إلى استدعاء السفير الفرنسي للرد على تصريحات بلازي التي فسرت على أنها تمجيد للاستعمار. كما ناشدت «حركة الإصلاح الوطني» الاسلامية السلطات «توحيد المواقف في الداخل من خلال إشراك الأحزاب والمجتمع المدني في اتخاذ موقف جريء ضد فرنسا».