المئات يتجندون لإنجاح خطاب أولمرت في الكونغرس

TT

إذا كانت طواقم العمل في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي، ايهود اولمرت، قد عملت عدة أسابيع طويلة في الإعداد لزيارته للبيت الأبيض للقاء الرئيس جورج بوش، وكبار وزرائه وموظفيه، فإن الخطاب الذي ألقاه أمام جلسة خاصة لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في «كابيتول هيل»، مساء أول من أمس، احتاج الى طاقم مضاعف. فمثل هذا الخطاب يلقى في حالات قليلة ولا يحظى به أي رئيس يصل الى الولايات المتحدة. لكن كل رؤساء حكومات اسرائيل حظوا به منذ اتفاقات اوسلو، واولمرت طلبه وطلب من آخرين أن يتوسطوا من أجل القائه.

وتجند المئات من النشطاء والموظفين في ديوان الرئاسة في القدس والسفارة الاسرائيلية في واشنطن وقادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وأعضاء اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس وأجهزة الإعلام وغيرها، للعمل على انجاح الخطاب وتجنيد الحضور اليه. فالكونغرس الأميركي بالنسبة لاسرائيل لا يقل أهمية عن البيت الأبيض، بل في قضايا المساعدات المالية والمساندة العسكرية يعتبر بمستوى تأثير الرئاسة.

وكانت النتيجة واضحة: الحضور في الجلسة كان كاملا، وهي إحدى المرات النادرة التي يشهد فيها الكونغرس مثل هذا الحضور. وقوطع خطابه بالتصفيق واحدة وأربعين مرة. وفي إحدى وعشرين مرة منها، وقف النواب تصفيقا واحتراما للجمل الخاصة التي ألقاها في هذا الخطاب. ووابل من الدموع تمكن من اجتراحه من الحضور. وهذه ليست ردود فعل شكلية كما قد يبدو للبعض، انه زرع بذور لثمرات سيقطفها اولمرت على مدى دورة حكمه.

بدا أولمرت خطابه بتوجيه المدائح للولايات المتحدة، والأميركيون يحبون المدائح الزائدة، كما أوصى وفد من قيادة التنظيمات اليهودية الأميركية. وما زال يتردد في أجواء واشنطن صدى تصريح أولمرت لصحيفة «نيويورك تايمز» في الأسبوع الماضي الذي قال فيه: «أنا أنهض من فراشي كل صباح وأحمد الله على انه خلق اميركا والرئيس بوش والوزيرة (كوندوليزا) رايس». وأضاف أولمرت في الكونغرس هذه المرة: «الولايات المتحدة هي دولة عظمى، وعظمتها تتجاوز حدود الزمان والمكان. ومن بواعث سعادتي ان وقفتكم الى جانبنا تتجاوز حدود الأحزاب، وهي بالنسبة لنا مصيرية. اننا نقدس القيم والمبادئ التي تسترشدون بها. لقد قال ابراهام لنكولن ذات مرة: أنا ناجح اليوم لأنه كان هناك صديق لي آمن بي ولم يكن لدي قلب يسمح لي بأن اخيب آماله. واسرائيل تشكركم على انكم تؤمنون بها، واسمحوا لي ان أتعهد لكم بان اسرائيل لن تخيب آمالكم» ـ وبالطبع، تصفيق حار.

ثم انتقل أولمرت للحديث عن الإرهاب، وهمّه في ذلك اقناع الأميركيين بان اسرائيل ليست وحدها ضحية للارهاب الفلسطيني انما معها أيضا الولايات المتحدة. فقال: «في السنوات الست الأخيرة تعرضت اسرائيل لأكثر من 20 ألف محاولة لتنفيذ عمليات تفجير ضد مواطنيها المدنيين. وكان بين ضحايا هذا الارهاب أيضا مواطنون أميركيون». وهنا انتقل الى جانب درامي عندما اشار الى انه دعا لحضور الجلسة عائلة الطالب الثانوي اليهودي الأميركي، دانيل وولتس، 16 عاما، الذي توفيَّ قبل عشرة أيام متأثرا بالجراح التي أصيب بها خلال العملية التفجيرية في تل أبيب التي نفذها أحد عناصر الجهاد الاسلامي «كل ذنبه انه أراد أن يمضي عطلة عيد الفصح في اسرائيل مع ذويه». ثم صاح أولمرت: «اسمحوا لي أن أعلنها صريحة: لن نستطيع الخنوع للارهاب». وأعادها ثلاث مرات، في حين وقف جميع الحاضرين يصفقون بحرارة. وتابع مهاجما «حماس»، التي «تتبع العداء الشرير للسامية وتهلل للارهاب وتتعهد بابادة اسرائيل». ثم أعلن وسط التأييد والحماس ان هذه الحركة لا يمكن ان تكون شريكا في مفاوضات سلام طالما تتبنى هذه المبادئ، وينتقل الى الحديث عن أبو مازن. فقط قبل اشهر قال أولمرت إن الرئيس محمود عباس (ابو مازن) ليس شريكا مناسبا بل انه عاجز وضعيف، لكنه الآن يناديه برئيس الدولة الفلسطيني ويعلن: «انني أمد يد السلام الى محمود عباس، الرئيس المنتخب. نحن مستعدون لادارة مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية. لقد تعلمنا أن نحدث تغييرا في مواقفنا. فمن واجبنا أن نتنازل عن قسم من الأراضي الموعودة لنا، في سبيل السلام. علينا أن نتنازل عن قسم من أحلامنا حتى يستطيع الآخرون أن يحققوا قسما من أحلامهم. ففي ذلك نعيش كلنا حياة افضل. لهذه المهمة القاسية المؤلمة، لكن الضرورية، انتخبت حكومتي، وأنا ملتزم بذلك بكل قوتي».

من هنا كان طريقه قصيرا للحديث عن خطة الفصل، فقال: «.. لن نستطيع الانتظار طويلا للفلسطينيين. نريد أن نبني مستقبلا آخر مع جيراننا الفلسطينيين، ولكن إذا لم يتجندوا، فسنتقدم وحدنا. لا نستطيع أن نبقي مستقبلنا رهينة بأيدي الآخرين». واختتم أولمرت: «هذا هو الوقت. التاريخ سيحكم على أبناء هذا الجيل حسب الخطوات التي سنسير عليها اليوم. لكم وللشعب الأميركي العظيم اقول: زيدوا عزما وقوة، فنحن من الشعوب التي تقدس الحرية، سنكون معكم. بارك الله فيك يا أميركا».

وللمرة الواحدة والعشرين وقفوا على الأقدام وهذه المرة صفقوا وصفقوا أكثر واكثر، ثم اندفعوا لتحيته ومصافحته بحرارة، لكنه سارع ليعانق عائلة الفتى الأميركي وولتس، فزاد الاعجاب به أكثر «لقد نجح في اثارة عواطف الأميركيين، جمهوريين وديمقراطيين، سودا وبيضا، ليبراليين ومحافظين»، قال زعيم الحزب الجمهوري، جون ويرنر، معلقا. وأضاف زعيم الديمقراطيين، هاري ريد: «في آخر خمسين سنة، لم يشهد الكونغرس خطابا مؤثرا بهذا المستوى».

لم ينتبه هؤلاء بالطبع الى انه في الوقت الذي كان فيه أولمرت يلقي خطابه السلامي المؤثر في الكونغرس، كانت قواته الاحتلالية تقتحم رام الله وتحصد بالرصاص أربعة قتلى واكثر من 30 جريحا. وكانت غزة في حصار قاتل. والضحية الفلسطينية لم تفلح بعد في اطلاق خطاب مقنع بأنها المعنية بالسلام. فالحكومة تواصل الكلام المغلف والمبطن والفلسطينيون مشغولون بتصفية بعضهم بعضا.