جبل «الحلال» تحول من مكمن للفدائيين ضد الاحتلال إلى وكر للإرهابيين

TT

في ملف الإرهاب المفتوح على مصراعيه في مصر بسبب سلسلة العمليات الإرهابية التي تجرى منذ عامين في صحراء شبه جزيرة سيناء، دخلت منطقة جبل الحلال بوسط سيناء في بؤرة الأضواء تارة بفعل حملة المطاردات الأمنية الواسعة التي تشنها السلطات المصرية لتعقب بعض الجناة المتورطين في هذه العمليات وتارة أخرى باعتبار أن هذه المنطقة باتت منيعة إلى حد ما في مواجهة عملية الاقتحام غير المسبوقة. ويعد جبل الحلال تجسيدا فعليا لمقولة إن أهل مكة أدرى بشعابها، حيث استغل البعض تضاريسه ومعرفته بدروب الصحراء وأسرار الجبل لينأى بنفسه عن قبضة السلطات الأمنية المصرية التي حاولت العام الماضي اقتحام هذا الجبل من دون جدوى. وتقول مصادر أمنية مصرية إن هناك صعوبة في اقتحام جبل الحلال دفعة واحدة حيث أن الطريق إلى قمته يتسم بالوعورة الشديدة، إضافة إلى ضيق المدقات المؤدية إليه وتعدد الكهوف والمغارات داخله. وتضم منطقة الحسنة جبالاً وعرة أشهرها جبل الحلال الذي يبعد بمسافة 60 كيلومتراً جنوب مدينة العريش على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويبلغ ارتفاعه 1800 متر، حيث اعتاد الهاربون من بطش الأجهزة الأمنية اللجوء إليها مستغلين طبيعتها الجبلية والصخرية العنيدة التي تصعب من أية عملية اقتحام أو تسلل.

وتبلغ مساحة المنطقة إجمالا 60 كيلومترا طولا في 40 كيلومترا عرضا وتتسم بوعورة تضاريسها، علما بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي التي احتلت سيناء في الفترة من عام 1967 حتى عودة سيناء للسيادة المصرية كاملة في عام 1982، فشلت في إلقاء القبض على أبناء سيناء الذين كانوا يختبئون في هذه المنطقة ويستخدمونها كقاعدة لضرب الأهداف الإسرائيلية آنذاك.

وكما مثل الجبل صداعا للإسرائيليين فانه بات يمثل عقبة كبيرة في مقابل مخططات السلطات المصرية لمنع الإرهابيين من اتخاذه ملاذا أمنيا لهم.

ولا يعرف أحد سبب تسمية الجبل بهذا الاسم على الرغم من أنه كان لسنوات طويلة مأوى لقطاع الطرق ومهربي المخدرات والهاربين من العدالة، لكن بدو سيناء يقولون إن كلمة الحلال ليست تعبيرا دينيا بل تعني لديهم قطعان الماشية والإبل والماعز. ويمتلئ الجبل الذي يشكل امتدادا لكهوف ومدقات أخرى فوق قمم جبال الحسنة والقسيمة وصدر الحيطان والجفجافة والجدي بمغارات وكهوف وشقوق يصل عمقها أحيانا إلى 300 متر، كما لو كانت الطبيعة قد نحتتها على نحو مدهش بدقة شديدة لتمثل قلاعا أمنية محصنة ضد محاولات اقتحام الغرباء، كما أن المناطق الصحراوية المحيطة بهذا الجبل غير مأهولة. وشاركت قوة أمنية ضخمة بلغ عددها أربعة آلاف من القوات الخاصة المجهزة بتسليح متميز خلال العام الماضي في الحملة الواسعة التي سعت بها السلطات المصرية إلى إنهاء أسطورة هذا الجبل الذي يقول البعض إنه يشبه في منعته الجدل السياسي والمنى حوله جبال تورا بورا الشهيرة في أفغانستان.

لكن بعد أسابيع من هذه العملية غير المسبوقة اضطرت السلطات المصرية في شهر أغسطس ( آب) الماضي إلى وقف تقدمها لمطاردة الإرهابيين المتحصنين فوق قمة الجبل والكهوف والمغارات، عندما وجدت نفسها بشكل مفاجئ وسط مجموعة من الألغام على مشارف المنطقة والتي أودت بحياة عدد من الضباط والجنود في بداية هذه الحملة الأمنية من بينهم لواء الشرطة محمود عادل والمقدم عمرو عبد المنعم كما أصيب عشرون بينهم 11 ضابطا وجنديا وعدد من أدلاء البدو الذين تمت الاستعانة بهم للوصول إلى الجبل ومحاصرته.

ويقول محللون أمنيون إن مهمة اقتحام الجبل تبدو صعبة للغاية، أنها تحتاج إلى عملية عسكرية كبيرة لإنجازها لا تستطيع أن تقوم بها قوات الشرطة العادية، فضلا عن القيود السياسية التي تضعها اتفاقية كامب ديفيد المبرمة منذ عام 1979 بشأن الوجود العسكري المصري في مثل تلك المناطق المتقدمة في شبه جزيرة سيناء والقريبة من الحدود الإسرائيلية وقطاع غزة.

وبدا واضحا أن سكان الجبل وهم خليط من الإرهابيين والفارين من العدالة قد تحصنوا جيدا وزرعوا مجموعة هائلة من الألغام المضادة للأشخاص والعربات المدرعة على نحو يجعل من عملية اقتحام الجبل مخاطرة أمنية يستحيل القيام بها من دون تكبد خسائر بشرية ومادية.