أميركيون صغار يتعلمون الصينية للتعامل مع «الطوفان الأصفر»

كان حلماً ردده شو إن لاي أمام ريتشارد نيكسون.. وتحول الآن حقيقة

TT

بدأ الدكتور آلبرت دوبونت سعيداً للغاية وهو يقف الى جوارنا ونحن نستمع الى الأطفال يلقون علينا التحية بلغة صينية لا شك فيها. كانت المدرسة اكسانغ دو، وهي أميركية من أصول تايوانية، تطلب من الأطفال أن يرددوا عبارات ترحيب ثم يختمون ذلك بالانحناءة الصينية التقليدية. وقال الدكتور دوبونت «كان الأمر مجرد حلم لكن سرعان ما تحول الى حقيقة».

هذه السنة بدأت مدرسة «كولج غاردنز الابتدائية» في ولاية ميريلاند تطبيق «برنامج الانغماس» بهدف تعليم تلاميذ المدارس الابتدائية اللغات الاجنبية. وتعد الصينية من اللغات الصعبة والمعقدة، لكن الآباء، كما قال الدكتور دوبونت «تحمسوا كثيراً لتعليم اطفالهم هذه اللغة». وأوضح أن 80 تلميذاً كانوا يرغبون في دراسة اللغة الصينية لكن لم يكن ممكناً استيعاب أكثر من 25 تلميذاً، مما اضطر إدارة المدرسة لاعتماد القرعة. ومن الواضح أن القرعة تعتبر من الوسائل الاساسية للاختيار في اميركا، من تأشيرة الدخول... الى تعلم اللغات.

عندما دخلنا الى غرفة تدريس اللغة الصينية، غمرت زملاء صينيين (كانوا ضمن صحافيين شاركوا في جولة نظمها مركز الصحافة الاجنبية في واشنطن) سعادة غامرة وهم يستمعون الى اميركيين صغار يتحدثون لغتهم. وكان راقهم كثيراً أن الدكتور دوبونت استقبلنا عند باب المدرسة بعبارات ترحيب باللغة الصينية. هذه التجربة تبين المراحل التي قطعتها العلاقات الاميركية الصينية من أول اتصال عبر فريق للعبة كرة الطاولة «بينغ بونغ» في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون في الستينات الى الدروس الخاصة باللغة الصينية في المدارس الحكومية الاميركية.

فحين زار نيكسون بكين سمع الزعيم الصيني شو إن لاي يقول والمترجم ينقل عنه «سيأتي يوم يا سيادة الرئيس يتحدث فيه الاميركيون اللغة الصينية... ذلك الجيل من الصينيين والاميركيين لن يحتاجوا الى مترجمين». فهل تحققت نبوءة شو إن لاي؟

بالفعل اصبحت اللغة الصينية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي وحتى الاجتماعي، بعد أن أغرق الصينيون الأسواق الاميركية بسلعهم الجيدة والرخيصة في الوقت نفسه.

تتناوب مدرستان على تعليم اللغة الصينية لتلاميذ «اللغة الصينية» في هذه المدرسة، التلاميذ جميعهم اميركيون ولكن من أصول مختلفة، فيهم البيض والاميركيون الافارقة واللاتينيون وبالطبع آخرون من أصول آسيوية. ولا يدرس التلاميذ الصينية كلغة، لكن يدرسون ايضاً الرياضيات والعلوم والفن باللغة الصينية. تقول مدرسة اكسانغ دو إن التلاميذ يتقنون جيداً الحديث بالصينية لكن ثمة مشكلة بالنسبة الى الحروف التي تبدو للاطفال الصغار كرسوم معقدة، وهي بالفعل كذلك.

ويراهن برنامج تعلم اللغات الاجنبية انفتاح التلاميذ على ثقافات أخرى حتى وان لم يتقنوا هذه اللغات. لذلك فإن الدراسة تركز على التواصل اللغوي والتعرف على عادات الشعوب.

تعتمد المدرسة الاميركية على علاقة متصلة بين هيئة التدريس والآباء، وتصادفت جولتنا مع غداء مشترك بين الآباء والأمهات والمدرسات والمدرسين. تناولنا وجبة الغداء مع الجميع، وقيل لنا إن تلك الوجبة كانت على نفقة الآباء... لذلك لم نسدد شيئاً ولم ننشغل بالفاتورة.

المفارقة أن اللغة التي «تنافس» اللغة الصينية حالياً قياساً لرغبة الاميركيين لتعلم اللغات الاجنبية.. هي العربية. بيد أن الاميركيين يفضلون دراسة العربية في المرحلة الجامعية او بعدها، في حين يفضل الآباء ان يدرس ابناؤهم الصينية بدءا من المراحل الاولى من التعليم الابتدائي. وطبقاً لاحصاءات رسمية فإن حوالي 656 الف طالب اميركي في الجامعات يدرسون الاسبانية و199 الفا يدرسون الفرنسية والف طالب يدرسون الالمانية و 43 الف طالب يدرسون اليابانية و28 الفا يدرسون الصينية و 26 الفا يدرسون اللاتينية و23 الفا يدرسون الروسية و16 الفا يدرسون اليونانية وفي آخر القائمة هناك اكثر من خمسة آلاف طالب يدرسون العربية.

ويقبل كثير من الطلاب الاميركيين المتخرجين حالياً على دراسة اللغات الاجنبية حيث يسهل لهم ذلك الحصول على امتيازات مادية إذا عملوا في الوزارات او الوكالات الحكومية، سواء داخل أو الولايات المتحدة او خارجها.