سجناء مغاربة حولوا حياة السجن إلى مجال للإبداع.. ومنتجاتهم تغزو الأسواق

الملك محمد السادس فاجأ الكثيرين بزياراته للسجون ومعارض السجناء

TT

أصبح المغرب يوجه اهتماما خاصا نحو السجون، سواء من خلال محاولة إدماج سجنائه في الحياة العامة من خلال دمجهم في أنشطة مهنية مختلفة، أو من خلال محاولة التقليل من مجال الانحراف داخله، على الرغم من أن عوامل الاكتظاظ وسوء الإدارة تقف حجر عثرة أمام الكثير من هذه الطموحات.

وشهد عدد من سجون البلاد خلال الأشهر الماضية، أنشطة تميزت بكونها أنتجت حصريا من طرف السجناء، بما فيها مسرحيات وعروض فنية ومعارض للرسم ومباريات رياضية.

ويقوم العاهل المغربي الملك محمد السادس شخصيا، في أحيان كثيرة، بزيارات لمعارض لسجناء، أو لمؤسسات سجنية للاطلاع عن أحوالها عن قرب، وهي زيارات فاجأت الكثيرين بمن فيهم السجناء، على اعتبار أن السجن هو مكان للعقاب المطلق، ولم يكن احد ينتظر زيارة الملك بنفسه. وقام العاهل المغربي أخيرا بزيارة لسجن «تولال» في مدينة مكناس (وسط). كما زار معرضا في مدينة الدار البيضاء قدم فيه السجناء منتجاتهم في أعمال الخزف والرسم والزرابي وأشياء كثيرة أخرى، وهي منتجات تجد طريقها، تحت إشراف مركز الرعاية اللاحقة، إلى أحسن الأسواق المغربية بحثا عن زبائن غالبا ما يجدون فيها الكثير من الإثارة والجودة.

وتحاول هذه الأنشطة أن تخفف ولو نسبيا من حالة الاحتقان داخل السجون المغربية، في ظل شكاوى متصاعدة من حالة الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه، وفي أحيان كثيرة أخرى استشراء الانحراف واستهلاك المخدرات، والتي تحول السجون من أمكنة للإصلاح والردع إلى بؤر للتشجيع على المزيد من الانحراف.

كما تطمح عدد من السجون إلى تخصيص فضاءات وورشات لتكوين نزلائها في مهن يمكن أن تفيدهم بعد إطلاق سراحهم، خصوصا بالنسبة للسجناء صغار السن، الذين يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان أمام فراغ قاتل بعد الإفراج عنهم، مما يجعلهم يطرقون أقصر الأبواب من أجل العودة إلى الزنازين من جديد. وتقول آسية الوديع، عضو المجلس الإداري لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، إن تجربة التكوين المهني داخل المؤسسات السجنية هي الكفيلة بتسهيل عملية إعادة إدماج النزلاء اجتماعيا واقتصاديا بعد الإفراج عنهم.

وتضيف الوديع ان العاهل المغربي زار سجن تولال للاطلاع على حصيلة عمل مركز التكوين المهني التابع لهذه المؤسسة السجنية، إذ أن هذا المركز يندرج في إطار مخطط شمولي تشرف عليه المؤسسة بشراكة مع عدد من الفاعلين في مجال معالجة مسألة المعتقلين، والرامي أساسا إلى ربط السجن بعملة التكوين والتأهيل في مختلف السجون المغربية. وتطمح المؤسسات المهتمة بتأهيل السجناء إلى تعميم عملية تكوين السجناء لتشمل مختلف المؤسسات السجنية بالمغرب، والتي يتم إحداثها بناء على ما يتطلبه سوق الشغل لتمكين المستفيدين من إيجاد فرص للشغل بمجرد مغادرتهم لهذه المؤسسات، وأن تسلم لهم شواهد تثبت بأنهم تلقوا تكوينا داخل السجن.

وتقول مؤسسة محمد السادس، إن عملية التكوين داخل السجون لقيت نجاحا كبيرا حيث نجح عدد من النزلاء، بعد الإفراج عنهم، في إيجاد عمل في مقاولات في مختلف التخصصات، ولأن هناك مقاولات أخرى أبدت استعدادا لإدماج نزلاء آخرين بعد الإفراج عنهم.

ويضم مركز التكوين المهني التابع للسجن المحلي بتولال، الذي بدأ العمل سنة 2003، عددا من المحترفات تهم ستة تخصصات منها كهرباء البناء والترصيص والحلاقة والخياطة، إضافة إلى مكتبة متعددة الوسائط وقاعة للإعلاميات وأخرى لمحاربة الأمية والتربية غير النظامية. ويتلقى النزلاء، الذين يستفيدون من خدمات المركز، تكوينا نظريا وتطبيقيا يوازي التكوين الذي تقدمه مختلف مراكز التكوين المهني وإنعاش الشغل. كما يتسلم النزلاء شهادات لا تتضمن أي إشارة إلى أنهم تلقوا تكوينا داخل السجن وذلك لتأهيلهم لولوج سوق الشغل بعد الإفراج عنهم.

وبرع السجناء المغاربة أيضا في كتابة مسرحيات وتمثيلها، حيث قدمت من قبل عدة عروض مسرحية في عدد من السجون، وأجريت مباريات رياضية بين فنانين أو صحافيين وبين سجناء، وهي لقاءات أبعدت إلى حد كبير تلك الأفكار النمطية التي يحملها المجتمع عن السجون والسجناء. وبينت هذه اللقاءات والأنشطة والمعارض أن السجون، بقدر ما تؤوي من مجرمين خطيرين يستحقون العقاب، فإنها تضم أيضا الكثير من النزلاء الذين يؤدون ثمن أخطاء ارتكبوها عن غير عمد في أحيان كثيرة، وهؤلاء يظلون بالأساس في حاجة إلى استمرار حبل الود مع العالم الموجود خارج جدران زنازنهم.