الرئيس الموريتاني: ما تبقى من الإسلاميين في السجن ذوو صلة بـ «القاعدة» والجماعة السلفية

العقيد أعل ولد محمد فال قال لـ«الشرق الأوسط»: لم أندم على انقلاب غير تقليدي لم ترق فيه قطرة دم

TT

قال الرئيس الموريتاني العقيد اعل ولد محمد فال إن قضاء بلاده سيحدد مصير الأصوليين المعتقلين، ودافع عن استثنائهم من العفو العام الذي اقره بعد وصوله إلى الحكم في الثالث من أغسطس (آب) الماضي، وكشف ولد محمد فال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في نواكشوط عن أن التحقيقات الأولية أكدت صلتهم بجماعات إرهابية من بينها تنظيم القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال. وتحدث ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الحاكم في موريتانيا، مطولا في مكتبه نواكشوط إلى «الشرق الأوسط» عن الوضع الداخلي ومستقبل الديمقراطية في بلاده وقدم حصيلة لما تم انجازه حتى الآن كما تحدث عن العلاقات مع المغرب والجزائر وعن الدور الذي يمكن أن تقوم به موريتانيا فيما يخص البحث عن حل لنزاع الصحراء وعن جهوده لإعادة الدفء إلى العلاقات مع العالم العربي، خاصة دول الخليج التي تضررت بسبب تأييد الرئيس السابق غزو العراق لدولة الكويت.

الرئيس الموريتاني رد أيضا على أسئلة أخرى حول مصير ولد الطايع اللاجئ في قطر وملفات الفساد، وقال انه وجد خزينة الدولة فارغة عندما جاء إلى السلطة، وحول ما اذا كان يشعر بالأسف لأنه اجبر على القيام بانقلاب، شدد العقيد فال الذي تعلم بمدارس عسكرية عريقة في فرنسا والمغرب، والذي ينظر إليه كأحد ابرز مثقفي الجيش الموريتاني، على أن ما قام به هو عملية إنقاذ لوطن مختطف، وقال بثقة انه قاد انقلابا غير تقليدي لم ترق فيه قطرة دم واحدة. وفيما يلي نص المقابلة.

* مضت الآن حوالي عشرة أشهر على توليكم مقاليد الأمور في موريتانيا ما الذي تحقق حتى الآن من البرنامج الإصلاحي الذي أعلنتم عنه؟

ـ مشروع المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية يهدف بالأساس إلى إرساء دعائم دولة قوية منظمة وقابلة للاستمرار، وعشرة أشهر فترة قصيرة للوصول إلى نتائج ملموسة لمشروع مستقبلي كهذا، ومع ذلك فالعمل في الورشات الثلاث التي أطلقناها في الثالث من أغسطس 2005 يسير بخطى حثيثة ويحقق نتائج طيبة. فعلى مستوى ورشة الإصلاح الديمقراطي أنشئت لجنة مستقلة للانتخابات وأجري إحصاء إداري ذو طابع انتخابي وحددت المواد الدستورية المراد تعديلها في الاستفتاء العام، كما حدد بالشهر واليوم موعد الاستفتاء والاستحقاقات البلدية والتشريعية والرئاسية واكتملت كل الاستعدادات المادية والفنية لكل هذه الاستحقاقات وأصبحت المسألة مسألة وقت لا غير، وعلى مستوى ورشة إصلاح العدالة صادقت الحكومة على مشروع قانون بهذا الخصوص وسيعرض هذا القانون قريبا على المجلس العسكري للنقاش والدراسة ثم المصادقة.

أما على مستوى ورشة الحكم الرشيد فقد تمت المصادقة على نتائج أعمال اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الملف واتخذت إجراءات صارمة بهدف شفافية تسيير المال العام وترشيد الإنفاق وتقريب الإدارة من المواطنين وتحسين أدائها، كما تم إنشاء مفتشية عامة للدولة تقوم الآن بعمل جليل وتحقق نتائج معتبرة وتم بالموازاة مع ذلك تفعيل هيئات الرقابة والتفتيش الموجودة أصلا. هذا بإيجاز بعض ما تحقق حتى الآن والعمل متواصل ولن تنتهي الفترة الانتقالية بحول الله حتى يكون أساس البنيان قد وضع ومعالم الطريق قد اتضحت، وليكمل من يمنحه الشعب الموريتاني ثقته المهمة.

* بخصوص الإصلاحات الدستورية هل يمكن أن نعرف ابرز التعديلات التي سيتم إدخالها على الدستور الذي سيعرض في استفتاء عام في يونيو (حزيران) المقبل؟

ـ يمكن تلخيص أهم التعديلات المقترحة على دستور العشرين من يوليو1991 فيما يلي:

تقليص مدة مأمورية الرئاسة لتصبح خمس سنوات وعدم السماح بتجديدها أكثر من مرة واحدة ومنع الجمع بين مهمة رئاسة الجمهورية وأية مهام أخرى، خصوصا الهيئات القيادية للأحزاب بما يحقق حياد الرئيس وكونه رئيسا لكل الموريتانيين. ووضع حد أقصى لسن المترشح لرئاسة الجمهورية بما يمكنه من أداء مهامه بصورة فعالة وفرض القسم على المصحف الشريف، بحيث يتعهد الرئيس المنتخب في هذا القسم بعدم المساس بالأحكام الدستورية المتعلقة بشروط ومدة تجديد مأمورية الرئيس ودمج هذه الأفكار ضمن أحكام المادة 99 التي لا يمكن تعديلها وذلك لتكريس مبدأ التداول على السلطة.

* هل أنت راض عن أداء الحكومة الانتقالية؟

ـ يمكن القول إجمالا إن أداء الحكومة يتناسب والأهداف المحددة لها وإن الانجازات على مستوى التوقعات. بالطبع لا يزال هناك هامش لتحسين وتفعيل عمل الأجهزة الحكومية لتكون في مستوى تحديات المرحلة وتطلعات الشعب.

* ما مدى تجاوب الشعب مع الثورة الإصلاحية التي تقودها؟

ـ أنا فخور بالشعب الموريتاني وبمستوى وعيه فقد تعاطى مع عملية الإصلاح بكل مسؤولية ووطنية وساير المرحلة الانتقالية بما يقتضيه الصالح العام ويمليه الواجب الوطني.

* الرئيس السابق معاوية ولد الطايع هل ستسمحون له بالعودة والتقدم كمرشح إلى انتخابات الرئاسة؟

ـ الرئيس السابق بإمكانه كما قلت في مناسبات سابقة أن يعود إلى وطنه متى شاء وأن يحصل على حقوقه وامتيازاته كما حددها القانون للرؤساء السابقين. لكننا لن نسمح له بالترشح للانتخابات في الفترة الانتقالية، والسبب بسيط وهو أننا نريد لهذه الانتخابات أن تكون شفافة ونزيهة وأن تضمن تكافؤ الفرص للمتسابقين عن طريق الحياد التام للإدارة وأجهزة الدولة، لذلك منعنا أنفسنا كسلطة قائمة من المشاركة فيها ولنفس السبب نمنعه كسلطة حديثة العهد لا تزال لها بالتأكيد أجهزة وإمكانات لا تتوفر للآخرين.

* موريتانيا تعيش منذ الانقلاب حالة فوران سياسي وإعلامي.. أحزاب وصحف كثيرة ظهرت بعد رحيل ولد الطايع ومع أن حراكا سياسيا وإعلاميا كهذا ينظر إليه عادة كتطور ايجابي يشكو البعض من فوضى منح التراخيص لإنشاء الأحزاب والصحف ما هو رأيكم؟

ـ حرية التنظيم السياسي وحرية النشر يكفلهما الدستور والحرية عندما تكون في إطار القانون يمنحها القانون ويضبطها القانون لا يمكن أن توضع لها حدود إلا تلك التي يضعها القانون نفسه. كما أنها لا يمكن أن توصف بالفوضى لأن القانون يضبطها والمقنن لا يكون فوضويا.. وأعتقد أن من يشكو منح التراخيص هو أسير عهد لا يطبق فيه القانون، عهد يسود فيه الاحتكار لكل شيء حتى الحرية وتدار فيه الأمور حسب المزاج الشخصي للحاكم أو المتنفذ وهذا العهد قد ولى إلى غير رجعة.

* هل ستساهم الدولة في تمويل الأحزاب والصحف خلال المرحلة الانتقالية؟

ـ نعم هناك مبالغ مخصصة لتمويل الأحزاب ودعم الصحف وبالنسبة للأحزاب فقد طلبنا منها أن تتفق على طريقة لتوزيع المبلغ المخصص بينها وإلا فإننا مضطرون لتأجيل التمويل حتى نهاية الانتخابات البلدية فنوزعه عندئذ حسب نسب الأصوات التي يحصل عليها كل حزب.

وبالنسبة للصحف فقد باشرنا دعمها عبر تحمل الدولة جزءا من تكاليف السحب لدى المطبعة الوطنية إضافة إلى إجراءات أخرى سيعلن عنها لا حقا.

* هل ستسمحون بإنشاء إذاعات وقنوات خاصة في إطار تحرير قطاع الإعلام؟

ـ اللجنة الاستشارية المكلفة بإصلاح الصحافة وقطاع السمعيات البصرية قدمت تقريرها أخيرا وهناك قانون قيد الدراسة والإعداد لتنظيم هذا القطاع وسيعرض على الحكومة في وقت لاحق للبت فيه.

* ما هو حجم الأموال التي تم نهبها خلال عهد الرئيس السابق؟

ـ عندما يكون الفساد مستشريا في نظام ما وعندما يفقد المال العام حرمته لدى المسيرين فليس هناك مقياس للخسائر لأن من هذه الخسائر ما لا يمكن قياسه رقميا، مثل المشاريع الاجتماعية والقرارات ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي الاستراتيجي. كل ما يمكن قوله أننا وجدنا خزينة فارغة وديونا متراكمة وعجزا ميزانيا بعشرات المليارات.

* الموريتانيون يتساءلون لماذا لم تتم محاكمة المتورطين في قضايا الفساد خلال الحكم البائد؟

ـ قلنا في البداية وبشكل واضح وصريح أن ما يهمنا هو حاضر البلد ومستقبله وبالتالي نحن مستعدون لفتح كل الملفات والتعاطي معها إذا كانت هذه الملفات تؤثر من قريب أو بعيد على حاضر موريتانيا ومستقبلها، أما نبش الماضي وفتح ملفاته والانشغال في الملاحقات والمتابعات وتصفية الحسابات فلن يكون في نظرنا إلا خسارة على خسارة، بمعنى أننا خسرنا ما تشير إليه من أموال نهبت ومشاريع أتلفت وسنخسر وقتنا الثمين والمحدد في الفترة الانتقالية في جدل قانوني وأخلاقي لن يكون له من النتائج المضمونة سوى زعزعة الإجماع الوطني الحاصل حول برنامج المرحلة الانتقالية، وفتح الباب أمام التجاوزات وتصفية الحسابات وغير ذلك من أمور تقضي على الأمل وتهدد الاستقرار. ثم إننا إذا أردنا فتح هذه الملفات فأي حقبة من تاريخ البلد سنأخذ بعين الاعتبار؟ هل سنحاسب المسيرين من سنة 1960 – تاريخ الاستقلال ـ حتى اليوم؟ أم هل سنتغاضى عن فترة الحزب الواحد ونحاسب فقط مسيري الحقبة الاستثنائية ـ سنوات حكم اللجان العسكرية؟ أم نتغاضى عن هذه ونحاسب فقط مسيري «الحقبة التعددية» 1992 ـ 2005؟ أعتقد أن الأمر ليس بهذه البساطة وعلى كل حال أود أن أذكر بهذا الخصوص أن تغيير الثالث أغسطس لم يأت لمصلحة مجموعة ضد مجموعة ولا نظام ضد نظام ولم يأت لتصفية الحسابات مع أي كان بل جاء لمصلحة الجميع ولإنقاذ البلد وتقويم أوضاعه.

* النفط الذي بدأ استغلاله هل سيغير وجه الحياة في موريتانيا؟

ـ لا شك أن استغلال الثروة النفطية سيكون له الأثر الإيجابي على الاقتصاد الوطني وسيغير حياة المواطن إن شاء الله إلى الأحسن، وقد اتخذنا جملة من الإجراءات لتمكين مواطنينا من الاستفادة من هذه الثروة فقد أنشئت لجنة مكونة من الحكومة والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني الأخرى لمراقبة المداخيل النفطية وطرق صرفها كما قررنا وضع جزء من هذه المداخيل في صندوق لضمان مستقبل الأجيال القادمة وصرف الجزء الثاني في ميزانية الدولة، على أن يوجه أساسا إلى القطاعات المنتجة وقطاعات البنى والخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة ومكافحة الفقر والبنى التحتية.

* هل تعتقد أن المد الأصولي وعنف الجماعات الإرهابية أصبح يهدد موريتانيا أيضا منذ الهجوم الدامي الذي استهدف قاعدة عسكرية شمال البلاد؟

ـ الإرهاب خطر عالمي يتهدد كل دول العالم دون استثناء كما شاهدنا ونشاهد باستمرار، وموريتانيا كسائر الدول ليست في مأمن هذا الخطر وقد تضررت منه بالفعل خلال الهجوم الذي أشرت إليه، وهذا ما جعلنا نبذل ما في وسعنا لتحصين بلدنا وشعبنا ونطالب كافة الدول بالتعاون والتنسيق للتصدي لهذا الداء وتأمين أرواح الأبرياء.

* أفرجتم عن جميع المعتقلين الإسلاميين باستثناء مجموعة قيل إنها تنتمي للسلفية الجهادية هل لهذه المجموعة التي فر اثنان منها من السجن علاقة بتنظيمات إرهابية مثل القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال؟

ـ نعم هذه المجموعة تنتظم على نهج الجماعات المذكورة وقد أكدت التحقيقات الأولية معها صلتها بهذه الجماعات. وعلى كل حال هي بأيدي القضاء وهو وحده صاحب الكلمة الفصل بشأنها.

* هل صحيح أن الأميركيين طلبوا إقامة قاعدة عسكرية في موريتانيا؟

ـ لا.. ليس صحيحا.

* حافظتم بعد وصولكم إلى السلطة على العلاقات القوية والحميمة التي كانت قائمة مع المغرب، كما أعدتم الدفء خلال زيارتكم الأخيرة للجزائر إلى العلاقات معها، وهي العلاقات التي توترت خلال السنوات الأخيرة بسبب النفور الشخصي بين بوتفليقة وولد الطايع، هل تعتقد أن إقامة علاقات متوازنة مع المغرب والجزائر مسألة ممكنة؟

ـ ليست ممكنة فحسب، بل هي واقع معاش، فنحن دولة ذات سيادة تتعامل مع كافة الدول على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة دون أن تتأثر بطبيعة علاقات الدول الأخرى فيما بينها. وعلاقتنا والحمد لله مع الأشقاء في المغرب والجزائر ممتازة وفي تطور مستمر ونحن نحترم مواقفهم وسياستهم النابعة من رؤيتهم لمصالحهم، وهم كذلك يحترمون سياساتنا ومواقفنا السيادية.

* هل بحثتم مع بوتفليقة في إطار التشاور حول مكافحة الإرهاب، تفعيل التنسيق الأمني لضبط الصحراء الممتدة على طول الحدود كي لا تتكرر عمليات مثل الهجوم على حامية لمغيطي أقصى شمال البلاد؟

ـ لقد بحثت مع فخامة الأخ الرئيس عبد العزيز بوتفليفة كل القضايا التي تهم بلدينا الشقيقين.

* موقف موريتانيا من نزاع الصحراء معروف وهو الحياد، بيد أن السؤال هو ما الذي يمكن لموريتانيا بحكم الروابط التاريخية والاجتماعية مع الصحراويين أن تفعله لحل هذا النزاع الذي يعرقل مسيرة اتحاد المغرب العربي؟

ـ نحن نسعى من منطلق علاقاتنا المتميزة مع كافة الأطراف إلى إيجاد حل عادل ونهائي يوافق عليه الجميع وندعم جهود الأمم المتحدة في هذا الإطار.

* إلى أين وصلت جهود إحياء العلاقات مع العالم العربي وخاصة دول الخليج؟

ـ نحن نعمل جادين منذ تغيير الثالث أغسطس لتستعيد موريتانيا مكانتها في محيطها العربي، وخصوصا علاقاتها المتميزة مع الأشقاء في الخليج وقد تقدمنا كثيرا والحمد لله في هذا الاتجاه حيث زرت شخصيا المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة قطر، وأنا على اتصال بأشقائي أصحاب الجلالة والسمو قادة دول الخليج العربي.

* يقال انك قارئ نهم للكتب هل هذا صحيح؟

ـ صحيح القراءة هوايتي المفضلة وأمارسها حسب ما يسمح به الوقت والظروف.

* هل تشعر بالأسف لأنك أجبرت على القيام بانقلاب؟

ـ لا.. لأنني لم أقم بانقلاب بالمعنى التقليدي للكلمة فالذي حصل في موريتانيا فجر الثالث من أغسطس 2005 كان عملية إنقاذ للوطن، تمت بطريقة سلسة ومحكمة لم ترق فيها قطرة دم واحدة ولم يعتقل فيها مواطن واحد ولم تعلن خلالها ساعة حظر تجول واحدة، وحصل حولها إجماع وطني لا سابق له في تاريخ البلد ووفرت للمواطن جوا من الحرية والتسامح والتشاور لم يعرف له مثيلا في تاريخه فعلى ما الأسى؟