عمالة الخارج.. الطبقة الوسطى الأهم للاقتصاد الفلبيني

9 ملايين غالبيتهم متعلمون ويحولون 10 مليارات دولار سنوياً

TT

يرعون المرضى في كاليفورنيا، ويقودون شاحنات النفط في العراق، ويقودون سفن شحن البضائع عبر قناة بنما، وسفن الركاب عبر خليج ألاسكا ويخدمون اليابانيين ويربون أطفال أثرياء رجال الأعمال الخليجيين. إنهم العمال الفلبينيون في الخارج والذين يعلبون دوراً هاماً في الاقتصاد الفلبيني.

قبل ثلاثة قرون، شجع الرئيس الفلبيني الراحل فرديناند ماركوس، في إطار البحث عن مصدر جديد للدخل الوطني وسط تزايد سريع لعدد السكان، مواطنيه على البحث عن أعمال في بلدان أخرى. ومع الوقت أصبحت العمالة في الخارج من أعمدة الاقتصاد الفلبيني، إذ هناك الآن 9 ملايين فلبيني، أي أكثر من 10% من سكان البلاد، يعملون في الخارج. وفي كل يوم يغادر 3100 شخص البلاد. ويرسل هؤلاء أكثر من 10.7 مليار دولار الى بلادهم سنويا، أي نحو 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وتصفهم الرئيسة الفلبينية الحالية غلوريا ماكاباغال ارويو بـ«عصب قوة العمل العالمية الجديدة، وأهم صادرتنا».

وقد اكتسب هؤلاء العمال سمعة عالمية لقدرتهم على العمل، وبينهم مجموعات من الأشخاص الموهوبين والمتعلمين تعليما جيدا.

لكن مع بداية مغادرة الجيل الثالث من الفلبينيين البلاد للعمل في الخارج، أصبح واضحا ان مثل هذا النظام لم يؤد الى ازدهار. وقد ركز السياسيون على تسهيل تدفق العمال بدلا من تسخير تحويلاتهم من اجل التنمية الاقتصادية. وقد تحول الاعتماد على تصدير البشر الى صيغة للركود، إذ بعدما كان اقتصاد الفلبين الأقوى في آسيا أصبح الآن أقرب الى كونه الأكثر تدهوراً. فاستثمارات الحكومة محدودة في مجال التصنيع والتعليم او الرعاية الصحية، وأصبح الاقتصاد عاجزا عن خلق 1.5 مليون وظيفة مطلوبة سنوياً لمواجهة النمو السكاني. وقالت دوريس ماغسايساي هو، رئيسة الشركة التي ترسل 18 ألف عامل سنويا للعمل في السفن حول العالم: «لدينا طبقة متوسطة، لكنها لا تعيش في الفلبين».

وأوضحت وزير العمل الفلبينية، باتريشيا سانتو توماس، التي يعمل شقيقها طبيبا في مقاطعة اورانج الاميركية، ان الفلبينيين يوجدون في كل مكان عدا كوريا الشمالية. ويعمل اكثر من 2.5 مليون فلبيني في الولايات المتحدة ونحو مليون في السعودية.

وتوجد في الفلبين 1500 وكالة تشغيل مرخص لها، بعضها يجري تدريبات للعاملين: 6 اشهر للراقصات، و4 اشهر للبحارة، واسبوعان للخادمات، وذلك مقابل حصولهم على نسبة من الأجر.

ويمكن لطاهي في سفينة شحن الحصول على راتب يصل الى الف دولار شهريا، وهو اعلى من مرتب رئيسة الجمهورية الرسمي. كما تكسب مغنية في ملهى باليابان اكثر من مرتب عضو في البرلمان الفلبيني. الا ان نفقات التدريب يمكن ان تصل الى عدة آلاف من الدولارات، اذ كلما كانت الوظيفة افضل زادت التكلفة. وتجذب عشرات الوكالات في منطقة ارميتا بمانيلا العديد من الساعين للعمل من جميع انحاء البلاد. ويصطف اصحاب الطلبات في الشوارع حاملين حقائبهم على استعداد للذهاب لأي مكان في العالم.

وقد عملت اديث وايكون، 37 عاما، لمدة 13 سنة من مجموع السنوات الـ17 الأخيرة في الامارات العربية المتحدة والسعودية وتايوان، والآن هونغ كونغ. وهي حاصلة على درجة في برمجة الكومبيوتر لكنها لم تستطع الحصول على وظيفة في الفلبين. تركت طفلها مرتين من اجل السفر الى الخارج، الأولى عندما كان عمره ستة اشهر والثانية عندما كان في الرابعة، وهو الآن في العاشرة من عمره. وقالت: «اريد أن أبقى مع ابني، أريد ان أعد له الفطور قبل ان يتوجه للمدرسة، وأرتب له حاجاته الأخرى. أنا أم لكنني في الواقع لست كذلك. لم يسبق لي أن كنت أما».

كان أهالي سانتا روزا، وهي قرية تبعد ساعتين عن مانيلا، يعيشون على معالجة جوز الهند. لكن الرجال الذين يعملون في سقائف التجفيف غادروا البلاد منذ زمن بعيد. وتعرف القرية الآن بايطاليا الصغيرة، وهي تعتمد كليا تقريبا على التحويلات من الخارج. ومن بين سكانها البالغ عددهم ثمانية آلاف هناك ثلاثة آلاف يعملون في الخارج، بصورة رئيسية في ايطاليا واسبانيا. وقد تركوا خلفهم الأطفال والشيوخ والعجزة.وأسهم العاملون في الخارج بالأموال التي يرسلونها في بناء مكتب القرية ذي الطابقين، وتبرع احد العاملين في اسبانيا بجهاز كومبيوتر للمكتب. كما ساعد آخرون في شراء سيارة اسعاف. الا ان القرية تتميز أكثر ببيوتها التي يزيد عددها على 600 بيت وهي من الطراز الإيطالي وقد بنيت بأموال مرسلة من الخارج.

وقال رئيس القرية بنيتو الفاريز، الذي يرتدي تي شيرت اميركيا أهداه له أبناء عمه العاملون في الولايات المتحدة، انه من غير المحتمل أن يعيش المالكون فيها. وأضاف «انهم يبنون البيوت ليبرهنوا للآخرين الذين نشأوا معهم انهم حققوا نجاحات كبيرة».

لكن ما يراه الفاريز دليلا على التبذير يعطي قرويا آخر احساسا عميقا بالقناعة. وبدأ كارليتو فيلانوفا، 67 عاما، بارسال ابنائه التسعة الى اسبانيا وايطاليا عام 1985. ويعيشون جميعهم الآن في أوروبا مع زوجاتهم و14 من الأحفاد. وقال فيلانوفا «لو لم يسافروا لواجهوا مصاعب لان الحياة هنا شاقة جدا. لست حزينا على الاطلاق، بل انا سعيد جدا. كأب فان هدفي الأساسي هو ضمان حياة جيدة لهم». كل واحد من الأبناء يرسل مالا لبناء بيت في مجمع العائلة. وقد تم بناء أربعة بيوت ويجري التخطيط لبناء خامس. وكلها فارغة الا في المناسبات النادرة عندما يأتي احد الأبناء من الخارج في زيارة. وقال فيلانوفا «هذا بيتهم. اينما كانوا في العالم، فإنهم سيعودون اليه».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»