الكشف عن الكذب.. بتعبيرات يصعب إخفاؤها

بحث أميركي لفهم حركات عضلات الوجه وعواطف الإنسان الغامضة لرصد الغش والخداع

TT

يبدو أن شرلوك هولمز ليس وحده الذي استطاع التعرف على المجرمين، بل أن ثمة من يضع أسسا علمية للاستفادة من تقنيات الكومبيوتر الحديثة في ذلك، ولذا فإن محاولة البعض الإفلات من كشف مواقف الخداع والكذب لن تجدي، خصوصا عندما يحاول المجرم أن يسيطر ويكبح حركات العضلة الوجنية الموجودة تحت العين، وليّ جانبي الأنف حتى الأذنين، والعضلة المستديرة الجفنية حول العين، وفقا لما يقوله بروفسور النفسية مارك فرانك الذي يتخصص منذ مدة في أبحاث تعبيرات الوجه لدى الإنسان في مواقف عالية من ممارسة الخداع ومحاولات الإفلات منه، والذي تنظر إلى أبحاثه العديدة من الجهات بالتقدير وتحاول الاستفادة منها. وباستخدامه تقنيات الكومبيوتر العالية في متابعة طبيعة وسائل التخاطب غير الكلامية والمتأثرة بالعواطف والمشاعر لدى الإنسان، فإن البروفسور فرانك أستاذ التواصل في كلية علم المعلومات بجامعة بافلو بولاية نيويورك، قد تمكن من التوصل إلى التعرف على طريقة تُمكن من ملاحظة وقراءة التصرفات الشعورية وغير الشعورية الدالة على الغش أو الخداع.

وكان البروفسور فرانك قد سبق له العمل في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسسكو مع بول إيكمان أحد أشهر الخبراء في قراءة تعبيرات الوجه، وممن أجروا العديد من الدراسات حول اختلافها بين أفراد الثقافات والأعراق المختلفة، وتبين له بجملتها أن حركات الوجه من تقلصات لا إرادية في بعض العضلات وتجعدات الجلد معها والابتسامات المُتكلفة وحتى الابتسامات العادية هي نوافذ يمكن من خلالها فهم أنواع المشاعر والعواطف داخل الإنسان. وقال إن تعبيرات الوجه من النوع سريع الزوال يتم التعبير بها بحركات دقيقة وخارجة عن السيطرة لعضلات الوجه، وهي ما ترتفع وتيرة وقوة ظهورها تحت تأثير العواطف بطريقة من المستحيل السيطرة عليها. وخلص إلى نظام في ترتيب أنواع الحركات، فعلى سبيل المثال فان رفع الحاجبين له رقم واحد، وخفضهما رقم اثنان، وتقطيبهما رقم ثلاثة، ورفع الجفن الأعلى رقم أربعة وهكذا، وذلك لتصنيف مختلف التعبيرات للوجه في مناطق مختلفة من العالم.

وبناء على الأبحاث المتقدمة فإن البروفسور فرانك تعرف على أنواع معينة من الحركات التي ربما تظهر لا إرادياً أحياناً لدى مجموعة من الناس في أحوال مختلفة من أنواع العواطف المسيطرة كالخوف وقلة الثقة بالمحيطين والانزعاج وحتى الغش أو الخداع.

وضمن مشروع للمؤسسة القومية للعلوم، قام بتطوير نظام برنامج كومبيوتر وفق تقسيم أرقام إيكمان المُتقدم في إجراء تحليل سريع للتعرف على كل نوع من تعبيرات الوجه وخاصة منها ما هو خداع وغش عند التعامل مع المجرمين أو المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم، لكنه استدرك قائلاً إنه يود التذكير أن كل واحدة من التعبيرات الدقيقة لا تعني إثبات أي شيء، بل هي تعني جزءاً في التقييم من جملة التصرفات.

والحقيقة أنه منذ أن أصدر تشارلز دارون، صاحب النظرية الشهيرة حول تطور الجنس البشري، كتابه الشهير أيضاً «تعبيرات العواطف لدى الإنسان والحيوان» والذي قال فيه إن الإنسان الصغير والكبير من أعراق مختلفة، والإنسان والحيوان على السواء، كلهم يعبرون عما يجول في دماغهم بنفس الحركات، وعلم فهم تعبيرات حركات أجزاء الجسم في تطور مستمر. ومنذ منتصف القرن الماضي لاحظ الباحثون في علم الشعوب أن هناك من التعبيرات ما هو مُكتسب ولذا قد يختلف الناس من أعراق وثقافات مختلفة فيها، لكن كثيراً من الباحثين يتفق على أن ثمة تعبيرات للوجه كالتي عند الغضب والحزن والخوف والدهشة والشعور بالقرف أو السعادة، يتشابه البشر فيها بغض النظر عن الثقافة أو العرق. ويُنظر إلى تعبيرات الوجه كنوع من التواصل بالمخاطبة من دون استخدام الكلمات، ومنها ما هو إرادي ولا إرادي. وتشير بعض الدراسات إلى أن القدرة على النجاح في فهم تعبيرات وجه الغير بدقة لمعرفة ما في عقله من عواطف أو مشاعر قد لا تتجاوز 50%. لأن الأهم هو ملاحظة أمرين، الأول هو ما يُسمى التعبيرات الدقيقة والسريعة الزوال على الوجه، والتي هي في الواقع تصدر عن الإنسان بطريقة لا إرادية من منطقة اللاوعي، وهي ما لا يستطيع الكثيرون فهمها أو متابعة حصولها. والثاني هو ما كانت قد طرحته دراسة حول كشف غموض تعبيرات الوجه للباحثين من جامعة بيتسبيرغ بالولايات المتحدة وجامعة بريتش كولومبيا في كندا نُشرت في عدد مايو من العام الماضي في مجلة العلوم النفسية الصادرة عن المجمع الأميركي للنفسية قد ذكرت أهمية متابعة ديناميكية الحركات لعضلات الوجه في فك رموز تعبيراته خاصة ما حول العين والفم، وأن فهم كثير من الغموض يزول بالمتابعة الدقيقة لتعبيرات الوجه المتحركة من ظهور بعضها ومدى سرعة زوالها أو بقائها مهما حاول الإنسان إخفاء المشاعر والعواطف.