المالكي القائد الفعلي لحزب «الدعوة» يستعيد موقعه الطبيعي

بعدما أخذ منه الجعفري عضوية مجلس الحكم ورئاسة الحكومة الانتقالية

TT

رضوخ ابراهيم الجعفري للضغوط بالتخلي عن الترشح لتولي رئاسة الوزراء في الحكومة العراقية الجديدة، وترشيح جواد المالكي، واسمه الحقيقي: نوري كامل ابو المحاسن، بدلا منه اعاد في اطار حزب «الدعوة الاسلامية»، اول الاحزاب الشيعية في العراق، الامور الى نصابها، ذلك انه وفقا للاستحقاقات الحزبية والنضالية كان جواد المالكي الاحق من الجعفري في تولي عضوية مجلس الحكم المؤقت، الذي انشئ بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ممثلا عن حزب الدعوة، ومن ثم رئيسا للوزراء في الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها مرشحا عن «الائتلاف العراقي الموحد».

يوم سقوط صدام، وقبله بسنوات عديدة، كان جواد المالكي، وليس الجعفري، هو رجل التنظيم في الحزب وقائده الفعلي في كردستان العراق وقبل ذلك في سورية التي امضى فيها ردحا طويلا من حقبة منفاه، التي ابتدأت في عام 1980. اما الجعفري فلم يكن سوى الناطق الرسمي باسم الحزب من لندن.

عاش المالكي على الدوام وسط اعضاء حزبه البسطاء وبين عوائلهم، مما اكسبه احترام قطاعات واسعة منهم، ومن قوى المعارضة العراقية، التي نشط في صفوفها. وقدم المالكي بذلك صورة للقيادي الحزبي المتواضع، بخلاف الجعفري الذي حافظ على الدوام على صورة القيادي المترفع المنعزل عن القواعد الحزبية.

كان المالكي موظفا بسيطا في وزارة التربية عندما اضطر للهرب من العراق في عام 1980، بخلاف الجعفري الذي كان يتقلد وظيفة متوسطة المستوى في وزارة الصحة، أهلته لها علاقة غامضة باعضاء في حزب البعث وعناصر في ميليشيا «الجيش الشعبي».

الجعفري شخصية طموحة للغاية، واستفاد من انعقاد اكبر مؤتمر للمعارضة العراقية عشية الحرب في لندن، حيث يعيش، ليقدم نفسه باعتباره الرجل الاول في حزب الدعوة، مستفيدا ايضا من قرابته من الزوجة الثانية للمرجع الشيعي الاعلى اية الله علي السيستاني الذي اصبح، بعد سقوط نظام صدام، لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية في العراق والشخص المقرر داخل «البيت الشيعي» السياسي.

ومثل الجعفري عرف المالكي بأمانته. لكنه يتجاوزه في الموقف من ايران، فبينما ينظر البعض الى الجعفري باعتباره قريبا بعض الشيء من قيادة النظام الاسلامي الايراني، عرف المالكي بانه يناهض ان يكون لايران دور سياسي، فضلا عن الديني، في العراق. ويروي احد القياديين الاكراد الذين عملوا معه في سورية في اطار المعارضة العراقية، ان المالكي لم يكن محبوبا من الايرانيين حتى ان سفارتهم في دمشق لم تكن تدعوه الى استقبالاتها واحتفالاتها. ومثل الجعفري ايضا لم يؤيد المالكي مشروع اقامة اقليم شيعي فيدرالي في الجنوب. ولا بد ان هذا كان وراء امتداح حسين الفلوجي العضو البارز في جبهة التوافق العراقية السنية للمالكي بعد اعلان اختياره مرشحا لرئاسة الوزراء، فقد اشاد الفلوجي، في تصريح الى رويترز بـ«دفاعه (المالكي) عن مبدأ عروبة العراق وعن توزيع الثروات على الشعب العراقي»، اثناء كتابة مسودة الدستور الدائم الذي كان المالكي والفلوجي عضوين في لجنة اعداده. لكن هذا لم يمنع من ابداء ملاحظات على مواقف اخرى للمالكي لا تختلف عن مواقف الجعفري ايضا. قال الفلوجي «لدينا ملاحظات كثيرة حول طبيعة الخطاب السياسي والاعلامي الذي كان يظهر به المالكي خلال الفترة الماضية»، مشيرا الى تصريحات للمالكي وصفها النائب السني بانها «لا تخلو من الانتكاسات باتجاه ترسيخ بعض الميول الطائفية (الشيعية) على حساب الاطراف الاخرى».

والراجح ان هذه الملاحظات تشير الى التجربة مع المالكي خلال رئاسته اللجنة الامنية في الجمعية الوطنية (البرلمان الانتقالي) وحماسته لسن قانون مكافحة الارهاب، وتوليه منصب نائب رئيس «هيئة اجتثاث البعث»، التي شكلها الحاكم الاميركي للعراق بول بريمر (2003-2004).

ومن جانبه يرى اياد السامرائي المسؤول البارز في جبهة التوافق ايضا، أن الجبهة تدرك أن المالكي أدلى في السابق بتصريحات شديدة اللهجة غير أنهم جلسوا معه لفترات طويلة ويشعرون بأن لديه عزما شديدا على معالجة المشكلات التي تواجه العراق. وربما تعطي هذه الملاحظة ثقة اكبر بالمالكي من الجعفري الذي يتهمه منتقدوه، ليس فقط من التحالف الكردستاني، وانما ايضا من «الائتلاف العراقي الموحد»، باحتكار السلطة وانتهاج سياسات قومية (تجاه الاكراد) وطائفية (تجاه السنة)، والفشل في ادارة الدولة وكبح العنف المتصاعد وايجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.