البرلمان الفرنسي يقر مبدئيا قانون «الهجرة المنتقاة»

TT

أقر البرلمان الفرنسي، الليلة قبل الماضية، في قراءة أولى، مشروع قانون وزير الداخلية نيكولا سركوزي الخاص بتشديد ظروف دخول وإقامة وعمل الأجانب في البلاد. ومن المقرر أن يبدأ مجلس الشيوخ النظر في المشروع في 6 يونيو (حزيران) المقبل، وفي حال اقراره، سيبدأ العمل به الخريف المقبل.

وبالنظر للأغلبية المريحة التي يتمتع بها اليمين في البرلمان، فقد تم تبني مشروع القرار الجديد من غير صعوبات رغم المعارضة «الجماعية» من الهيئات الدينية المسيحية واليهودية والإسلامية والمنظمات غير الحكومية الفاعلة في الحقلين الاجتماعي والإنساني ناهيك من أحزاب اليسار بمختلف أطيافها.

ويُراد من القانون الجديد أن يكون بمثابة «قطيعة» مع ما درجت عليه فرنسا في الماضي في موضوع الهجرة بحيث يتم التخلي عن «الهجرة المفروضة» لصالح «الهجرة المنتقاة» أي تلك التي تخدم فرنسا ولا تكون عالة عليها. ويظهر التوجه الجديد على وجه الخصوص في تأسيس القانون لتأشيرة إقامة من 3 سنوات قابلة للتجديد لأصحاب «الكفاءات والمواهب» بهدف جذب الأجانب المتخصصين الذين يحتاجهم الاقتصاد الفرنسي، وكذلك في تسهيل عمل الطلاب الأجانب الذين ينهون تخصصاتهم في فرنسا بالسماح لهم بالإقامة والعمل لأربع سنوات. وحفز هذان البندان معارضي القانون الجديد على اتهام اليمين وسركوزي تحديدا بالسعي «لإفراغ دول العالم النامي من كفاءاتها ورفض دخول العمال العاديين الى الأراضي الفرنسية». وبما أن الهجرة الحالية الى فرنسا تتمثل خصوصا في عمليات لمّ شمل العائلة، فإن القانون الجديد سعى الى الحد من اتساعها عبر فرض شروط إضافية على العامل الأجنبي الراغب في استقدام عائلته للعيش معه. وفي هذا الإطار، لم يعد يحق للعامل الأجنبي تقديم طلب لم الشمل قبل مرور 18 شهرا على وجوده في فرنسا (بدل 12 شهرا حاليا) مع فرض شرط توفير السكن اللائق والقدرة على إعالتها دون احتساب التقديمات والمساعدات الاجتماعية واحترام مبادئ الجمهورية الفرنسية في إشارة الى رفض تعدد الزوجات.

ويفرض القانون الجديد على العامل القادم توقيع «عقد قبول واندماج» يتعهد بموجبه بتلقي تنشئة «مدنية» ولغوية، كما أنه يربط الحصول على حق الإقامة طويلة المدى (10 سنوات) بتوافر شروط اتقان اللغة الفرنسية وتقبل قيم الجمهورية واحترامها.

ويلغي المشروع الجديد العمل بتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الى فرنسا بعد إقامتهم عشر سنوات على أراضيها، ويشدد على ظروف ترحيل المهاجرين الفاقدين لحق الإقامة الى بلادهم خلال مهلة لا تتجاوز شهر. وفي السياق عينه، يفرض شروطا إضافية لمنح حق اللجوء ويوفر الأرضية القانونية لمحاربة ما يسمى «الزواج الأبيض» مع فرنسيين أو فرنسيات بغرض الحصول على إقامة أو على الجنسية.

ويعول اليمين الفرنسي على القانون الجديد لسحب بساط الهجرة من تحت أرجل اليمين المتطرف وتحديدا الجبهة الوطنية التي يقودها جان ماري لوبن الذي دأب على استخدامه في دعايته الانتخابية لتخويف الفرنسيين من المهاجرين، وخصوصا ذوي الأصول العربية والإسلامية. ويريد اليمين عبر هذا القانون محو صور السيارات المحترقة في ضواحي المدن من أذهان الفرنسيين كما ظهرت الخريف الماضي. وهذا الخطاب الأمني لا يلقى تأييدا في أوساط اليمين واليمين المتطرف فحسب بل كذلك لدى الأوساط الشعبية التي تعد المتضرر الأول من النتائج المترتبة على الهجرة غير المشروعة.

وكان آلاف المتظاهرين قد نزلوا الى الشوارع السبت الماضي للمطالبة بالتخلي عن مشروع القانون. ووصفت حركة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية المشروع بأنه «يوم العار والغضب وسيبقى كذلك بالنسبة لكل المدافعين عن الحقوق والحريات الأساسية للمهاجرين». وأثار المشروع تحفظات دول أفريقية عبرت عن تخوفها من إغلاق الحدود الفرنسية بوجه مواطنيها المهاجرين العاديين الباحثين عن لقمة العيش وفتحها بوجه النخبة.