هل سيشهد العالم ميلاد دولة جديدة اليوم؟

استفتاء في الجبل الأسود قد ينتهي بإقامة أول دولة في البلقان بطرق غير دموية

TT

يتوجه سكان الجبل الاسود الى صناديق الاقتراع اليوم للمشاركة في استفتاء حول بقاء اقليمهم ضمن «اتحاد صربيا والجبل الاسود» أو استقلاله وتحوله الى «دولة ذات شرعية كاملة دوليا وقانونيا». وتجري هذه العملية في ظل استقطاب شديد بين المؤيدين وهم أنصار الائتلاف الحاكم والالبان والبوشناق (30 في المائة من عدد السكان) من جهة، وصرب الجبل الاسود المعارضين للاستقلال من جهة أخرى.

وبانتظار النتائج الرسمية المقرر إعلانها غداً، او اليوم الذي يليه على أكثر تقدير، فإن العالم يتابع باهتمام ما يجري في الجبل الاسود والمنطقة المحيطة به، خصوصا انها المرة الاولى في تاريخ منطقة البلقان (توصف دوما بأنها برميل بارود لا ينفد)، التي سيجري فيها احترام إرادة الشعب في اختيار مصيره من دون اللجوء للحرب او الوسائل الدموية. وتأتي أهمية المنعرج التاريخي في البلقان والتحول من الحلول العسكرية إلى الحلول السلمية بعد عشرية دموية، تذكر بمحاكم التفتيش وحروب القرون الوسطى وحروب القرن الماضي.

ويشار الى ان استحقاق اليوم سبقته عدة أحداث ساهمت في بلورته، اذ كانت البداية سنة 1997 إبان حكم الرئيس اليوغوسلافي الاسبق سلوبودان ميلوشيفيتش الذي توفي في سجن تابع لمحكمة جرائم الحرب الدولية بلاهاي في 11 مارس (آذار) الماضي ودفن في 18 من الشهر نفسه في صربيا، حيث أعلنت جمهورية الجبل الأسود توقفها عن مناصرة السياسة الصربية التي جلبت الدمار للمنطقة والمتاعب لشعبي صربيا والجبل الاسود، ولم تشترك في حرب كوسوفو سنة 1999. ثم واصل الجبل الاسود سياسة الابتعاد عن بلغراد فبدل الدينار الصربي باليورو الاوروبي وأجرى تعديلات على قوانين الجمارك والحدود، ومنع أداء شبان الجبل الاسود الخدمة العسكرية في صربيا. وبعد سقوط نظام ميلوشيفيتش نهاية سنة 2000، واصل الجبل الاسود مساعي الانفصال عن صربيا.

لكن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة غيرا من وسائلهما التكتيكية تجاه الجبل الاسود من الدعم المباشر أثناء فترة حكم ميلوشيفيتش إلى دور الوسيط بين «صديقين»، بيد أن الاستراتيجية بقيت كما هي. وقد تمكن المنسق الاوروبي للشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا في مارس 2003 من اقناع الصرب وسكان الجبل الاسود على توقيع اتفاق شراكة جديدة يتم بموجبها تغيير اسم يوغوسلافيا إلى «صربيا والجبل الأسود»، تستمر ثلاث سنوات، بعدها يحق لبوتغوريتسا اجراء استفتاء حول البقاء ضمن «اتحاد صربيا والجبل الاسود» أو الانفصال وإعلان دولة جديدة في المنطقة كاملة السيادة. وفي العام الماضي صوت 60 نائبا داخل برلمان الجبل الاسود على اجراء الاستفتاء واعترض 10 نواب وامتنع 5 عن التصويت، وبذلك أخذ الاستفتاء طابع الاجراء القانوني.

وقال المنسق الاوروبي الاعلى للشؤون الامنية والعلاقات الخارجية، خافيير سولانا، إن الاتحاد الاوروبي سيعترف باستقلال الجبل الاسود إذا صوت 55 في المائة من السكان لذلك، وهو الشرط الذي وضعه الاتحاد للاعتراف باستقلال الجبل الاسود. وقد منح ذلك الامل للصرب في فشل الاستفتاء، وقال رئيس الوزراء الصربي فويسلاف كوشتونيتسا ان «الاستفتاء سيفشل»، بينما أكد رئيس الوزراء في الجبل الاسود ميلودجو كانوفيتش أن «الاستقلال سينجح بنسبة 55 إلى 57 في المائة».

وبينما تشير بعض استطلاعات الرأي الى تصويت نسبة تتراوح بين 50 و55 في المائة لصالح الاستقلال، فإن استطلاعا اخيرا اشار الى ان النسبة المؤيدة للاستقلال قد تكون بين 54.5 و55.5 في المائة. وطالب رئيس «صربيا والجبل الاسود» سفيتوزار ماروفيتش بأن يكون الاستفتاء «شفافا». وقال رئيس الجبل الاسود فيليب فويانوفيتش في حديث تلفزيوني: «لا يوجد شعب يرفض الاستقلال، وكل الاستفتاءات التي تمت في هذا الخصوص كتب لها النجاح وهذا ما سيكون في الجبل الاسود يوم 21 مايو (ايار) القادم»، في اشارة الى استحقاق اليوم.

يشار الى ان عدد سكان الجبل الاسود يبلغ نحو 800 ألف نسمة، موزعين بين الالبان والبوشناق (مسلمون) بنسبة 30 في المائة تقريبا وتعود أعراق هؤلاء إلى الاليريين والارناؤوط سكان البلقان الاصليين، وبين السلاف الصرب (30 في المائة) والسلاف المونتينيغريين (40 في المائة) وجميع هؤلاء اورثوذوكس. يشار الى ان السلاف كانوا هاجروا إلى منطقة البلقان في القرن التاسع ميلادي.

ويأمل الصرب في صربيا والجبل الاسود في ظهور نتيجة تؤيد بقاء الاقليم ضمن اتحاد صربيا والجبل الاسود، وكان عدد من المسؤولين الصرب قد طلبوا من الرئيس فيليب فويانوفيتش الذي أخذ مكان رئيس الوزراء الحالي ميلودجو اكنوفيتش في يناير (كانون الثاني) 2003 بعد استقالته من الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، بإعداد استقالتيهما.

اما الذين يدعمون استقلال الجبل الاسود فهم الالبان والبوشناق. وقال فرحات دينوشا رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي الالباني» في الآونة الاخيرة: «من المؤكد أن الالبان في الجبل الاسود يؤيدون استقلال الجبل الاسود فهذه رغبة الشعب يوم الاستفتاء». وأعرب عن اعتقاده بأن غالبية السكان في الجبل الاسود مع الاستقلال. كما قال رانكو كريفوكابيتش رئيس برلمان الجبل الاسود «ان الاستقلال هو هدفنا لتحقيق تطلعات سكان الجبل الاسود بعيدا عن مشاكل صربيا السياسية والاقتصادية والدولية، ونعتقد بأن استقلال الجبل الاسود سيدعم الامن والاستقرار في منطقة البلقان». ورغم أن غالبية الصرب ضد الاستقلال، فإن وزير خارجية صربيا والجبل الاسود فوك دراشكوفيتش أكد على أنه سيهنئ الجبل الاسود على الاستقلال في حال نجاحه.