الغرب العراقي يتكرر في صحراء كاليفورنيا.. لغايات تدريبية

12 قرية يسكنها 1600 شخص بينهم 250 عراقيا يتدرب فيها الجنود الأميركيون على قتال المسلحين

TT

فورت ايروين (كاليفورنيا) ـ رويترز: تقع هذه البلدة العسكرية الصرفة على مبعدة 12070 كيلومترا من العاصمة العراقية بغداد، غير أنك لو سرت قليلا الى الغرب ستصل الى صحراء وبيئة طبيعية تشبه كثيرا غرب العراق. المخاطر مماثلة ايضا من قنابل مزروعة على جانب الطرق الى كمائن وانتحاريين وغارات كر وفر وعمليات خطف.

انها فورت ايروين مقر المركز القومي لتدريب الجيش الأميركي الذي يحتل مساحة تقترب من 3108 كيلومترات مربعة في صحراء موغافي. هذه القاعدة العسكرية هي المحطة الاخيرة لعشرات الالاف من أفراد القوات الأميركية، قبل ارسالهم الى العراق، وتوفر لهم ممارسة عملية لما يأملون في تعلمه، وهو كيفية قتال المسلحين في العراق، الذين يجددون من أساليبهم ويقاتلون بلا رحمة، من دون ان يكتسب الجندي الأميركي أعداء جددا من المدنيين، ومن دون ان ينحاز الى جانب دون اخر في الصراعات الداخلية بالعراق.

وقال البريغادير جنرال روبرت كون، قائد مركز التدريب، «نوفر هنا تدريبا عسكريا على مستوى الخريجين.. وهو قائم على ما نتعلمه من العراق. انها عمليات تقوم بها وحدات صغيرة لمكافحة المسلحين، في تغيير جذري عما كان متبعا من قبل».

كانت صحراء موغافي، في ما مضى، أرضا للتدريب على قتال الدبابات في تدريبات كانت القوات المدرعة الأميركية تقاتل فيها دبابات معدلة لتبدو كدبابات «تي.72» السوفياتية. وما زالت الدبابات تقف في طوابير من دون استخدام. كانت المرة الاخيرة التي استخدمت فيها في يونيو (حزيران) عام 2004، في تدريب داخلي للجيش، حين ارتفعت وتيرة العنف في العراق وبلغ عدد القتلى من الجنود الأميركيين 800. ويزيد عدد قتلى الجنود الأميركيين الان عن 2300.

وزادت عمليات القتل الطائفية المنتشرة على نطاق واسع في العراق من امكانية نشوب حرب أهلية، لتفاقم من وضع متدهور بالفعل. وعندما تحول الاهتمام من التدريب على الحرب التقليدية الى مكافحة المقاتلين، شيد الجيش 12 قرية على شكل القرى العربية، سكنها 1600 شخص، بينهم 250 رجلا وامرأة جندوا من الجاليات العراقية في سان دييغو وديترويت وتتراوح أدوارهم بين القناص والانتحاري وقائد الشرطة ورئيس البلدية.

وخلال الدورة التدريبية، التي تستمر ثلاثة أشهر، يعيش الجنود الأميركيون طوال الوقت في هذه المحاكاة للعراق وفي ظروف أشد قسوة من تلك الموجودة في القواعد الأميركية في العراق، على ارض الواقع. ويتعامل الجنود مع السكان وهم عراقيون حقيقيون وأميركيون يرتدون ملابس عربية يوميا، لاكتساب أبجديات الثقافة العراقية. على سبيل المثال لا تبصق أمام عراقي. انزع قفازيك قبل أن تصافح أحدا. ولا تضع نعل حذائك في وجه من تجلس معهم.

وقال بسام كالاشو وهو أميركي عراقي يلعب دور نائب رئيس بلدية في بلدة متربة بها مسجد ومركز شرطة «اننا نساعدهم (الجنود) على فهم تقاليدنا، حتى لا تتكرر الاخطاء التي ارتكبت في العراق.. أهم شيء هو أن نستطيع تعليمهم ثقافتنا».

وفي ديسمبر (كانون الاول) نشرت مجلة ميليتاري ريفيو»، التي يصدرها الجيش، مقالا تبادله قادة الجيش على نطاق واسع، من خلال البريد الإلكتروني، جاء فيه أن القوات الأميركية في العراق تصرفت أحيانا كمن «يصب الزيت على النار»، واتسمت أفعالها بانعدام الحساسية الثقافية، التي تصل الى حد «التمييز العنصري المتغلغل في المؤسسات».

وتبرز صعوبة الموازنة بين الاحترام والارتياب في مدينة جبل، وهي واحدة من اكبر القرى، حيث مثل قائد دبابة أميركي دور مقاتل ينفذ هجمات بقنابل على مدار العامين الماضيين. السارجنت تيم ويلسون من الحرس الوطني بنيفادا، يبدو مقنعا وهو يرتدي غطاء رأس عربيا وجلبابا ويؤدي دور رجل يدير مطعم الوجبات السريعة الوحيد في المنطقة، وهو مقهى «كامل دوج»، الذي يقدم النقانق واللفائف. ويحظى المقهى بشعبية بين أفراد القوات في قاعدة للعمليات المتقدمة. وقال ويلسون «أقوم بدور رجل ودود وهم يتعرفون علي وشيئا فشيئا يتساهلون معي، وفي نهاية المطاف أمر عبر نقطة تفتيش من دون تفتيش، ثم يقع الانفجار الذي يقتلهم فيتعلمون درسا».

وتسجل اكثر من 70 كاميرا مثبتة على الاسطح وعلى أعمدة عالية مثل هذه الحوادث من أجل ما يعرف باسم «تقارير ما بعد القتال»، وهي مناقشات مفصلة لما حدث من خطأ وصواب. وأضاف كون قائد مركز التدريب، «رصد نقاط ضعف الوحدات هنا خير من رصدها هناك».

وتحاكي السيناريوهات ذات الادوار المرسومة، التي صممها ضباط مختصون بالعمليات النفسية، الاحداث في العراق. وجسدت المحاكاة التوتر العالي بين الشيعة والسنة في العراق، في مناورات جرت بعد ايام من تفجير المسجد الذهبي في سامراء، الذي أدى الى سلسلة من عمليات القتل الطائفية. وعلق ملصق به صور للمسجد قبل وبعد تفجير قبته المذهبة في كوخ يستخدم كمركز قيادة للمقاتلين وكتبت عليه بالعربية عبارة «انهم يحاولون منعنا من الصلاة... هاجموهم».

وتبقي الهجمات بقذائف الهاون والغارات المتكررة، الجنود مستيقظين ومتوترين. وقال الميجر جون كليرووتر مسؤول الشؤون العامة بالمركز «نعتقد أن اليوم هنا يعادل اسبوعين في العراق من حيث الشدة». وأضاف «البيئة بها توتر وضغط شديدان، وهي اكثر مواقع التدريب واقعية».

ولاضفاء مزيد من الواقعية، يعتزم الجيش اقامة بلدة كبيرة بدرجة تسمح بمحاكاة الزحام المروري وتجسيد صخب المدينة في مركز اقليمي عراقي. وبالنسبة لكثير من الجنود، فإن مهمة اطلاق النيران هي الجزء الاسهل، اما الجانب الاصعب من التدريبات فهو، على سبيل المثال، التفاوض مع سكان القرى الذين يطالبون بتعويض عن أضرار ألحقتها بمحاصيلهم مركبات عسكرية أميركية أو يمطرون الجنود بالشتائم أو يهاجمون نقطة تفتيش.

وخلال ايجاز عقد حول عملية لتحرير جنديين احتجزهما مقاتلون رهينتين، عرض الكولونيل مايكل كيرشو من الفرقة العاشرة شريحة عرض تحدد المهمة التي يواجهها الجنود الاميركيون في العراق، وحملت عنوان «مكافحة المقاتلين عمل اجتماعي مسلح... محاولة لتقويم المشاكل الاجتماعية والسياسية الاساسية، في الوقت الذي نتعرض فيه لاطلاق النيران».