حرب شوارع في سان باولو بعد رفض تزويد السجناء بتلفزيونات جديدة مع اقتراب المونديال

100 قتيل و200 جريح في أعمال عنف وصفها لبنانيون في المدينة بزمن بيروت في الحرب الأهلية

TT

منذ يوم الجمعة الماضي ومدينة سان باولو تعيش حرب شوارع بسبب انتفاضة للسجناء المطالبين بأجهزة تلفزيونات جديدة في السجون لمشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم التي ستقام الشهر المقبل في ألمانيا. لكن السلطات البرازيلية تقول ان ما يحدث هو من فعل عصابات الجريمة المنظمة في المدينة المعتبرة كبرى مدن البرازيل وثالث أكبر مدينة في العالم، لأن الهجمات التي قام بها أيضا متكاتفون مع السجناء، استهدفت منشآت مدنية بشكل مقصود، وكان عدد ضحاياها حتى أمس 104 قتيل، بينهم 31 شرطيا و8 حراس سجن و4 مدنيين، والباقي من السجناء أو المتكاتفين معهم في عالم الجريمة المنظمة. كما أصيب أكثر من 200 شخص بجروح وتشوهات بعضها خطر.

وتنفي السلطات البرازيلية زعم قادة السجناء بأن السبب يعود الى رفضها تلبية طلبهم بتقديم أجهزة تلفزيون جديدة بالألوان، بدل الأبيض والأسود الموجودة الآن في السجون، وتقول ان كل شيء بدأ حين قررت نقل 765 سجينا الأسبوع الماضي الى سجن تفرض فيه اجراءات أمن مشددة. ولأن السجناء لا يريدون فرض مزيد من التشدد على عيشهم في السجون، ومنها مراقبة اتصالاتهم الهاتفية، لذلك انتفضوا بزعامة ما سمته السلطات «القيادة الأولى للعاصمة»، وهي تجمع إجرامي يموله سجناء وشركاء لهم خارج السجون، وبدأوا بعملية تمرد في بعض السجون امتدت شرارته الى الخارج على شكل هجمات طيارة ومفاجئة سببت إحراق أكثر من 110 حافلات ووسائل نقل أخرى في شوارع المدينة التي يعيش فيها أكثر من 3 ملايين لبناني بين مغترب ومتحدر. كما اتسعت حركات التمرد التي بدأت في بعض سجون سان باولو لتشمل نظيرتها في ولاية بارانا المجاورة في جنوب البلاد، حيث سجل تمرد في سجنين مع احتجاز عدد من الرهائن. كذلك امتد التمرد والعصيان ليصل صداهما الى سجون ولاية ماتو غروسو في الوسط الغربي، حيث تمرد نزلاء 4 سجون واحتجزوا أكثر من 100 رهينة هناك، لكن الأوضاع سكنت أمس الى حد ما فأطلق السجناء في الولايات الثلاث سراح 120 رهينة، وما زال هناك محتجزون يهدد السجناء بقتلهم.

لكن العنف الأكبر كان في مدينة سان باولو حيث منعت السلطات التجول يوم اول من أمس، وأوقفت شركات النقل تسيير حافلاتها بعد أن أنزل المهاجمون الركاب والمفتشين والسائقين قبل أن يضرموا النار في الأوتوبيسات والحافلات ويثيروا موجة ذعر عام «لم تشهد سان باولو في تاريخها مثيلا» بحسب تعبيرات صحف برازيلية.

ولم تستطع «الشرق الأوسط» التحدث أمس الى القنصل اللبناني العام في سان باولو، جوزف صياح، لأن مقر القنصلية الذي يقع في جادة باوليستا، وهي الأشهر في المدينة، كان معزولا بحواجز مكثفة من رجال الشرطة، كذلك كانت الخطوط الهاتفية للمنطقة مقطوعة بكاملها. لكن «الشرق الأوسط» تحدثت الى عدد من اللبنانيين المقيمين هناك، ومنهم جويل فرح (42 سنة)، وهي مقيمة مع زوجها في سان باولو منذ 17 عاما، فذكرت بأن ما شاهدته من نافذة شقتها القريبة من وسط المدينة «كان أشبه بشوارع بيروت زمن الحرب الأهلية»، وهو التعبير نفسه الذي استخدمه المهاجر جورج عريضة، وهو من طرابلس شمال لبنان، ويقيم في سان باولو منذ 28 سنة، اذ قال ان حالة الذعر التي شعر وما زال يشعر بها «تشبه الحالة نفسها التي كنت اشعر بها في طرابلس زمن الحرب الأهلية». وقال عريضة انه شاهد رجال عصابات يضرمون النار في سيارتين صغيرتين؛ «إحداهما لجار لي في المحل الذي أبيع فيه القماش بالجملة».

وكان رجال العصابات والمستغلون لما جرى قد شنوا أكثر من 160 هجوما منذ الاثنين الماضي حتى أمس، والى جانب إحراق الحافلات تمت مهاجمة 11 مصرفا ومحطتين لمترو الأنفاق بقنابل حارقة وأسلحة رشاشة، مما اضطر بنك كونغوكنياس، وهو ثاني أكبر مصرف بسان باولو، الى اغلاق أبوابه بعد تهديد بوجود قنبلة. كما أقامت الشرطة حواجز على الطرق الرئيسية وفرضت حراسة امنية مشددة على المباني الرئيسية، فيما دعا حاكم ولاية سان باولو، كلاوديو ليمبو، لاجتماع طارئ لقادة الأجهزة الأمنية للتنسيق. وعرضت الحكومة المركزية تقديم دعم من الشرطة المحلية «حتى ومن الجيش اذا اقتضى الأمر» لكن وزير الشؤون الأمنية في سان بالو، آبريو فيليو، قال ان الأمر قد لا يحتاج الى أكثر من وقت «لأن مثل هذه الأعمال يائسة من قبل رجال العصابات والمجرمين، وهم لن ينجحوا مطلقا» وفق تعبيره.

ولأن السلطات تخشى امتداد الظاهرة الى ريو دي جانيرو، فقد وضعت أكثر من 45 ألف شرطي في حالة تأهب قصوى وتم إرسال المزيد من الدوريات الى مناطق تسكنها عصابات المخدرات، وهي مناطق على التلال والمرتفعات الملاصقة تماما للمدينة المعتبرة عاصمة للبرازيل في السابق لتتحول فيما بعد الى عاصمة سياحية بامتياز ومركز للكرنفالات. وقد اعترف القائد العام للشرطة في سان باولو، الملازم ايليزو تيشيريا بورجز، أن ما يحدث في المدينة «هو حرب شوارع بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لكنها حرب ضد الجريمة المنظمة ورجالها». وذكر بورجس في مؤتمر صحافي له صباح أمس في سان باولو أرقاما مختلفة، منها أن 140 سيارة للشرطة المدنية والعسكرية تم احراقها ليلة الاثنين الماضي فقط، «لذلك نحن في حالة حرب معهم، ونعتقد أن مزيدا من الخسائر المتنوعة مقبلة علينا في الأيام القادمة، لكنهم سينهزمون في النهاية» بحسب ما قال.

وشرح بورجس أن الإشاعات والبلبلة في ايصال المعلومات ساهمت في تأجيج الهجمات وتأزيم حالة اثارة الذعر التي يشعر بها السكان الآن، «ومنها شائعات طالت قطارات الأنفاق من أنها ستكون مستهدفة، فهرع الناس خائفين، كما طالت الشائعات البنوك والأبنية الرئيسية في المدينة من أنها ستكون مستهدفة أيضا» وفق تعبيره.

وذكر بورجس أن والدة وشقيق قائد التمرد ورجال العصابات، وهو مارسيللو فييرا، قتلا في منزل العائلة بضاحية من سان باولو «لقد قتلهما مجهولون بالرصاص (..) هؤلاء المجهولون تنكروا في زي رجال شرطة واقتحموا عليهما البيت عند الفجر ثم أجبروهما على البقاء راكعين في بهو الدار، ومن بعدها أطلقوا عليهما الرصاص بدم بارد، وهذا ليس من طبيعة رجال الشرطة، لذلك لا نعرف حقيقة من أقدم على قتلهما».