وفد أوروبي يبحث تفاصيل إقامة خالد المصري في فندق بالعاصمة المقدونية

في إطار التحقيقات حول النشاطات السرية لوكالة الاستخبارات الأميركية

TT

يجري وفد برلماني أوروبي من «لجنة الامن البرلمانية»، المعنية بحقوق الانسان، تحقيقات مستفيضة حول تورط أجهزة الاستخبارات المقدونية والبوسنية والايطالية، في العمليات السرية للاستخبارات الاميركية الـ(سي أي إيه)، ونقلها لمتهمين بالارهاب عبر المطارات الاوروبية. وتشمل التحقيقات استجواب المسؤولين الامنيين والموظفين في وزارات المالية، حيث عثرت اللجنة، على ما وصفه أحد أعضائها ديك مارتي بـ«الأمر الذي يصعب فهمه»، لا سيما في ما يتعلق بخالد المصري، الذي تم اعتقاله في مقدونيا سنة 2004، وما يتعلق أيضا بهوية الجهة التي سددت أجرة الفندق الذي أقام فيه المصري، طيلة فترة احتجازه في سكوبيا، كيف يمكن لعاطل عن العمل الوصول من ألمانيا إلى مقدونيا، خلال فترة عيد الميلاد على متن حافلة، لتوفير بعض النقود ويعتصم بهذه الحجرة لمدة 23 يوما، ثم يسدد الحساب البالغ بضعة آلاف يورو من جيبه، وتختلف رواية الاستخبارات المقدونية المقدمة للجنة الامن بالبرلمان الاوروبي، عما ذكره خالد المصري، الذي تحدث للجنة عبر الانترنت، «احتجزت في غرفة في مقدونيا، ولم يكن يسمح لي بالخروج منها أبدا، ولم يختلف أسلوب الحرس هناك عن ممارسات السجانين، فقد خضعت لحراسة مشددة حتى عند الذهاب للحمام».

وعثرت اللجنة على ادلة مزورة تتعلق هذه المرة بعملية اقلاع طائرة السي أي ايه من مطار سكوبيا في 23 يناير (كانون الثاني) 2004، وطبقا لرواية المصري، فإن تلك الطائرة نقلته إلى أفغانستان بعد أن حطت في بغداد. وبعد مراجعة لوائح هيئة الرقابة للطيران الاوروبي، سجلت اللجنة البرلمانية الاوروبية توقف الطائرة البوينغ 737 رقم 313 بي تابعة لشركة وهمية، على مدرج مطار سكوبيا لتتابع مسارها، وهي طائرة صادفها البرلمانيون الاوروبيون سابقا لدى تحقيقهم في قضايا اختطاف أخرى. وأمام حقيقة كهذه أضطر وزير الداخلية المقدوني وعناصر الاستخبارات المقدونية للاعتراف باقلاع الطائرة من سكوبيا. والمشكلة أنه لا أحد سأل عن أهداف الرحلة ولا عن هوية ركابها وطاقمها، وهو أمر فريد من نوعه، كما تقول اللجنة الاوروبية، خاصة أن الطائرة توجهت إلى كابل، بعد أن توقفت في بغداد فترة اندلاع الحرب في العراق، «لذا من غير المعقول أن تتوقف الطائرة المدنية في بغداد لهدف سياحي». وقالت ماريا نايسفسكي الناشطة في منظمة هلنسكي لحقوق الانسان بمقدونيا، في اتصال هاتفي مع «الشرق الاوسط» من الممكن حدوث أعمال كهذه، والسلطات تراجعت عن نفيها السابق أمام الحقائق الدامغة، لقد حصلت وتحصل أمور كهذه هنا، لأن ديمقراطيتنا ضعيفة حتى الآن، ليست لدينا آلية رقابة فعلية تسمح للمجتمع المدني بالاعتراض على ما ترتكبه السلطات من أعمال غير مشروعة، وبفتح تحقيقات ملائمة «يخشى البعض من السياسيين أن تؤثر مثل هذه الممارسات في مساعي مقدونيا للانضمام للاتحاد الاوروبي، رغم أن الجدلية السياسية متوفرة في بلد مثل مقدونيا رغم صغره، ولا يزال يطالب باصرار بالانضمام للاتحاد الاوروبي.

ولا يقتصر رصد اللجنة تصرفات السلطات المقدونية، بل عدة دول أخرى، من بينها البوسنة، حيث تم اعتقال 6 جزائريين في أكتوبر (تشرين الاول) سنة 2001 ووجهت لهم اتهامات بتهديد سفارتي الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا، لكن القضاء البوسني برأهم من تلك التهم وأمر باطلاق سراحهم رغم الضغوط التي مورست عليه، فتم تسليمهم للاستخبارات الاميركية التي نقلتهم على متن الطائرة بوينغ 737 ورقم 313 بي التابعة لشركة وهمية إلى معسكر غوانتانامو، عبر مطارات أوروبية لم يفصح عنها حتى الآن، ولا تزال التحقيقات جارية بهذا الخصوص لمعرفة المزيد من أسرار تلك الرحلة، وبما أن الحكومة البوسنية الحالية لا علاقة لها بتلك العملية فإنها تتعاون بالكامل، بل باصرار مع التحقيقات، وكان البرلمان البوسني قد أقر بعدم شرعية ترحيل الجزائريين الستة، وقدمت الحكومة البوسنية تعويضات رمزية لاسر الجزائريين الستة، وطالبت الادارة الاميركية باطلاق سراحهم، وينتظر أن يتم الافراج عنهم قبل نهاية العام الحالي. وكشفت اللجنة البرلمانية الاوروبية تورط 25 عنصرا من الاستخبارات الاميركية في عملية احتجاز الامام أبو عمر المصري. وقد واجهت اللجنة الاوروبية الاستخبارات الايطالية بسؤال عما إذا كانوا متورطين في تلك العملية أو غير مؤهلين للوظائف التي يقومون بها، في حالة عدم علمهم بما كان يجري فوق اراضيهم من عمليات سرية للاستخبارات الاميركية. وقال رئيس الاستخبارات العسكرية الايطالية نيكولا بوفوري أكيد أن «الجهاز الذي اترأسه لم يتعاون مع الاوروبيين»، لكنه لم ينف تورط أجهزة استخبارات أخرى في بلاده في العملية. ومع ذلك لم تصدق اللجنة الاوروبية أقواله، «لا يعقل أن يتصرف 25 عنصرا من الاستخبارات الاميركية كما يحلو لهم فوق الاراضي الايطالية لبضعة اسابيع، من دون علم الاستخبارات العسكرية الايطالية، كما لا يمكن أن ينقل أشخاص بطرق غير شرعية عبر مطار روما من دون أن تعلم عناصر الاستخبارات المحلية بذلك، إنه أمر مناف للعقل، أو أن الاستخبارات الايطالية لا تتمتع بأي كفاءة، والسؤال كيف استطاع 25 عنصرا التحرك بحرية من دون إثارة اهتمام أحد». وكانت السلطات الايطالية قد نفت في وقت سابق علمها بالعملية التي وصفت بأنها أسوأ عملية اختطاف فاضحة. وقال عضو اللجنة والمدعي العام السويسري السابق ديك مارتي، «السلطات الايطالية السابقة لم تظهر أي اعتراض، والاسوأ من ذلك أنها عرقلت عمل القضاة ومنعتهم من ارسال مذكرات توقيف واستدعاء للمثول أمام القضاء الايطالي وهذا أمر مثير للقلق». وتابع «بصفتي ممثلا عن المجلس الاوروبي للحريات أشرف على التحريات الجارية حول الجرائم والممارسات غير المشروعة التي ارتكبتها عناصر الاستخبارات في أوروبا، مثل حادثة اختطاف الامام أبو عمر في 2003 ونقله إلى سجن مصري، وهي أسوأ عملية اختطاف نفذتها عناصر الاستخبارات على أرض أوروبية، ولم يصدر عن المؤسسات الحكومية الايطالية أي رد فعل مناسب». وأشارت اللجنة الاوروبية في تقريرها الاخير، استنادا لتقرير هيئة الرقابة الملاحية الجوية الاوروبية، إلى أن وكالة الاستخبارات الاميركية سيرت نحو ألف رحلة جوية، لكن الامر لا يتعلق بهذه المعلومة القديمة نسبيا، التي اعتبرتها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس مبالغا فيها، وإنما بتورط الاستخبارات المحلية في ذلك. وتؤكد اللجنة في تقريرها، أن القضية لا تتعلق بالتعاون ضد الارهاب، وإنما بخرق القوانين والاعراف الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، ومن ذلك احتجاز 6 جزائريين نقلوا من البوسنة الى غوانتانامو من دون محاكمة منذ فبراير (شباط) 2002، وهو ما يعني نجاح الارهابيين في الحصول على ما يؤكد نظرياتهم وهكذ استجابت بعض الجهات لذلك وألغت القوانين المرعية المدللة على تفوق الحضارة لصالح قانون اللاقانون، وأوروبا لم تحرك ساكنا ودفنت رأسها في التراب، وعلينا التحرك لوقف التدهور إذا شئنا انقاذ مكاسب الانسانية وتطورها الحضاري. ومن المتوقع أن يجدد القضاء الايطالي مطالبته بمثول عناصر الاستخبارات المتورطين في عملية اختطاف الامام أبو عمر المصري مجددا أمام القضاء بعد تشكيل حكومة رومانو برودي.