اليمين المتطرف أصبح متجذرا في فرنسا وأول ضحاياه المهاجرون من أصول عربية وإسلامية

TT

من بين كل استطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام الأخيرة في فرنسا قبل عام واحد على الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن تتم في 21 أبريل (نيسان) المقبل، يبدو استطلاع معهدIFOP حول موقع وأفكار اليمين المتطرف الأكثر خطورة خصوصا للمهاجرين وابنائهم، وحتى للمتحدرين من أصول مهاجرة. فقد أظهر الاستطلاع المذكور أن 34 في المائة من العينة المستفتاة، تعتبر أن اليمين المتطرف المعروف بطروحاته المعادية أو المتشددة ضد المهاجرين، وعلى رأسهم ذوو الأصول العربية والإسلامية، قريب من اهتماماتها. ويرى ثلثا العينة التي تعكس تركيبة المجتمع الفرنسي، أن اليمين المتطرف كان الأكثر فائدة من بين الأحزاب السياسية لجهة إغناء «النقاش السياسي» في ما خص مسألة الهجرة ومستقبل المهاجرين في فرنسا. ويبدو جان ماري لوبن، زعيم الجبهة الوطنية بمثابة الشخصية الرئيسية التي تهيمن على اليمين المتطرف، إذ أن 48 في المائة من العينة تعتبره الأفضل تمثيلا لكل هذا الجناح. وكان لوبن قد أحدث مفاجأة كبرى في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2002 عندما سبق المرشح الاشتراكي لونيل جوسبان في الدورة الانتخابية الأولى، وتنافس مع الرئيس شيراك في الجولة الثانية، حيث حصل على حوالي 20 في المائة من الأصوات. وذهب لو بن الى حد القول إن طموحه للانتخابات القادمة «ليس فقط الوصول الى الدورة الثانية بل الفوز فيها»، لأنه يمثل، كما يقول «البديل الوحيد عن الأحزاب التقليدية» الموجودة يمينا ويسارا. غير أن استفتاء آخر أجري في الفترة عينها ونشرت نتائجه صحيفة «لو فيغارو» أول من أمس، أفاد بأن لوبن سيحصل على 10 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى بعيدا وراء المرشحين عن حزب التجمع من أجل حركة شعبية «الحاك حاليا» والحزب الاشتراكي مهما تكن هوية هذين المرشحين. لكن استطلاعات الرأي مرشحة للخطأ، إذ أن أيا منها لم يتوقع وصول لو بن الى الدورة الثانية في الانتخابات الماضية. وفي ايطاليا، توقعت مؤسسات الاستطلاع فوزا سهلا لمرشح اليسار رومانو برودي الذي لم يتقدم على منافسه سيلفيو برلسكوني إلا بأقل من 30 الف صوت.

ويرى أكثر من محلل سياسي أن اليمين المتطرف في فرنسا أصبح طرفا فاعلا ومؤثرا في الحياة السياسية ولم يعد مجرد ظاهرة عابرة. وبحسب هؤلاء، فإن أخطر الظواهر يكمن في «تفشي» أفكار اليمين المتطرف إزاء المسائل الأكثر حساسية؛ التي هي مسألة الهجرة التي كانت باستمرار «حصان طروادة» لا بل الفزاعة التي يستخدمها اليمين المتطرف من أجل الترويج لطرحه السياسي.

وفي السياق عينه، يعتبر المحللون السياسيون أن ما عرفته فرنسا في الخريف الماضي في ما سمي «انتفاضة الضواحي» التي شهدت أعمال عنف ومصادمات وتدمير مبان رسمية وإحراق آلاف السيارات والقبض على ما يزيد على 3000 متظاهر أو مثير أعمال شغب، أفادت سياسيا اليمين المتطرف، وكذلك استفيد من المظاهرات الطلابية والنقابية وخصوصا مما رافقها من أعمال عنف وشغب.

ويراهن اليمين المتطرف على الخوف الذي تثيره اعمال العنف ليقوي مواقعه لدى الفرنسيين، كما أنه يربط بين ظاهرة الهجرة من جهة وبين البطالة من جهة أخرى للترويج لطروحاته العنصرية. فضلا من ذلك، يلوح اليمين المتطرف بفقدان الهوية الوطنية الفرنسية بسبب «صعوبة» دمج المهاجرين من أصول إسلامية في المجتمع الفرنسي. وحتى الآن كان المهاجرون من أصول عربية ومغاربية على وجه التحديد هم الهدف المفضل لليمين المتطرف الذي يصب عليه هجماته ودعايته السياسية.

ورغم القوانين الخاصة بالهجرة وبتكثيف محاربة الإرهاب التي استصدرتها الحكومات اليمينية المتعاقبة والخطاب المتشدد لوزير الداخلية نيكولا سركوزي، التي من شأنها جذب جمهور اليمين المتطرف نحو اليمين التقليدي، إلا أن ما جاءت به استطلاعات الرأي الأخيرة تبين أن ناخبي اليمين المتطرف يفضلون «الأصل» على «التقليد»، وهم مستمرون في التهليل لطروحات جان ماري لو بن الراغب في أن يكون البديل عن الطبقة السياسية التقليدية القائمة.