أجواء ما بعد 11 سبتمبر جعلت أميركا أقل جاذبية للزوار والطلاب العرب

رجال الأعمال يتجهون الآن إلى بيئات أكثر ودا تجاه العرب

TT

اتسعت الفجوة الاقتصادية بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لتصبح هوة. فبينما كانت الولايات المتحدة المحطة الأولى بالنسبة للبضائع والخدمات، اصبح رجال الاعمال في الشرق الأوسط يتجهون الآن الى بيئات اكثر ودا تجاه العرب في اوروبا وآسيا.

وتركز الاهتمام في الشهور الأخيرة في الولايات المتحدة على الاستثمارات، بعدما ادت المخاوف الأمنية الى منع شركة موانئ دبي العالمية من الحصول على مجموعة موانئ اميركية. ولكن انخفاض إنفاق دول الشرق الأوسط طال، ايضا، قطاع الخدمات في انشطة مثل السياحة والتعليم والرعاية الصحية، مما يدل على تغير استراتيجية الأعمال في بعض المناطق مثل كليفلاند وروتشستر.

وكانت واحدة من السمات المميزة لفترة ازدهار النفط هي أن الأموال التي تنفقها الولايات المتحدة على شراء النفط والغاز تعود اليها مرة اخرى على شكل استثمارات وشراء للبضائع الاميركية والخدمات.

ولم يتجاهل المستثمرون والمستهلكون القادمون من الشرق الأوسط الولايات المتحدة تماما هذه المرة: فهم لا يزالون من المشترين الاساسيين لسندات الحكومة الأميركية، كما اشتروا العديد من الفنادق الاميركية مثل فندق «اسكس هاوس» في مدينة نيويورك وعقارات في الجنوب.

لكن جاذبية اميركا تتلاشى، وانخفض عدد القادمين للولايات المتحدة من الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال تراجع عدد الزوار القادمين من السعودية للولايات المتحدة الى 18573 في 2004، وهي آخر سنة توفرت فيها الإحصائيات، بالمقارنة بـ72891 في عام 1999، طبقا لأرقام وزارة التجارة الاميركية. وهو يمثل انخفاضا ملحوظا في نفقات السياح لأن السائح السعودي ينفق ثلاث مرات اكثر مما تنفقه اية مجموعة سياحية أخرى: 9364 دولار، طبقا للوزارة.

كما اضرت متاعب الحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة بالنشاط التجاري ايضا، طبقا لما ذكره العرب والاميركيون، بوضع حاجز بين الشركات الاميركية والعملاء المحتملين، الذين ربما يسافرون لدول يسهل دخولها.

ويتجه السياح العرب، بسبب متاعب الحصول على تأشيرة، الى دول اخرى قريبة من اوطانهم مثل دبي، التي توجد بها فنادق/ منتجعات، ومدن ملاهي ومراكز تسوق على الطريقة الاميركية.

ويعتبر جاي راسولو رئيس حدائق ومنتجعات وولت ديزني، من الذين تحدثوا بصراحة عن تأثير متاعب الحصول على تأشيرات على السياحة. فقد ذكر في تجمع لقطاع السياحة والسفر ان نصيب الولايات المتحدة من السياحة الدولية انخفض بـ «20 مليار دولار سنويا» منذ عام 2000 وهو اكبر نسبة انخفاض في تاريخ هذا القطاع.

وذكرت وزارة الأمن الداخلي انها تبذل كل ما في وسعها للنظر في طلبات التأشيرات بسرعة. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، جوانا غونزاليز «نريد بالطبع تسهيل الأمر بالنسبة لهؤلاء الذين نثق في دخولهم الولايات المتحدة في الحضور في الوقت الذين يريدونه. ولكن اذا كان خفض فترات الانتظار يعني تخفيف قيود الأمن، فإن فترات الانتظار ليست مشكلتنا».

وفي قطاع الرعاية الصحية، انخفض عدد المرضى العرب في كبرى المراكز الطبية الاميركية مثل كليفلاند كلينك ومايو كلينك فورا عقب هجمات 11 سبتمبر بنسبة تتراوح بين عشرين وخمسين في المائة، طبقا للمسؤولين في ذلك القطاع.

وقد امتد الانخفاض ليشمل اكثر من المستشفيات. فكبارالشخصيات العربية يأتون للولايات المتحدة للعلاج لفترات طويلة تصحبهم عائلات كبيرة ومجموعات كبيرة من العاملين. وأجرى رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في كليفلاند عام 2000 عملية نقل كلى حيث اقام هناك 4 أشهر. ومسؤولو «مايو كلينيك» في روشتستر، حيث تلقى العاهل الاردني الراحل الملك حسين علاجا اواخر التسعينات، عملوا جاهدين على اجتذاب المرضى وأرسلوا أطباء الى الشرق الاوسط عقب هجمات سبتمبر. وافتتحت «مايو كلينيك» عيادة لعلاج امراض القلب في دبي تقوم ايضا بعمل التنسيق اللازم للسفر الى الولايات المتحدة للمزيد من العلاج اذا دعت الحاجة. وتشير نتائج دراسة اجراها المعهد الدولي للتعليم الى ان اكبر نسبة تراجع كانت في عدد الطلاب السعوديين، إذ ان نسبتهم تراجعت 14 في المائة العام الماضي. وتراجعت بصورة عامة نسبة الطلاب المسلمين المسجلين للدراسة بالجامعات والمعاهد والكليات الاميركية، الشيء الذي يشير الى ان سكان دول منطقة الشرق الاوسط ليسوا وحدهم الذين وجدوا اميركا وجهة طاردة منذ هجمات سبتمبر 2001. وكان روبرت بيتس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية والمدير الحالي لجامعة تكساس أي آند إم، قد ظل يطالب باستمرار بتحسين شروط الحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة بالنسبة للطلاب. ومن الواضح ان قلق بيتس لا ينحصر فقط الخسائر المالية، إذ يقول ان السماح للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة على مدى نصف القرن السابق كان من افضل الأشياء التي فعلتها الولايات المتحدة مع اصدقائها في مختلف انحاء العالم. إلا ان القنصلية الاميركية في جدة ظلت مغلقة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب مخاوف أمنية، كما ظلت قنصلية اخرى في الدمام مغلقة منذ عام 1999. ويعني ذلك ان على المتقدمين للحصول على تأشيرة للدخول للولايات المتحدة السفر الى الرياض، حيث يتعين على المتقدمين الانتظار لعدة اشهر للمقابلة الشخصية بسبب الطلبات المتراكمة. حتى بالنسبة للطلاب الذين يتوجهون الى الولايات المتحدة تعتبر التجربة مختلطة في كثير من الأحيان. فالطالب الإماراتي سعيد عبد الله، الذي يحضر لنيل درجة الدكتوراه بجامعة تكساس أي آند ام يقول ان اصدقاءه كانوا في السابق يمددون فترة الدراسة، اذ كانوا يقضون حوالي سبع سنوات للدرجة الجامعية التي تتطلب اربع سنوات، لكنه الآن، كما يقول، يعملون جاهدين لتقليص فترة الدراسة الى أقل من الفترة المقررة ومغادرة الولايات المتحدة فور الفراغ من الدراسة. ويشير الطلاب الآن الى خيارات اخرى. ففي قطر، على سبيل المثال، تقدم مؤسسة قطر المدعومة حكوميا تمويلا لفتح فروع لجامعات اميركية في العاصمة الدوحة، بما في ذلك جامعة تكساس أي آند ام وكلية الشؤون الخارجية التابعة لجامعة جورجتاون وكلية الطب التابعة لجامعة كورنيل. وكان وزير التعليم العالي السعودي قد كشف النقاب في الآونة الاخيرة عن أن استراتيجية للتعليم العالي تشجع الطلاب على الاتجاه شرقا الى الصين والهند وماليزيا وسنغافورة واندونيسيا وكوريا الجنوبية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»