العراقيون: السياسيون يحكموننا من كوكب آخر

قالوا إنهم لا يعرفونهم ولا يلتقون بهم والهوة بينهم كبيرة وما يجري «لعبة كراسي»

TT

ليس جديدا اذا قلنا ان بغداد تعيش بلا قوانين وبلا سيطرة للاجهزة الحكومية، وخالية من المؤسسات الحكومية مع اتساع الهوة بين الشعب وبين السياسيين المنشغلين بتشكيل الحكومة منذ اربعة اشهر.

فبالرغم من وجود المنطقة الخضراء التي يسميها صالح المطلك رئيس جبهة الحوار «المنطقة الجرداء» وسط بغداد في جانب الكرخ، لكن المسافة بين هذه المنطقة والعراقيين تبلغ آلاف الأميال من حيث المشاعر وكأنها تقع في كوكب آخر. لهذا نأى بعض القادة السياسيين بأنفسهم عن الاقامة في هذه المنطقة لمنح المواطن شعورا بأنهم اقرب اليهم من غيرهم.

السياسيون غارقون في مشاغلهم لتشكيل الحكومة، والعراقيون غارقون حتى رؤوسهم في مآسيهم متشائمين أكثر مما هم متفائلون بالأوضاع الحالية والقادمة، ويرون ان لا شيء سوف يتغير ما دامت الوجوه التي ستحكمهم هي ذاتها التي قادت العراق الى الوضع المأساوي الحالي، وان كل ما يجرى هو لعبة كراسي، أي تغيير في المناصب، لكن الوجوه باقية هي..هي.

يقول كامل عبد الله (63 سنة) وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في شارع الكندي وسط منطقة الحارثية الراقية من جانب الكرخ من بغداد «عن أي قادة تتحدثون.. نحن لم نر وجه أحدهم إلا عبر شاشات التلفزيون، هؤلاء جاءوا ليحكموننا ويقودون العراق عبر الريموت كونترول، فما الفرق مثلا بين ابراهيم الجعفري وبين نوري المالكي؟ وهل هم حقا موجودون على ارض عراقية ام انهم يحكمون من خارج العراق؟ لم نر اي وزير او حتى وكيل وزير او مدير عام في سوق او في مناسبة معينة. لم يلتقوا بالمواطنين بعد تفجير او لحل مشكلة، باستثناء الدكتور اياد علاوي الذي كان يظهر في الشوارع عندما كان رئيسا للحكومة بعد كل انفجار، كما كان قد زار الفلوجة ومدينة الصدر خلال أزمتي هاتين المدينتين». يضيف صاحب المحل هذا قائلا «كان هناك وزراء في النظام السابق يتوقفون ليتسوقوا مني او لشراء بعض الحاجيات، كنا نراهم في مطعم او مقهى، انا لا اتحدث عن أمور سياسية، لكنني اتساءل أين هم من يحكموننا».

وقال مهدي الحافظ وزير التخطيط في حكومة اياد علاوي لـ«الشرق الأوسط» انه «حتى تكون وزيرا في الحكومة اليوم عليك ان تكون شيعيا او سنيا متطرفا، او ان تنضم تحت جناح هذا الحزب الطائفي او ذاك». وأضاف «كثير من الأسماء المرشحة للوزارة الجديدة اشخاص لا يتمتعون بأية كفاءات علمية مع الاختصاصات التي رشحوا لها.. وكأن العراق قد أفرغ من طاقاته العلمية». ومضى قائلا «القادة السياسيون يمرون في شوارع بغداد بواسطة اسطول من السيارات المدرعة المعتمة الزجاج تسبقهم سيارات شرطة تطلق صافرات الانذار ويرمي افرادها الرصاص في الفضاء لإخلاء الطرق المزدحمة من السيارات، وهناك سياسيون لا يتحركون سوى ضمن مساحة معينة محصورة بين منازلهم في المنطقة الخضراء ومكاتبهم الواقعة في ذات المنطقة».

وعلق علي عيسى (خريج فيزياء) وهو سائق سيارة أجرة (تاكسي) بعد ان مر اسطول من سيارات احد المسؤولين بالقرب منا قائلا «اذا كانوا يخافون الاغتيالات ويحصنون انفسهم بهذه الطريقة، فماذا يفعلون هنا! ليرحلوا عن العراق ويتركوا العراق لمن يستطيع ان يحكمه بلا خوف. هم من جلب إلينا من خلال سياساتهم الارهاب والقتل والجريمة عندما أضاعوا مع الاميركان الدولة ومؤسساتها وصار علينا ان نحصد نحن القتل والمآسي وهم يحصدون ملايين الدولارات».

وأضاف هذا السائق الذي يحمل شهادة بكالوريوس في علوم الفيزياء من جامعة بغداد قائلا «لقد طرقت كل الابواب بحثا عن فرصة عمل كمدرس او اي وظيفة، لكنني كنت أجابه بسؤال عن الحزب الذي أنتمي اليه وضرورة تقديم تزكية من هذا الحزب أو ذاك.. الطفيليون في بعض الأحزاب الرئيسية يطلبون راتبا لشهرين مقدما مقابل تزويدي ببطاقة تزكية ليتم تعييني، وعندما لم استطع صرت اقود سيارة عائلتي كسيارة أجرة لأوفر مصروفي اليومي».

هذا السائق بدرجة بكالوريوس فيزياء عمره 26 سنة وغير متزوج، رفض الافصاح عن اسمه الحقيقي وقال «عندما يصعد معي شخص أعرف انه شيعي فاسمي حسين وعندما يكون سنيا فأنا عمر»، يضحك ساخرا ويواصل حديثه قائلا «فعلا ان شر البلية ما يضحك، فنحن لم نكن نعرف من هو الشيعي والسني والمسيحي والصابئي في مجتمعنا، لكن اليوم صارت الطائفية هي الهوية الشخصية للمواطن العراقي، وهذا ما جلبه لنا السياسيون الجدد، الله يسامحهم».