الصين: خط السكك الحديدية إلى التبت.. طريق الذهب الجديد

ناشطون وأهال يخشون اندثار ثقافة التبت ورجال أعمال يتوقعون فرصا كبيرة

TT

جولمود ـ الصين ـ رويترز: لا يطيق رجل الاعمال الصيني سون ليبينج الانتظار للذهاب الى التبت. ولكونه يعيش في المنطقة النائية القاحلة التي تحيط بمدينة جولمود الغربية فهو لا يرى التبت على أنها أشد مناطق الصين فقرا، ولكنها بالنسبة له أرض طرقها ممهدة بالذهب.

وبمجرد افتتاح خط السكك الحديدية الى لهاسا عاصمة التبت في الاول من يوليو (تموز) سيغادر سون. وقال سون بينما كان يحدق في خط السكة الحديد ذي الاتجاه الواحد الواصل بين جولمود والجبال التي تلوح في الافق، «الامر أكثر سهولة لجني المال هناك». ويتحدر سون أصلا من اقليم شانشي بوسط غرب الصين. وأضاف، «هناك عدد كبير للغاية من السائحين. ليس مثل هنا». ويشعر لي يوبينج وهو مهندس في محطة للطاقة خارج جولمود مباشرة بنفس الدرجة من الحماس.

وقال لي، بينما كان يستعرض خريطة لاقليم تشينغاي المحاذي للتبت، وكان يجلس في القطار الليلي القادم من عاصمته الاقليمية شينينج الى جولمود «ستكون رائعة. انني ذاهب الى هناك. سيكون باستطاعة الناس من جميع أنحاء الصين الان الذهاب الى هناك. ستكون التبت أرضا تكتنفها الاسرار لا أكثر».

وهذا بالضبط ما ترغب فيه الحكومة بالنسبة للتبت التي تشوبها الاضطرابات غير انه يثير الرعب في نفوس المدافعين عن حرية المنطقة.

وقالت يايل ويسز ـ ريند العضو بحملة التبت الحرة التي تدعو السياح لمقاطعة خط السكة الحديدية، «نشعر بقلق شديد من أن خط السكة الحديدية لن يفيد شعب التبت، وانما سيعزز فقط قبضة الصين على التبت».

واضافت لرويترز، «أغلب هؤلاء الذين يتمتعون بفوائد التنمية التجارية والاقتصادية هم من المهاجرين الصينيين الى التبت. الصينيون الذين يأتون للعمل هنا عادة ما يرسلون أرباحهم الى الصين الام.. الى عائلاتهم.. ولا يتم استثمار أي منها». وكان زينج بيان نائب رئيس الوزراء والعضو في المكتب السياسي بالحزب الشيوعي الحاكم قد قال، ان خط السكة الحديدية سيلعب دورا رائدا في دعم السياحة الى تلك المنطقة الواقعة في جبال الهيملايا، التي تسكنها أغلبية بوذية وسيساهم في فتح اقتصادها المغلق.

وأعلنت بكين في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، عن اكتمال انشاء أطول خط سكة حديدية في العالم بطول 2040 كيلومترا، من شينينج الى لهاسا. ويتم بالفعل حاليا نقل البضائع ويتوقع ان تنطلق خدمة نقل الركاب بدءا من يوليو.

لكن الربط عبر السكة الحديدية مثير للجدل بشدة. وتقول الصين انه سيعزز التنمية وسيساعد على رفع مستوى المعيشة، فيما يقول ناشطون من التبت انه سيسرع من وتيرة الهجرة الصينية الى هناك وسيساهم في خفوت ضوء ثقافة التبت.

وبدأ البناء في المرحلة الاولى في عام 1958 بعد ثماني سنوات من ارسال الصين قواتها الى التبت لفرض الحكم الصيني.

وبعد عام واحد فر الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما الى الهند في أعقاب انتفاضة فاشلة ويعيش هناك منذ ذلك الحين. ولا يشعر الجميع في تشينغاي بالسعادة بخصوص ما يعنيه خط السكة الحديدية الى التبت، رغم أن البعض يقر بأن افتتاحه ينبغي أن يعطي دفعة لاقتصاد المنطقة، الذي يعد أصغر اقتصاد اقليمي بالصين.

وشكا جاجين تشيباي، وهو من سكان التبت الاصليين، قائلا «سيكون ذلك عظيما بالنسبة للاقتصاد.. غير أن جميع رجال الاعمال سيكونون من أبناء الهان»، في اشارة الى الجماعة العرقية المهيمنة في الصين. وتوقع بنبرة متشككة، متحدثا بلغة الصين الشمالية القديمة، «هناك قليل منا وكثير منهم... الهان أمامهم أماكن كثيرة يمكنهم الذهاب اليها.. ولكن اين يمكننا الذهاب.. سيتدفق الهان الي هنا». وأضاف معبرا عن أمل ضعيف قبل أن يبتعد مضطربا، «ربما لا تكون السكة الحديدية آمنة».

وتنفي الصين أي مخاوف من أن خط السكة الحديدية سيكون غير آمن أو سيضر بالبيئة، حيث سيمر عبر 550 كيلومترا من الارض المتجمدة في أحد أضعف البيئات على سطح الارض، ويمر متعرجا عبر سلسلتين جبليتين على الاقل.

وقال مسؤول بارز كنيته شين، الذي عمل على خط جولمود شينينج منذ افتتاحه في عام 1984 «سيكون أول خط سكك حديدية صديق للبيئة في العالم... حتى اننا سنحمل معنا جميع النفايات خارج التبت».

وسيتم ضخ مزيد من الاوكسجين في عربات القطارات لمواجهة متاعب الارتفاعات في خط يبلغ ارتفاع أعلى نقطة منه أكثر من خمسة الاف متر فوق سطح البحر.

كما ستكون هناك أيضا أقنعة أوكسجين أسفل المقاعد. ويتواصل العمل بنشاط للانتهاء من اعداد خط السكة الحديدية في موعده قبل الاول من يوليو. ويصطف العمال مرتدين ملابس بألوان سوداء وزيتونية وزرقاء يعلوها التراب ويقومون بتثبيت مسار ثان مواز للمسار الاول، غير أن جدول العمل الذي يتواصل على مدار 24 ساعة يتسبب في كثير من التأخير لكثير من القطارات من والى شينينج. كما يقول عمال بالمطار الصغير في جولمود ان المطار يضج بالعمل خلال اليومين اللذين يستقبل فيهما الرحلات لنقل كثير من المهندسين والمسؤولين الذين يعملون في انشاء خط السكة الحديدية.

ولا يخفي سكان جولمود وهي كلمة منغولية معناها «مكان تتركز فيه الانهار» سعادتهم الشديدة ازاء احتمال أن تتحول مدينتهم التي يهيمن عليها الجيش والبالغ عدد سكانها نحو 200 ألف الى مركز للانتقال الى التبت. وسيصل خط آخر تم التخطيط له بين جولمود واقليم جانسو الى الشمال من تشينغاي، وهو ما يجعل ملايين أخرى من الصينيين أقرب الى منطقة الهيملايا المغلقة. وقال المهندس لي «تأخرنا في القيام بالتنمية. جولمود فقيرة ومتأخرة. سيكون خط السكة الحديدية جيد لنا».