جهود أميركا لنشر الديمقراطية في أفريقيا وآسيا تواجه.. مشكلة النفط

محللون: واشنطن تخشى التركيز على الإصلاح فيقفز آخرون ويحتلون موقعها في مجال الطاقة

TT

تقدم الصور الفوتوغرافية المنشورة على موقع البيت الأبيض على الإنترنت القصة كاملة. كان يوم 28 ابريل (نيسان) الماضي حافلا بالاجتماعات بالنسبة للرئيس جورج بوش، فهناك صورة له وهو يحدق في عين كيم هان مي، ابنة منشق من كوريا الشمالية، كما ان هناك لقطة للرئيس الأميركي وهو يحيي ساكي يوكاتا، ممثلة اليابانيين الذين اختطفتهم كوريا الشمالية. وهناك صورة للرئيس بوش وهو يجلس في غرفة روزفلت لحضور اجتماع مع أشخاص معنيين بقضية دارفور، وهناك صورة اخرى له وهو يرحب في المكتب البيضاوي بالرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.

وقال الرئيس بوش إنه تحدث حول «موجة الديمقراطية» مع رئيس أشرف في الآونة الاخيرة على انتخابات برلمانية انتقدها بشدة مدافعون عن حقوق الانسان واعتبروها غير سليمة. لكن بوش أثنى على «رؤية الرئيس في مساعدة العالم على تحقيق ما نريده والمتمثل في أمن الطاقة».

ومع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير انحرفت حملة إدارة الرئيس بوش الخاصة بنشر الديمقراطية في بعض البلدان عن طريقها. فلأذربيجان وجارتها قزقستان سجل مثير في ملف حقوق الانسان، الامر الذي يقصيهما في العادة من كسب اهتمام الولايات المتحدة على مستوى حكومي رفيع. لكنهما بلدين يملكان احتياطيات نفط وغاز كبيرة ويعدان لاعبين أساسيين في السوق العالمية ضد روسيا.

فعلى سبيل المثال شن نائب الرئيس ديك تشيني هجوما على روسيا مشككا بالتزامها بالديمقراطية داخليا وفي البلدان الواقعة على حدودها عندما انتقل من أوروبا إلى دول بآسيا الوسطى الشهر الحالي. لكنه بعد يوم واحد كان في استانا عاصمة قزقستان حيث امتدح هذا البلد للتقدم الذي حققه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، رغم أن الشهادات المتعلقة بسجل حقوق الإنسان في هذا البلد تجعله أسوأ من روسيا.

وعندما سئل حول سجل حقوق الانسان في قزقستان عبّر تشيني عن «الإعجاب بما تحقق في قزقستان». وكان تقرير وزارة الخارجية الأميركية المتعلق بحقوق الانسان في العالم قد انتقد الحكم الطويل الامد للرئيس القزقستاني نور سلطان نزارباييف حيث اشار الى ان المعارضة محظورة وان الصحافيين يتلقون معاملة سيئة وان السلطة محصورة كلها بيد الرئيس.

وكذلك كان الحال مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي حيت بحرارة الشهر الماضي في واشنطن رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما باعتباره «صديقا حسنا»، حتى لو أن نتائج إعادة انتخابه اشارت إلى حصوله على 97% من أصوات الناخبين في سنة 2002 واكتشف تحقيق أجراه مجلس الشيوخ الأميركي أن حساب زوجة رئيس غينيا الاستوائية يبلغ 13 مليون دولار في «بنك ريغز الوطني» بينما يعيش أبناء شعبه على أقل من دولار في اليوم. ومنذ اكتشاف النفط فيه عام 1995، أصبح هذا البلد ثالث أكبر مصدر للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء.

وقالت جنيفر كوك منسقة برنامج أفريقيا في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»: «انني فعلا مندهشة لحصوله على ترحيب قوي في واشنطن. ليس هناك في بلده قبول لأي شكل من أشكال المعارضة السياسية، لكن إذا لم تقم الولايات المتحدة بمساعيها للحصول على النفط فإن كثيرين سيقفزون لاحتلال موقعنا».

ويعترف مسؤولون في الإدارة الأميركية بأن نشر الديمقراطية لا يسير بشكل جيد في هذه البلدان لكنهم قالوا إن أي مساع حذرة يجب تشجيعها أيضا. وقال مسؤول رفيع تحدث شرط عدم الكشف عن هويته: «نحن لا نملك وصفة جاهزة للديمقراطية. فلماذا نجمد هؤلاء الأشخاص إلى الأبد؟».

وأشار نفس المسؤول إلى أن أذربيجان معلقة بين «ماض استبدادي وديمقراطية أكبر، وان الانتخابات على الرغم من أنها ليست جيدة بما فيه الكفاية، فانها تحتوي على بعض العناصر الايجابية التي لم يسبق لها مثيل. نحن نريد أن نحافظ على بعض الإجراءات الإيجابية حتى لو كانت متواضعة». أما بالنسبة لملاحظات تشيني عن قزقستان فقال إن «الامر مختلف لأن قزقستان لا تتصرف مثل روسيا على المستوى الخارجي».

وحاجج المسؤول بالنسبة لبلدان في آسيا الوسطى قائلا إن للولايات المتحدة ثلاث مصالح هناك هي الطاقة والأمن الاقليمي والإصلاح الداخلي. وقال ان بالامكان التركيز على الديمقراطية لكن ذلك سيكون أصعب لبناء استثمار في مجال الطاقة.

ويدفع المسؤولون الأميركيون الأمور باتجاه بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي من العاصمة الأذربيجانية باكو الى تركيا. ويعتقد المسؤولون الأميركيون، الذين باتوا قلقين جراء اغلاق روسيا اوائل العام الحالي ضخ الغاز الى أوكرانيا بسبب نزاع على الأسعار، انها الفرصة الأخيرة لاعطاء البلدان الأوروبية سبيلا بديلا للطاقة. كما يشجعون قزقستان، التي تقع عبر بحر قزوين من باكو، لايصال الخط.

وافاد مسؤول أميركي آخر بأن بناء أنبوب غاز يضعف احتكار روسيا ويساعد الديمقراطيات الناشئة، وخصوصا أوكرانيا التي عانت من أضرار اقتصادية جراء ذلك الاحتكار، وجورجيا التي يمر خط الأنابيب عبرها.

ويبدي محللون اميركيون تأييدا لطروحات الادارة رغم انهم يتساءلون عما اذا كان تركيزها على الطاقة سيؤدي بالفعل الى تقدم في مجال الديمقراطية. وقال كوري ويلت، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»: «ان المسؤولين اقنعوا انفسهم بانهم، بانتهاجم سياسة التدخل، سيشجعون هذه البلدان على الانفتاح، لكن حكومات تلك الدول تعرف ان لديها نفوذا ما، وبانه في حال لم تستجب فانه لن يكون بامكان الولايات المتحدة فعل شيء».

وقالت زينو باران، مديرة «مركز السياسة الأورو ـ آسيوية» في «معهد هودسون» الاميركي ان «هذه طريقة جديدة لم تجرب سابقا». لكنها اضافت ان روسيا والصين لن تشددا على القضايا الديمقراطية وستغلقان الأسواق ببساطة في الوقت الحالي ما لم تتصرف الولايات المتحدة أولا. وقالت باران ان «المسألة الجوهرية هي أن الولايات المتحدة، والى حد ما الأوروبيين، سيدفعون لوحدهم هذه البلدان اتجاه الاصلاح، في حين ان روسيا لا تفرض، عبر اتفاقات الطاقة والأشخاص المرتشين، أي شروط للاصلاح».

كذلك يشير توم مالينوفسكي منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية الى ان المساعدة في تطوير قطاعات الطاقة في دول آسيا الوسطى ستساعد في تطورها السياسي الداخلي. لكنه قال ان ذلك لا يعني انه ينبغي التقليل من أهمية الديمقراطية. وخلص قائلاً: «ان الأذربيجانيين لن يديروا ظهورهم لصفقة خط أنابيب مربحة لأن الرئيس بوش طلب منهم اجراء انتخابات نزيهة».

(* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»)