دبلوماسيون: إيران سرَّعت التخصيب بغاز صيني لأسباب سياسية

واشنطن تسعى لمعاهدة نووية جديدة وترفض تقديم ضمانات أمنية مباشرة لطهران

TT

افادت مصادر دبلوماسية في فيينا ان ايران استخدمت مخزوناً من غاز اليورانيوم الصيني وليس الغاز المحلي عندما اعلنت عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم الشهر الماضي، وذلك لكسب الوقت في عمليات التخصيب. وجاء ذلك في وقت اعلنت فيه الولايات المتحدة عن سعيها لإقرار معاهدة دولية جديدة تحظر انتاج المواد المستخدمة في الاسلحة النووية، محاولة لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي. وتعثرت المساعي الدبلوماسي في التوصل الى اجماع دولي حول كيفية التعامل مع الملف الايراني النووي، اذ أكدت روسيا رفضها فرض عقوبات على ايران في حال امتنعت طهران عن تجميد تخصيب اليورانيوم. ورفض الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد التخلي عن برنامج تخصيب اليورانيوم مجدداً امس، معتبراً ان الدول التي تعارض تقدم بلاده في المجال النووي تعاني من «امراض عقلية».

وفي فيينا، قال دبلوماسي مطلع على معطيات استخباراتية لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «حاول الايرانيون لاسباب سياسية تحقيق قفزة تكنولوجية، وكانوا على عجلة من أمرهم لإعلان قدرتهم على اجراء عمليات تخصيب اليورانيوم». واوضح ان ايران «اختارت الوقود الصيني بسبب مواصفاته التي تسمح بإجراء تخصيب افضل»، سعياً منها «للتأكد تماماً» من ان عملية التخصيب ستنجح، بهدف وضع مجلس الأمن الدولي أمام الأمر الواقع قبل ان يتخذ قراراً بشأن ملفها النووي.

ويستخدم الغاز «يو اف 6» (هكزافلورور اليورانيوم) في عمليات التخصيب بواسطة محركات الطرد المركزي، وهي عمليات تنتج وقوداً للمحطات المدنية ويمكن ان تسمح ايضاً بصناعة شحنة لقنبلة ذرية اذا ما تم التخصيب بنسب عالية. وتشتبه الدول الغربية في سعي ايران الى امتلاك السلاح النووي تحت غطاء برنامجها المدني. وتنفي ايران هذه الادعاءات.

من جانبها، اقترحت الولايات المتحدة أمس ان يناقش «مؤتمر نزع السلاح» التابع للأمم المتحدة معاهدة جديدة لحظر انتاج المواد النووية الضرورية لإنتاج القنابل الذرية. وقال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لحظر الاسلحة ستيفن رادميكر ان التطورات في كوريا الشمالية وايران اظهرت أن الوقت قد حان لاتفاق سريع على معاهدة تمنع انتاج «المواد الانشطارية» مثل اليورانيوم العالي التخصيب والبلوتونيوم. وقدم رادميكر مسودة لنص القرار للمؤتمر الذي يضم 65 دولة، قائلاً: «ان مشروع المعاهدة الذي تقدمنا به هدفه بسيط»، موضحا انه «يحظر بعد بدء العمل به انتاج المواد الانشطارية المخصصة لصنع اسلحة نووية او عبوات نووية اخرى».

وانتهز مسؤول ايراني رفيع المستوى في البعثة الايرانية في جنيف، حميد اسلام زاد، الفرصة للتأكيد ان برنامج بلاده النووي سلمي. وأضاف ان الانتقادات الاميركية للنشاطات النووية الايرانية شبيهة بالادعاءات الخاطئة التي ادلى بها رادميكر أمام المؤتمر عام 2003، حين قال ان العراق يملك اسلحة دمار شامل. وأضاف ان تعليقات رادميكر أمس حول البرنامج النووي الايراني «يمكن ان يؤخذ كعلامة تكرار لما عمله الاميركيون مع العراق». ولفت اسلام زاد الى ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية حققت في البرنامج النووي الايراني، قائلاً: «اريد ان اذكر بأنه حتى الآن الوكالة اكدت على ان ايران لم تستخدم مواد نووية لأعمال محظورة». واجاب رادميكر أن ايران تكرر الادعاءات «التقليدية» بأن الوكالة الدولية اطلعت على جميع مواد ايران النووية، قائلاً: «السؤال هو هل توجد هناك مواد نووية غير معلن عنها؟ هذا هو الموضوع الرئيسي». وقال المار بروك، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاوروبي، ان وزير الخارجية الروسي كرر خلال الجلسة ان عرض موسكو لتخصيب اليورانيوم لصالح ايران ما زال مطروحاً على الطاولة. وأضاف بروك: «كان واضحاً انه (لافروف) قال لا للقدرات العسكرية الايرانية ولا لقدرات التخصيب. وجدد عرضه بان يجري التخصيب في الاراضي الروسية». وعلى صعيد آخر، افادت مصادر دبلوماسية لـ«رويترز» امس ان الدول الاوروبية تريد تقديم ضمانات أمنية لايران كحافز رئيسي لتجميد برنامجها لتخصيب اليورانيوم، إلا ان المسؤولين الاميركيين يقولون انه لا يمكن لطهران أن تتوقع من واشنطن تعهداً بعدم الاعتداء عليها.

ويقول المسؤولون الاوروبيون ان الضمانات الأمنية هي النقطة الرئيسية التي لم يتفق عليها بعد والتي تؤثر على قدرتهم على تقديم صفقة لها مصداقية. وقال مسؤول أوروبي مطلع ان الاوروبيين يريدون أن يعرضوا على ايران التعاون مع أية آلية للأمن الاقليمي قد تنشئها ايران ودول الجوار في منطقة الخليج. وسلم مسؤول آخر بان الجوانب السياسية والأمنية هي الجوانب الاكثر صعوبة. وأفاد دبلوماسيون عدة ان واشنطن تدرس تقديم ضمانة أمنية غير مباشرة، قال عنها دبلوماسي أوروبي انها قد تشمل «مباركة أميركية لضمانات أمنية يقدمها الاتحاد الاوروبي لإيران». إلا ان دبلوماسي اوروبي أفاد بأن الولايات المتحدة وعدت اسرائيل بأنها لن تعطي أبداً ضمانة أمنية لايران قبل اعترافها بحق اسرائيل في الوجود وتتوقف عن تقديم كل دعم تقدمه للجماعات الاسلامية المعادية لاسرائيل.

ونفى مسؤولون أميركيون أنهم يفكرون في أي نوع من الضمانات الأمنية لطهران. وقال شون ماكورماك الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية: «سأترك للآخرين أن يتحدثوا عن أنفسهم. لكن ذلك ليس مطروحا على الطاولة من جانب الولايات المتحدة». وما زال الاتحاد الاوروبي يواصل العمل لاعداد اجراءات تشجيعية من اجل اقناع ايران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، معتبراً ان رفض طهران مسبقا هذا العرض لا أهمية له لأنه لم يقدم لها لدراسته بعد. وقالت كريستينا غالاش، الناطقة باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكن ان يكون هناك رفض لانه لم يقدم اي عرض» حتى الآن. واضافت: «علينا ان نلتزم الحذر حيال هذه التصريحات القادمة من طهران». وتابعت غالاش ان الرفض المسبق لا يمنع الاتحاد الاوروبي من «إعداد حزمة مهمة جداً وجريئة يُفترض ان تلبي كل الاحتياجات الايرانية للحصول على طاقة نووية بأهداف سلمية». ومن طوكيو، طالب الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان أمس مجدداً كل الاطراف المشاركة في المفاوضات الخاصة بالازمة النووية الايرانية خفض نبرة الحديث في الازمة. وصرح بأنه يعلق آماله على الجهود الدبلوماسية بما في ذلك جهود الاتحاد الاوروبي لحل الازمة القائمة بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم الايراني الذي يشتبه الغرب في أن له ابعادا عسكرية. وقال أنان في خطاب القاه في جامعة طوكيو: «هناك حاجة الى خفض درجة الحرارة والامتناع عن اي تحرك او لغة قد تزيد الموقف اشتعالاً». الا ان الرئيس الايراني أعلن أمس ان الدول التي تعارض تقدم ايران في المجال النووي تعاني «امراضا عقلية». ونقلت وكالة الانباء الطلابية (ايسنا) خطابا القاه احمدي نجاد في منطقة زارند، قال فيه ان «اولئك الذين يزعجهم تقدم شعوب اخرى يعانون من اضطرابات عقلية ويجب ان يتلقوا العلاج». واضاف: «نقول بوضوح اننا لسنا على خلاف مع أحد لكننا نكافح للحصول على حقنا (في المجال النووي) ولن نتخلى عن ذلك».