الشرق الاوسط تشارك شرطيا عراقيا نهاره في أحد شوارع بغداد

جاسم غناوي : ننفذ واجباتنا بلا تفكير بالمخاطر

TT

يمكن لعراقي يبلغ منتصف الثلاثينات من عمره، مثل جاسم غناوي، ان يعيش حياة طبيعية بعيدة عن مخاطر الموت التي تهدده باستمرار، كأن يكون موظفا في دائرة حكومية او يستدين بعض المال ويبدأ عملا خاصا مشروعا يدر عليه بعض الربح، او ان يختار اي عمل اعتيادي، غير ان يكون شرطيا. مهنة الشرطي في العراق محفوفة بمخاطر الموت لا أكثر، فان تكون شرطيا في اي مكان في العالم تضع احتمالات مخاطر الموت بنسب ضئيلة للغاية لكن ان تكون شرطيا في العراق وخاصة في بغداد فهذا عين الخطر، ومع ذلك ليس من السهولة ان تحصل على هذه المهنة في ظل سيادة البطالة وعدم توفر فرص العمل.

غناوي ، شاب عراقي ذو سحنة مائلة للسمرة، زاد من حدتها الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة لاكثر من 14 ساعة كل 48 ساعة تقريبا، يقف مثل غيره وراء حواجز وفي احيان كثيرة لا تتوفر مثل هذه الحواجز فيكون في مواجهة اي مسلح يصوب نحوه ونحو زملائه رشاشته ليحصد حياته من غير سبب سوى انه يعمل لحماية حياة الاخرين. فقد تكبدت الشرطة وقوات الجيش العراقي الكثير من الخسائر البشرية متهمين اياهم بالتعاون مع قوات الاحتلال مع انهم يجهدون انفسهم حد التضحية بأرواحهم ليوفروا الأمن للاخرين.

عند حاجز في احد شوارع جانب الكرخ في بغداد التقت «الشرق الاوسط» بالشرطي غناوي الذي استغرب ان نجري معه هذا الحديث «مع اني لست مسؤلا كبيرا او سياسيا اساهم بتشكيل الحكومة ولم اقم بعمل كبير سوى اني شرطي احاول ان انفذ واجبي بأحسن صورة». هذا ما قاله لنا هذا الشرطي عندما عرفته بنفسي باعتباري صحافي اود التعرف على برنامجه اليومي.

قال غناوي «ليس من السهل ان تجد عملا يحفظ لك كرامتك ويوفر لك قدرا من المال لتمشية حياتك»، احد رجال الشرطة من الشباب اكد لي انه توسط لدى شخص له يد طولى في التطوع للشرطة واشترط عليه ان يكون الراتب الاول او الراتبان الاولان له، اعني للشخص الذي توسط لتطوع هذا الشاب على جهاز الشرطة، والحال نفسها في التطوع على الجيش. يقول غناوي «بالرغم من معرفتي بمخاطر العمل كشرطي وافقت بل بذلت جهدي من اجل الحصول على هذه المهنة لاوفر لنفسي راتبا شهريا يبعدني عن شر العوز وذل الحاجة، فاليوم لا تتوفر اية وضائف يمكن ان نختار ما يناسبنا منها».

«الشرق الاوسط» لاحظت ان غالبية من الشباب من حملة الشهادات الجامعية يعملون كسائقي سيارات اجرة، هذه هي سياراتهم الشخصية حولوها الى «تاكسيات» كي يعيلوا انفسهم وبساعدوا عوائلهم. يقول غناوي «انا من عائلة متوسطة الحال لا استطيع الاعتماد على والدي وهو موظف متقاعد كان علي ان اجد اي عمل فوجدت ان العمل كشرطي هو الوظيفة الوحيدة المتاحة لي ولامثالي». يقف غناوي 14 ساعة يوميا في النقطة المخصصة له لتفتيش السيارات وسؤال من فيها عن هوياتهم. يقول «احيانا نقف منذ الساعة السادسة صباحا واحيانا منذ الثامنة مساء ولا يهم ان نقف تحت اشعة الشمس في صيفنا الحار جدا او تحت الامطار، المهم ان ننفذ واجبنا على اتم وجه، نفتش السيارات التي نشك بها او التي تحمل رقم مشكوك به او جاءتنا اخبارية عنه وفي عملنا استطعنا ان نقبض على مشتبه فيهم وعلى متهمين وعلى مسلحين».

ليست هناك حواجز تحمي الشرطة في شوارع بغداد من هجوم المسلحين، احيانا تضع بعض نقاط التفتيش حواجز من اكياس الرمل او الخشب وهي لا تكاد تحمي اي شخص من الرصاص، وهكذا راح غالبية منهم ضحية هجومات مسلحة سريعة. يترك غناوي بيته في ساعة مبكرة من الصباح وحسب جدول واجباته، بعد ان يودع زوجته التي اقترن بها منذ ستة أشهر فهو ما يزال يقيم في بيتهم العائلي مع والده ووالدته لعدم تمكنه من استئجار منزل خاص به لارتفاع بدلات الايجار ولارتفاع مستوى المعيشة.

يقول الشرطي غناوي «راتبي 50 الف وخمسمائة دينار، والشرطي عندما يتعين يكون راتبه اقل من ذلك بعشرة الاف دينار وهو راتب لا يكفي لان استأجر بيتا لعائلتي اذا علمنا ان الايجار الشهري لبيت او شقة بسيطة هو بقدر راتبي او أكثر، ثم ان هناك تكاليف البيت وما نحتاجه من ملابس وامور حياتية اخرى».

غناوي لا يقف في مكان واحد فهو يقود سيارة شرطة (دورية) وهناك كمية من الوقود مخصصة من الدولة لسيارة الشرطة هذه باعتبارها سيارة حكومية، لكن غناوي يقول ان «المحطة المخصصة لتزويد سيارتنا بالوقود بعيدة ونحن لا نضمن وجود الوقود عندما نقطع هذه المسافة، واذا وجد فسوف نحصل على اقل من ربع الكمية المخصصة لنا بسبب شحة الوقود لهذا نقوم نحن، ضابط الدورية وبقية الشرطة، بجمع ثمن البانزين وشرائه من المحطات الاهلية من جيوبنا حتى لا نضيع وقتنا وجهدنا وننتظر من غير طائل». يتحدث غناوي عن ان «المواطنين يثقون كثيرا بالشرطة ومن انها جهة رسمية لحمايتهم، يتعاونون معنا خلال التفتيش وكذلك يخبرونا عن الحالات او الاشخاص الذين يشكون بهم لنتصل بدورنا بمركز عملياتنا لاتخاذ اللازم». وعندما نسأله عن المخاطر التي تحيطه، يبتسم ويقول «الاعمار بيد الله وانا أؤمن ان ما يكتبه الله لنا سيكون مصيرنا، هناك اشخاص يموتون بالسكتة القلبية وهم في بيوتهم وهناك من يموت بانفجار سيارة مفخخة، وغيره من اسباب، ثم اننا تعودنا هذه الحياة واذا فكرنا بهذه الطريقة فمن سيتطوع للشرطة او للجيش». يمضي غناوي يومي فراغه بين عائلته كما يعمل لبضع ساعات في سيارته كسائق سيارة اجرة لتحسين وضعه الاقتصادي كما يفعل غالبية من العراقيين.

غناوي كغيره من غالبية العراقيين متفائل بالغد بالرغم من كل ما يجري في العراق ويقول «انا متأكد من ان هذه المشاكل ستنتهي في يوم قريب ويعيش العراقيون بأمان وبوضع اقتصادي افضل وبكرامتهم، ذلك ان شعوبا كثيرة ما تزال تعاني من ويلات الحروب ونحن على ابواب زمن جديد انشاء الله».

نادرا ما يذهب غناوي مثل اقرانه الى المقهى، ذلك ان حياته ومثلما يصفها «محصورة بين العمل والبيت والعمل ابتعادا عن المشاكل الامنية»، مشيرا الى ان قوى الارهاب التي تستهدفهم «تريد اغراق العراق بمزيد من الفوضى».