تقرير: أميركا فشلت في العراق لأنها حلت الجيش وسلمت البلد لمقاولين

أخذ على واشنطن اعتمادها على معارضة «بلا مصداقية» وعدم تفهم الخريطة الطائفية

TT

يعزو البعض الفشل الأميركي في العراق لمنطق يقول إنه «من غير الطبيعي أن تكون طبيعياً في مكان ليس طبيعياً»، انطلاقا من فكرة مؤداها أن أميركا دولة ديمقراطية جاءت تحمل مبادئها لشعب عانى سنوات طويلة من الدكتاتورية والبطش، وهو المنطق الذي يستخدمه الغرب بشكل عام لتبرير معظم مشكلاتهم مع الشرق الأوسط، لكن تقريرا صدر في واشطن، من أحد مراكز الابحاث (ثينك تانك)، اعتمد على حوار دار بين وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، كشف النقاب عن الاخطاء الأميركية في العراق.

وعلى الرغم من أن أوقات الحرب لا تكون مناسبة «للنقد الذاتي»، فإن التقرير الذي صدر بعنوان «الاستراتيجة الأميركية والتكتيكات في العراق.. مجموعة من الاخطاء»، أبرز بموضوعية الزلات التي ترافقت مع الحرب الأميركية على العراق، قبل وبعد إسقاط النظام السابق. يبدأ التقرير بالاشارة الى أن «أول أخطاء اميركا، الادعاء بأن الحرب تسير وسارت، وفقا لخطة مرسومة، وأنها ستكون حرباً سريعة وقليلة التكاليف، نظراً لأن المنطقة اصبحت مألوفة للاميركيين، بسبب حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت). توقع المسؤولون في وزارة الدفاع وبعض المحللين السياسيين، أنه بغض النظر عن إسقاط الدكتاتور (صدام حسين) سيُبقي العراق على معظم أجزاء الادارة الفعلية للبلاد. وتوقعوا ايضا أن ثراء العراق سيساعده على بناء نفسه ويحقق سلاماً داخلياً ويتخطى الصراعات العرقية والطائفية. وأفاد التقرير بأن ثقة الحكومة الأميركية بالمعارضة العراقية الموجودة في الخارج، التي بالغت بتصوير دعم الشعب العراقي لـ«غزو تحريري»، كانت سببا في قصور لفهم الواقع العراقي. واعتمدت الحكومة الأميركية على المعارضة العراقية، التي لم تحظ بأية مصداقية في الداخل لفهم الوضع في العراق. ومن الجدير بالذكر أن معظم الجماعات المعارضة، هم من الشيعة المقربين لإيران، لذلك أبعدهم العراقيون عن البنية السياسية، كما سبب هذا في تفجير حساسية طائفية. بالاضافة إلى أن صناع القرار الاميركيين تجاهلوا تحذيرات المتخصصين في المنطقة، وتجاهلوا الارشادات العسكرية التي قدمتها القيادة الوسطى الأميركية. وأشار التقرير إلى أن مكتب وزير الدفاع الأميركي ضغط على الجيش لوضع خطة تستلزم نشر أقل قدر ممكن من القوات في العراق. كما أعتقدت وزارة الدفاع الأميركية أن تركيا ستسمح للجيش الأميركي بدخول شمال العراق عبر حدودها، لكن رفض تركيا، الذي جاء كي يثبت للأمم المتحدة أن تركيا بعيدة عن أي تصرف متهور، كان سببا في تأخير نشر القوات الأميركية، وبالتالي تعطيل العملية العسكرية. وأضاف التقرير الذي نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية العالمية»، في منتصف الشهر الماضي، أن الدبلوماسيين افترضوا أنهم سيحصلون على تأييد في الأمم المتحدة من حلفاء مثل فرنسا وألمانيا، مستخدمين قضية الحرب على الإرهاب ووجود أسلحة الدمار الشامل كمفتاح أساسي لكنهم فشلوا. وقال التقرير، إن عجزا اجماليا في فهم الوضع السياسي والاقتصادي العراقي، كان سبباً لفشل الكثير من الخطط العسكرية. ومن المشاكل المهمة أيضا هو عدم استيعاب التركيبة الحقيقية للمجتمع العراقي وتعدد الثقافات الموجودة فيه، وسيطرة النظام القبلي، فقد فشلت الاستراتيجية الأميركية في فهم الخلافات الطائفية في المنطقة. ومن ناحية اخرى، كانت الحسابات الأميركية مبنية على مفاهيم خاطئة بالنسبة للبنية التحتية والتعدد العرقي والوضع الاقتصادي للفرد والثراء النفطي. كما كان هناك تفاؤل شديد من ناحية الأميركيين، فقد ظنوا أن الجيش العراقي سيساهم في العملية العسكرية، وأن قائدا عسكريا واحداً على الأقل سيكون بمثابة قائد ثوري للشعب العراقي. وشدد التقرير، الذي حرره الباحث انطوني كوردسمان، على أن الولايات المتحدة لم تستفد من التجربة اللبنانية والصومالية والبلقانية، لمعرفة الصعوبات التي تواجه العراق لتتلاحم فئاته الدينية، ولتخمين انفجار صراعات غير متوقعة بين العرب والأكراد والاقليات الاخرى. كما لم يتوقع الأميركيون تدخل جماعات من خارج العراق وتحويل البلاد الى ساحة معركة بين المتعصبين والجيش الأميركي، وذلك لأنهم أهملوا التحذيرات التي قدمها لهم المتخصصون في المنطقة. أكد التقرير أن اهمال حراسة البنايات المهمة، مثل الوزارات والمتاحف، كان سببا في ردة فعلية عراقية غاضبة، في حين تصرف القادة الأميركيون على هذا النحو، لأنهم لم يتوقعوا بقاءهم في العراق لفترة طويلة. كما عجز الأميركيون عن منح العراقيين حماية للمناطق التي كان من المتوقع أن يلجأ اليها القادة السابقون، حيث شنوا عمليات عسكرية ضد الأميركيين والعراقيين. ومن الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة الأميركية، هي اعلان التخطيط لانسحاب الجيش الأميركي خلال ثلاثة أشهر بعد سقوط صدام حسين، أي قبل تبلور رؤية واضحة للمشاكل الموجودة في العراق، ولم يفكروا بتدريب الجيش العراقي ووضع خطة أمنية. ومن جهة ثانية، لم يفلح الأميركيون في اقناع العراق بأن دخولهم ليس بغرض الاستعمار، بل من أجل تحرير العراق من الدكتاتورية، وسبب هذا خسارة الدعم العراقي المعنوي والمادي. ومن أبرز الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في التجربة العراقية، حل الجيش العراقي وعدم تشكيل مجموعة بديلة. أما من الناحية الاقتصادية فقد كان التصور الأميركي مغايرا للواقع العراقي كلية، على الرغم من المعرفة السابقة لضعف الاقتصاد بسبب الحرب العراقية الايرانية، التي استنزفت الاقتصاد العراقي. فبدلا من وضع خطة فعالة لإنعاش الاقتصاد، اعتمد الأميركيون على فكرة أن العراق دولة نفطية يستطيع الوقوف بشكل سريع، لكنهم فوجئوا بحقيقة البنية التحتية العراقية وضعف الزراعة. كما أنهم استغربوا حين ادركوا أن معظم الصناعات العراقية كانت تصب في التصنيع العسكري. ومن ناحية ثانية لم يتوقع الأميركيون مشكلتين أساسيتين سيعانيهما الاقتصاد العراقي، أولهما حرق أنابيب النفط، والثانية هبوط في برنامج النفط مقابل الغذاء، مما ضغط على سلطة التحالف المؤقتة (سي بي أي) لتطلب 18 مليار دولار، بالإضافة لأموال النفط مقابل الغذاء ومساعدات دولية لمساعدة العراق من دون أن تضع خطة جذرية لحل المشكلة. وأشار التقرير إلى أن الجيش لم يهتم بلجنة «إعادة إعمار العراق»، كونهم افترضوا أنها لم تساعد في ايجاد حل يتوصل لاستقرار ولم تصل اللجنة إلى بغداد حتى 21 ابريل (نيسان) من عام 2003.

أول الاخطاء في هذه المرحلة كان عدم خلق إدارة مدنية، مما افقد الحكومة الأميركية مصداقيتها وجعلها تبدو غير قادرة على المساعدة. فبعد أن وافق الكونغرس والإدارة الأميركية على المساعدات، استعان الأميركيون مع متعاقدين (مقاولين) لادارة الوضع الاقتصادي في العراق، ومما زاد الطين بلة، أن المتعاقدين لم يكونوا خبراء في الوضع العراقي. كما كانت ردة الفعل على حل الجيش العراقي بطيئة جدا، حيث لم توفد واشنطن 4000 شرطي أميركي، الا بعد شهرين من سقوط النظام أي في مايو (آيار) عام 2003، واخذ وصولهم للعراق وقتا طويلا، كما لم يبدأ في تشكيل شرطة عراقية حتى يونيو (حزيران) من عام 2004. ومن الهفوات التي ارتكبها الأميركيون ترك الشعب العراقي مسلحاً مما سبب في بعض التصفيات التي شكلت في ما بعد سببا لإشعال الفتيل الطائفي والسياسي والقبلي. ومن المشاكل ايضا استبدال لجنة إعادة إعمار العراق بسلطة التحالف المؤقتة، التي حاولت أن تجمع أموالا لبناء العراق من دون خطة صحيحة. كما حاولت سلطة التحالف نشر المبادئ والايديولوجية الأميركية في العراق من دون اعطاء العراقيين الفترة الكافية لاستيعابها. والسماح لسلطة التحالف المؤقتة بتبني «ثورة» هدفها التغير المفاجئ للاقتصاد وللمجتمع العراقي.

الى ذلك حاول الرئيس الأميركي جورج بوش، حسب افتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز» أمس «تسجيل نقاط » بمعارضة ما يعتبره «تمويلا إضافيا مفرطا» قيمته 109 مليارات دولار أقره مجلس الشيوخ الأميركي لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان. وفي نفس الوقت يريد بوش إبقاء معظم التمويل المطلوب لحرب العراق خارج الميزانية العادية تحت بند الإنفاق الطارئ.