«صوت البيت الأبيض» .. فن المواجهة والتهرب

محللون يرون دوراً لبوش في رحيل سكوت مكليلان .. واسمان من «فوكس» مرشحان لخلافته

TT

كان من المؤلم ان يشاهد أحياناً وهو يكرر نفس العبارات وسط هجمات عدائية من وسائل الاعلام، اذ كان يتوقف لبرهة بحثا عن طريقة جديدة لترديد اجابات لا تكون لها علاقة بالاسئلة. وبعد مرور يومين من التهرب من سؤال حول مستقبله بالقول «أنا لا أتحدث عن الامور الشخصية»، قدم سكوت مكليلان اخيراً استقالته من منصبه كمتحدث باسم البيت الابيض وسط عبارات حميمة من الرئيس جورج بوش، ووجهات نظر اقل حميمية من وسائل الاعلام. فقد ذكر سام دونالدسون من شبكة «ايه بي سي» التلفزيونية ومندوب الشبكة في البيت الابيض منذ فترة طويلة، ان الادارة وضعته تحت ضغوط، مما انعكس على عدم قدرته على ترويض وسائل الاعلام والسيطرة عليها. واضاف: «لم يكن سكوت يملك هذه القدرة. وربما لم تكن مؤهلات للعمل كسكرتير صحافي».

أما مايكل وولف الذي قدم نبذة عن مكليلان في مجلة «فانيتي فير» فقد ذكر ان تعيينه اظهر «نوعية ما من الاحتقار لوسائل الاعلام من قبل البيت الابيض. كان امرا كوميديا ومهزلة. ببساطة لم يتمكن من القيام بالعمل. يحضر للعمل كل يوم ولا يتمكن من استكمال جملة».

الا ان زملاء مكليلان، وهو رجل من تكساس يتميز بالطيبة وعمل مع بوش منذ كان حاكما، قالوا انه تصرف بطريقة جيدة فيما اصبح وظيفة صعبة. وقالت توري كلارك المتحدثة السابقة باسم البيت الابيض: «هناك مزيد الاحداث في قاعة المؤتمرات الصحافية ومزيد من العلاقة العدائية بين البيت الابيض ووسائل الاعلام. واعتقد انه ادى عملا جيدا او افضل مثل أي شخص آخر. انا على ثقة ان الامر كان محبطا له، لكنه لم يظهر ذلك على الاطلاق».

وقال اري فلايشر الذي كان رئيسا لمكليلان عندما كان يشغل منصب المتحدث باسم البيت الابيض ان خليفته استمتع «بثقة الرئيس، ولم يخطئ في عمله، ولا سيما عندما يتعلق الامر بقراء نصوص المؤتمرات الصحافية». وعندما سُئل عن عدم شعور مكليلان بالراحة على منصة قاعة المؤتمرات الصحافية، قال فلايشر: «سيظل السؤال حول ما اذا كان المتحدث الصحافي ينجح وسط مناخ التصارع في عصر التلفزيون، مطروحا دائما».

وقد تصادف تولي مكليلان المنصب مع حملة اعادة الانتخاب التي تميزت بالحدة وتدني شعبية ادارة بوش في اعقاب اعصار كاترينا، واستمرار التدهور الامني في العراق. وبالرغم من قول فلايشر ان مكليلان كان يفضل البقاء حتى نهاية العام، فإن استقالته كانت مرتبة خلال فترة اعادة تنظيم الوظائف في البيت الابيض التي اعدها الرئيس الجديد لهيئة موظفي البيت الابيض غوش بولتن. وقال مكليلان للصحافيين في طائرة الرئاسة: «لم احتج لمزيد من التشجيع لاتخاذ قرار (استقالتي)، بالرغم من محاولاتكم المتكررة لإغرائي».

وفي عملية تأييد مرتبة، ظهر الرئيس بوش مع مكليلان في الحديقة الجنوبية للبيت الابيض وقال «انه ادى وظيفته بكفاءة». ورد عليه مكليلان قائلا: «لقد منحتها كل ما لدي سيادة الرئيس». ومن المقرر ان يستمر مكليلان في وظيفته لمدة اسبوعين او ثلاثة.

واشار عدد من كبار المسؤولين في الادارة، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، الى طرح اسم شخصين مرتبطين بشبكة اخبار «فوكس نيوز» لشغل المنصب، الاول هو مقدم البرامج الاذاعية في شبكة راديو فوكس توني سنو، وهو كاتب خطب سابق للرئيس بوش الاب ويقدم برنامج «فوكس نيوز صانداي». وذكر سنو الذي شفي من سرطان القولون الذي اصيب به العام الماضي «ان طرح اسمي لهذا المنصب شرف». الا ان أي شخص في منصبه يجب يضع في الاعتبار قضايا الاسرة والتمويل والصحة الشخصية. كما طرح ايضا اسم دان سنور الذي يعمل في شبكة «فوكس نيوز» والمتحدث السابق باسم السلطة المدنية الاميركية في العراق. وكان سنور قد تزوج مراسلة شبكة تلفزيون «ان بي سي» كامبل براون مطلع الشهر الحالي.

ورغم التكهنات التي نشرت، قالت كلارك انها لم تتلق اتصالا من أحد بشأن الوظيفة. واستخدم بعض المتحدثين السابقين باسم البيت، ضمنهم جودي باول ومارتن فيتزووتر ومايك ماكوري، خفة الظل والتسريب في بعض الأحيان لمساعدة الصحافيين دون ان يكون ذلك على حساب تعزيز وأجندة الرئيس. إلا ان مكليلان لم يكن يغمز او يومئ وإنما ظل متمسكا بصورة صارمة بمحتوى التصريحات والبيانات الرسمية. ويقول ديفيد غريغوري، كبير مراسلي شبكة «ان بي سي» من البيت الابيض ان الرئيس بوش كان يرغب في إضعاف دور السكرتير الصحافي، وأضاف معلقا ان الإحباط المشترك تجاهه وآري فلايشر كان حول عدم امكانية تلقي إجابة من هذه المجموعة. ويقول غريغوري ان سكوت كان محل ثقة الرئاسة، لكنه كان حذرا وحريصا، شأنه شأن الآخرين، على عدم الذهاب الى ابعد مما يرغب فيه الرئيس، مما تسبب في الحد من قدرة البيت الابيض على توجيه بعض الأحداث في وجهة محددة. إلا ان نيكول ووليس، مديرة الاتصالات بالبيت الأبيض، ثمنت أداء مكليلان وقالت ان معيار الأداء الناجح يكمن في مقدرة الشخص على السيطرة على نفسه والبرود والتعامل بهدوء، وأضافت ان العمل لمدة سبع سنوات مع بوش، بما في ذلك العمل في حملتين انتخابيتين، لا بد ان تؤدي الى الارهاق وتجعل الشخص يشعر بحاجة للراحة. دائما ما تتم الاستعانة بفريق اتصالات جديد في الاوقات التي تشهد صعوبات سياسية. فقد استقال لاري سبيكس كمتحدث باسم الرئيس السابق رونالد ريغان بعد وقت قصير من كشف النقاب عن فضحية «ايران كونترا»، كما ان الرئيس السابق بيل كلينتون استبدل دي دي ميير بجورج ستيفانولولوس عقب البداية المتعثرة لميير خلال الفترة الاولى، وفي وقت لاحق اعفي ميير ليحل محله مايك ماكوري بعد ان فقد الديمقراطيون السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ. ظلت صالة المؤتمرات الصحافية بالبيت الابيض على مدى فترة طويلة ساحة لمعارك ساخنة واصبحت اكثر سخونة بعد القرار بتلفزة المؤتمرات الصحافية. ويقول خبراء الاستراتيجية في الحزب الجمهوري ان ازدياد وسائل الإعلام كما ونوعا، فضلا عن المناخ السياسي الحزبي السائد، جعلا المتحدث باسم البيت الابيض في حالة حصار مستمرة. ويقول فلايشر ان الصحافة اوجدت مناخا اصبح من الصعب معه استمرار المتحدث الرسمي بالبيت الابيض في العمل لفترة طويلة. اما جو لوكهارت، الذي عمل سكرتيرا صحافيا خلال فترة توجيه الاتهام الرسمي للرئيس السابق كلينتون بشأن فضيحة مونيكا لوينسكي، فيعتقد ان ادارة الرئيس بوش تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية اللهجة العدائية. وأضاف قائلا ان المراسلين يمكن ان يكونوا على علاقة ودية او عدائية اعتمادا على تعامل الرئيس مع المواقف والأحداث. وأضاف لوكهارت قائلا ان وجهة النظر السائدة في البيت الابيض تتلخص في ان التعاون مع الصحافة ليس في مصلحة البيت الابيض في شيء وان ذلك كان سببا في جعل مهمة سكوت مكليلان وآري فلايشر اكثر صعوبة. ومع تراجع شعبية سياسات بوش خلال الشهور الاخيرة بات من الملاحظ ان سكوت مكليلان بدأ يتخذ مواقف تتسم بالمواجهة. فخلال مؤتمر صحافي غير مصور حول حادثة الصيد، التي كان نائب الرئيس ديك تشيني طرفا فيها، تعرض غريغوري، مراسل «ان بي سي»، لتوبيخ من مكليلان بسبب ما اعتبره لهجة غير مقبولة من غريغوري، وقال مكليلان في معرض حديثه الموجه الى غريغوري ان القاعة ليست بها كاميرا. وفي مؤتمر صحافي آخر قال مكليلان موجها حديثه للصحافية هيلين توماس: «انا متأكد من انك معارضة للحرب على الارهاب». وربما كان الحدث الاكثر صعوبة بالنسبة لمكليلان هو إدانة لويس ليبي، المسؤول السابق في البيت الابيض، في التحقيق بشأن تسريب هوية عملية استخباراتية. إذ ان مكليلان قال خلال مؤتمر صحافي عام 2003 ان كارل روف ولويس ليبي اكدا له انهما ليسا متورطين في قضية تسريب اسم عميلة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) وان الاتهامات التي وردت في هذه القضية بشأنهما لا اساس لها من الصحة. واصر مكليلان مرارا على انه لا يستطيع التعليق على «قضية لا يزال التحقيق بشأنها مستمرا» على الرغم من سيل الاسئلة وإصرار غريغوري على ان «مصداقية مكليلان ستخضع للمحاكمة من قبل الرأي العام الاميركي». وفي لقاء اجرى معه العام الماضي قال مكليلان ان وسائل الإعلام «تحاول حشر انفها في كل شيء»، مؤكدا ان مهمته هي «المساعدة على دفع اجندة الرئيس».

(* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»)