دو فيلبان يرفض الاستقالة رغم تزايد الضغوط بسبب فضيحة «كليرستريم»

لمح أمام الجمعية الوطنية إلى تخفيف مشروع قانون يهدف إلى تشديد شروط الهجرة والإقامة

TT

لمح رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان أمس الى أن حكومته المحافظة قد تخفف من شدة مشروع قانون للهجرة بعد تعرضه لانتقادات من الكنائس في فرنسا. ونفى عزمه على التخلي عن منصبه والرضوخ للضغوط التي يتعرض لها من اليسار والوسط وحتى من بعض نواب اليمين بسبب ما ينسب اليه من دور في «فضيحة» التلاعب بلوائح صادرة عن الشركة المالية «كليرستريم» المسجلة في لوكسمبورغ تتضمن أسماء كبار موظفين فرنسيين وضباط مخابرات وسياسيين متهمين بقبض رشاو عن صفقات سلاح مع تايوان وصفقات طائرات إيرباص مع الهند. وأعلن رئيس الحكومة أنه ما زال يحظى بكامل ثقة رئيس الجمهورية جاك شيراك وأنه يضع نفسه بتصرف القضاء لجلاء كامل الحقيقة. وفي الوقت عينه، هب الجنرال المتقاعد فيليب روندو، وهو أحد أبرز وجوه المخابرات الفرنسية الخارجية والمستشار السابق لوزيرة الدفاع، لمد يد العون لدو فيلبان فأعلن أنه لم يتلق قط أوامر من رئيس الحكومة الحالي وزير الخارجية السابق بالتحقيق في صحة الاتهامات الموجهة لنيكولا سركوزي، وزير الداخلية الحالي، والمنافس السياسي لدو فيلبان، بحيازته حسابا سريا في الشركة المالية المذكورة حولت إليه العمولات التي حصل عليها مناقضا بذلك ما كشفته صحيفة «لو موند» الأسبوع الماضي.

وجاءت تصريحات دو فيلبان الى إذاعة «أوروبا رقم واحد» صباح أمس، وتصريحات روندو الى صحيفة «لو فيغارو» في اليوم ذاته، لتبين خط الدفاع الذي قرر رئيس الحكومة الالتزام به في محاولة منه لوقف تداعيات هذه القضية التي أضعفت هيبته وكشفت عمق الأزمة التي تضرب الحكومة الفرنسية واليمين الحاكم بفعل التنافس بينه وبين سركوزي على الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وخلافة الرئيس شيراك. وكانت الحملة اشتدت على دو فيلبان بعدما أوردت صحيفة «لو موند» مقتطفات من أقوال الجنرال روندو لأحد قضاة التحقيق حول اجتماع استدعي اليه في وزارة الخارجية بداية عام 2004 حينما كان دو فيلبان وزيرا للخارجية وطلب منه التحقق من صحة المعلومات الواردة على لائحة كليرستريم وتحديدا ما خص منها سركوزي. كذلك كشفت الصحيفة وجود ملاحظات مكتوبة للجنرال روندو دون عليها خلاصة الاجتماع، مشيرا الى سركوزي. لذا فإن نفي روندو صحة هذه الأخبار على الصفحة الأولى من جريدة «لو فيغارو» أمس كان بمثابة بالون الأوكسيجين الذي جاء لإتقاذ دو فيلبان من الورطة التي وقع فيها وكادت تهدد، وربما ما زالت، استمراره على رأس الحكومة.

انطلاقا من ذلك، استقام خط الدفاع الذي التزمه دو فيلبان مجددا. وسبق له أن التقى سركوزي أول من أمس. كما التقى نواب الأكثرية اليمينية أمس في مجلس النواب قبل أن يواجه الجمعية الوطنية في جلسة اسئلة وأجوبة. وللتدليل على قوة حجته، أعرب عن استعداده لمساعدة القضاء لجهة كشف الجهة التي سعت الى تضليل العدالة و توجيه اتهامات كاذبة لعدد من الشخصيات الصناعية والعسكرية والسياسية وعن وضع نفسه في تصرفه لجلاء الحقيقة والمسؤوليات.

غير أن النقطة الأهم التي عاد اليها دو فيلبان تأكيده أنه ليس ثمة ما يبرر أو يدفع الى استقالته، خصوصا أن علاقته بالرئيس شيراك «تتميز بالثقة الكاملة» و«لم تتغير البتة». ونفى أن يكون الرئيس الفرنسي على علاقة بهذا الملف لكنه بالمقابل أكد أنه كان يعمل بتوجيهات الرئيس عندما كان وزيرا للخارجية. وأهمية هذه العبارة تعود الى أن روندو قال لقاضي التحقيق في جلسة الاستماع اليه إنه «أُفهم» أن طلب التحقيق من تورط سركوزي جاء بطلب من شيراك. وفسر دو فيلبان استدعاء الجنرال روندو الخبير في شؤون الإرهاب الى اجتماع في مكتبه بوزارة الخارجية، بالحاجة الى غربلة معلومات وصلت اليه كوزير للخارجية عن تهديدات ارهابية وعمليات تبييض أموال واسعة، مؤكدا أنه لم يطلب في أي وقت من الأوقات إجراء تحقيق يتناول سركوزي شخصيا. وينسب للأخير قوله عقب عودته الى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) من العام الماضي أنه «يريد حماية نفسه» من المؤامرات التي تحاك ضده. من جهة أخرى، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» إشارة دو فيلبان أمس الى أن حكومته المحافظة قد تخفف من شدة مشروع قانون للهجرة بعد تعرضه لانتقادات من الكنائس في فرنسا. وأوردت انه دافع عن مشروع القانون أمام الجمعية الوطنية امس ووصفه بأنه وسيلة لسد ثغرات أدت الى حدوث تجاوزات حين كان المهاجرون يحضرون أقاربهم الى فرنسا أو يرتبطون بزيجات زائفة للحصول على التأشيرات.

كما أبدى تأييده الكامل لمنافسه الرئيسي في انتخابات الرئاسة سركوزي راعي مشروع القانون الذي يرى انه سيساعد فرنسا أيضا على اختيار مهاجرين أكثر مهارة بدلا من قبول أي وافدين جدد يصلون الى البلاد.

وصرح دو فيلبان بأنه طمأن الكاردينال جان بيير ريكار رئيس الكنيسة الكاثوليكية، وجان ارنول كليرمون رئيس الكنيسة البروتستانتية في فرنسا عندما التقى بهما السبت وأبديا مخاوفهما من مشروع القانون.