فرنسا: مشروع قانون أمام البرلمان لتشديد شروط الهجرة والإقامة

TT

تبدأ الجمعية الوطنية الفرنسية اليوم النظر في مشروع قانون اعده وزير الداخلية نيكولا سركوزي بهدف تشديد ظروف الهجرة الى فرنسا، فيما الطبقة السياسية الفرنسية مشغولة بتتمات ما يسمى بـ«فضيحة كليرستريم» ومصير الحكومة ورئيسها دومينيك دو فيلبان. وتريد الحكومة الإسراع في مناقشة المشروع الجديد وإقراره، بحيث ينتظر التصويت عليه اليوم، كي يبدأ مجلس الشيوخ النظر فيه مع مطلع الشهر المقبل. وهدف الحكومة إقراره نهائيا قبل انتهاء الدورة العادية للبرلمان في نهاية يونيو (حزيران) كي تصدر المراسيم التطبيقية ويبدأ العمل به بعد الصيف. ويفسر اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئيسية الرئاسية والتشريعية في ربيع العام المقبل استعجال حكومة دو فيلبان ووزير داخليته نيكولا سركوزي في استصدار قانون هو الثاني من نوعه في أقل من ثلاث سنوات. ومن المنتظر أن يكون موضوع الهجرة وكيفية التحكم بها أحد أهم الملفات التي سيثار الجدل الانتخابي حولها. ويسعى اليمين الى إظهار تشدده واهتمامه بالموضوع رغية منه في سحبه من اليمين المتطرف الذي جعل من المهاجرين والخطر المزعوم الذي يشكلونه على فرنسا وعلى الهوية الفرنسية أساس دعايتهم الانتخابية والسياسية.

غير أن مشروع القانون يثير معارضة الكنائس المسيحية الفرنسية والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والنقابات وأحزاب اليسار على اختلاف أطيافها ناهيك عن 500 جمعية عاملة في الحقل الاجتماعي والإنساني لا بل حتى من بعض النواب اليمينيين.

ويتهم اليسار سركوزي بالتأسيس لسياسة «سرقة الأدمغة» من العالم الثالث وإغلاق أبواب فرنسا أمام المهاجرين العاديين الباحثين عن فرص للعمل خارج حدود بلادهم، إلا أن مشروع سركوزي الذي يحوز على دعم حوالي نصف الفرنسيين لن يلاقي صعوبات كبرى بالنظر الى الأكثرية الساحقة التي تتمتع بها الحكومة في البرلمان.

ينطلق المشروع الجديد من رغبة في قلب صفحة «الهجرة المفروضة» والانتقال الى «الهجرة المختارة» أي التي تتلاءم مع احتياجات الاقتصاد الفرنسي، وجاء في مقدم المشروع أنه يتعين على فرنسا أن «تكون قادرة على اختيار المهاجرين اليها وفق حاجاتها وامكاناتها». ويريد سركوزي أن «يضع أسس سياسة متجددة وطموحة» لمسألة الهجرة، غير أن منتقديه يشككون بأهدافه ونياته ويتهمونه بالجري وراء أفكار وأصوات اليمين المتطرف.

ويؤسس المشروع الجديد لما يسمى «سياسة الحصص» أي الكوتا التي يفترض أن تقرر سنويا وفقا لحاجات البلاد، كما أنه توجد تأشيرة إقامة وعمل على الأراضي الفرنسية تسمى «تأشيرة المواهب والكفاءات» التي تعطى لـ«القادرين على المساهمة في تنمية فرنسا ومد إشعاعها» أي لذوي المؤهلات العلمية والتكنولوجية العليا والتي تفتفر اليها فرنسا في اختصاصات العلمية والتكنولوجية المتقدمة.

ويضع المشروع حدا نهائيا لإمكان تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الى فرنسا الذين درجت الحكومات على منحهم إجازات اقامة بعد إقامتهم عشر سنوات على الأراضي الفرنسية بشكل مخالف للقانون، الأمر الذي يعد تشجيعا لهؤلاء للمجيء الى فرنسا والاستقرار فيها بانتظار أن تسوى أوضاعهم. من جهة أخرى، يشدد القانون الجديد شروط «التجميع العائلي» للمهاجرين الراغبين في استقدام عائلاتهم فيرفع سقف الموارد المالية الضرورية وشروط السكن والفترة الزمنية الضرورية لإتمام التجميع العائلي كما يزيد من التشدد في مكافحة الزواج الشكلي المختلط سبيلا للحصول على بطاقة اقامة أو على الجنسية الفرنسية. ووفق بنود المشروع الجديد، يتعين على الأجنبي المتزوج مثلا من فرنسية أو العكس، انتظار مرور أربع سنوات (بدل سنتين حاليا) قبل أن يحق له التقدم للحصول على بطاقة إقامة من عشر سنوات أو لطلب الجنسية الفرنسية التي لم تعد تمنح بشكل شبه آلي. ويتيح مشروع القانون للطلاب المتفوقين العمل في فرنسا لمدة عام قابلة للتجديد شرط الإلتزام بالعودة الى بلادهم لاحقا فيما يفرض على الوافدين الجدد التوقيع على «عقد استقبال واندماج» الذي يربط منح بطاقة الإقامة من عشر سنوات بثلاثة شروط هي: تقبل مبادئ الجمهورية الفرنسية ثم احترامها والتمكن من اللغة الفرنسية بشكل كاف. ويتعين على الحكومة أن تقدم للبرلمان سنويا تقريرا حول الحاجة الى مهاجرين جدد وكيفية توزعهم على المهن المختلفة بالتنسيق مع ارباب العمل، غير أن فعالية القانون المنتظر موضع تشكيك من جهات عدة. والاعتراض الأول أنه يؤسس لممارسات تميزية للتعامل مع المهاجرين تستند الى غطاء شرعي قانوني. ويضرب المشروع عرض الحائط بالعلاقات التي كانت تربط فرنسا بمستعمراتها السابقة التي يتوافد منها العدد الأكبر من المهاجرين. وفي الوقت عينه، أبلغت فرنسا المفوضية الأوروبية أنها ستفتح الباب أمام العمال الوافدين الى سوق العمل فيها من بلدان أوروبا الشرقية المنضمة حديثا الى الاتحاد الأوروبي في 7 قطاعات اقتصادية تضم 61 مهنة مختلفة وذلك لمدة ثلاث سنوات.

بموازاة ذلك، سيكون الأسبوع الجاري حاسما بالنسبة الى مستقبل الحكومة الفرنسية ورئيسها الذي تزايدت الدعوات لاستقالته في الساعات الأخيرة ومن أجل تشكيل حكومة جديدة للمدة المتبقية من ولاية الرئيس جاك شيراك الثانية المنتهية في ربيع العام القادم. ويبدو أن مصير الحكومة مرهون بما سيفضي اليه التحقيق القضائي في فضيحة «كليرستريم» حيث يظن أن رئيس الحكومة لجأ الى استخدام الأجهزة الفرنسية السرية من اجل اغراض سياسية داخلية وتحديدا لإبعاد وزير الداخلية تحت حجة امتلاكه حسابا سريا في الشركة المالية كليرستريم المسجلة في لوكسمبورغ، إلا أن دو فيلبان نفى ذلك بشدة فيما يؤكد المقربون منه أن غرض الحملة ابعاد دو فيلبان نهائيا من السباق الرئاسي بعد الوهن السياسي الذي مني به بسبب عقد العمل الجديد.