اليابانيون يواجهون ضغط العمل بالنوم مع الأسماك

برنامج للاسترخاء مع قناديل البحر المضيئة وأنغام الموسيقى

TT

مع غروب شمس هذه البلدة الساحلية، توجهت الشقيقتان اكيكو وكونيو هيروتاني نحو المجهول: ستذهبان للنوم مع الاسماك، وحملتا معهما حقائب نوم ووسائد.

وكانت الشقيقتان ضمن مجموعة من 30 امرأة اخرى تتراوح اعمارهن بين 28 و57 سنة يعانين من الضغط والتوتر. وتسعى المجموعة لسلام داخلي عبر التواصل مع الحياة البحرية. ومقابل 120 دولارا ستقضي المجموعة الليلة في اكواريوم انوشيما ضمن برنامج للاسترخاء – يشمل جلسة لمدة 45 دقيقة تجري فيها النساء تدليكا ذاتيا في غرفة لا تضيئها الا مجموعات من قناديل البحر المضيئة تسبح في حوض على انغام الموسيقى.

وقبل منتصف الليل، دخلت الشقيقتان داخل حقائب النوم امام حائط زجاجي ضخم. وشهدتا لعدة ساعات مخلوقات بحرية من كل شكل ولون تسبح وسط المياه. وقالت اكيكو، وهي في الثلاثين من عمرها وتدير شركة للملابس في طوكيو، «اشعر بالاسترخاء التام، وكأني اطفو، او انني في الحوض مع الاسماك» قبل ان تغفو. وتجدر الاشارة الى ان هذا البرنامج في ذلك المنتجع غرب العاصمة طوكيو هو جزء من البحث عن الصفاء الذاتي وهي صناعة يصل حجمها الى 30 مليار دولار سنويا يطلق عليها «الصناعة الاستشفائية».

وبالرغم من ان اليابان تنتشر فيها منذ امد بعيد مراكز شياتسو للتدليك ومحلات العلاج بالاعشاب، فقد اضيفت اليها في الآونة الاخرى اشياء اخرى مثل «اليوغا الساخنة» حيث يمارس الاشخاص اليوغا في غرف تصل درجة حرارتها الى 98 فهرنهايت، وما يعرف باسم «منازل استشفائية» مجهزة بحمامات بخار واضواء خافتة.

ويرجع انتشار مراكز الاسترخاء في اليابان الى تغييرات في الدور الاجتماعي للرجال والنساء وفي اماكن العمل التي تزيد من الضغوط – في الوقت الذي يتوفر مع الناس فائض مادي يصرفونه في مثل هذا الامور. وذكر المحللون ان المنتجات والخدمات العلاجية واحد من اسرع القطاعات نمو في اليابان، وتساهم في استمرار الانتعاش الاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات. وذكرت مؤسسة موتسوبيشي للابحاث والاستشارات ان قطاع الاستشفاء تضاعف تقريبا في العقد الاخير.

وفي العام الماضي انفق الناس 6 مرات اكثر على الاستشفاء اكثر مما انفقوه على شراء اجهزة التلفزيون المسطحة، وخمس ما انفقوه على السيارات. واوضح هيرويا كوبوتا رئيس معهد ادارة الضغوط في طوكيو ان «اليابانيين يؤمنون دائما بمفهوم الاستشفاء، ولكن الفرق هذه المرة هو اننا ننظمه ونبيعه بطريقة لم يسبق لها مثيل. ولماذا ننفق مثل هذه المبالغ الضخمة على الاستشفاء؟ ربما اصبح اليابانيون في غاية الثراء، او حياتنا اكثر سهولة. ليست لدينا مجاعات. ومستوى الفقر والبطالة منخفض للغاية. ربما جعلنا هذا الثراء ننظر الى مشاكلنا البسيطة على انها معقدة وضخمة».

الا ان العديد من علماء الاجتماع يقولون انها تواجه احتياجات ومشاكل حقيقية ناتجة عن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي المستمر منذ 13 سنة. وبالرغم من ازدهار الاوضاع في اليابان فإن العديد من الناس يشعرون بالارتباك من الادوار الجديدة التي عليهم القيام بها. فانكماش حجم الشركات ادى الى التأثير على المفاهيم القديمة بالعمل مدى الحياة والولاء للشركات، واصبحت الترقيات وزيادة المرتبات تعتمد اكثر واكثر على الاداء بدلا من مدة العمل، في الوقت التي بدأت فيه العديد من الشركات ذات الافكار الجديدة في الظهور في اليابان.

ويزداد القلق بخصوص المستقبل في بلد كان يعتز دائما بوجود «طبقة متوسطة كبيرة» ولكنه بدأ الآن في الانقسام الى طبقة في غاية الثراء وطبقة اخرى فقيرة نسبيا. وفي الوقت ذاته يعبر الكثير من الشباب عن غضبهم عبر ما يعرف باليابانية باسم «كريريو» وهو حالات العنف المفاجئ التي تؤدي الى اصابات او قتل.

ولم يشعر احد بمثل هذه التغييرات اكثر من النساء، اللائي دخلن الى قطاع العمل بأعداد كبيرة في العقد الماضي. وبدأت العديد منهن، مع حصولهن على الاستقلال المادي، في عدم الزواج او عدم الانجاب حتى سن الثلاثين او الاربعين.

وقالت ايكو واتانابي، وهي امرأة غير متزوجة في السادسة والثلاثين من عمرها، تعمل في مجال معالجة المعلومات وشاركت في الاستشفاء في الاكواريوم، «لم يتعامل جيل امي مع ضغوط العمل التي اواجهها». وتنفق ايكو 150 دولارا شهريا على العلاج بالاعشاب وغيرها من عمليات الاستشفاء. وينفق البعض ما يصل الى 500 دولار شهريا.

وتلعب الروحانيات دورا محدودا في اليابان المعاصرة، وهو مجتمع بوذي وشينتو تقليدي. الا ان ذلك بدأ في التغير. ويدلل الخبراء على ذلك بانتشار المجموعات الدينية الجديدة. اما بالنسبة للتقليديين، فقد زادت شعبية رحلات السير لزيارة 88 معبدا بوذيا في جزيرة شيكوكو. الا ان معظم اليابانيين يتبنون نظرة علمانية للتخلص من الضغوط. فقد زاد حجم المصحات الفاخرة وعيادات التدليك المتقدمة 11 مرة في الاربع سنوات الماضية واصبحت صناعة حجمها مليار دولار. وتقدم تلك المصحات العديد من انواع العلاجات مثل العلاج بالاعشاب او التدليك المعروف باسم لومي لومي وهو اصلا من جزر هاواي وتصل تكلفته الى 300 دولار او اكثر للساعة الواحدة. كما توسع في اليابان العلاج عبر الحيوانات، ولا سيما استئجار حيوانات أليفة تسمح للشخص بالاستمتاع بصحبة الكلاب او القطط بدون مشاكل ملكيتها. ففي طوكيو وحدها قفز عدد محلات الحيوانات الاليفة التي تؤجر الحيوانات بالساعة او باليوم او الاسبوع سبع مرات في ثلاث سنوات واصبح عددها الان 115 محلا في عام 2004.

واصبحت الاحواض الزجاجية التي تحتوي على قناديل البحر من الاشياء الاساسية في المطاعم. ويقول علماء البيولوجيا في اكواريوم انوشيما ان دراستهم اثبتت ان مراقبة الحركة البطيئة لقناديل البحر تؤدي الى انتاج مادة في لعاب الشخص تؤدي للاسترخاء. ويبدو ان ذلك هو السبب وراء زيادة مبيعات مستودعات قناديل البحر، التي تتراوح اثمانها بين 200 الى 4 الاف دولار.

وفي الوقت ذاته فإن قناديل البحر في الاكواريوم اصبحت اهم وسائل الاستشفاء واكثرها شعبية الى درجة انها يجرى يانصيب لاختيار المشاركين فيها.

ففي الساعة التاسعة مساء جلس 30 شخصا محظوظا على الارائك في الغرفة المظلمة ينظرون الي مستودع زجاجي يحتوي على 7 انواع من قناديل البحر.

ومع انتشار روائح لنباتات عطرية وموسيقى هادئة في الغرفة، بدأ خبراء في التدليك المعروف باسم لومي لومي في تدريب النساء كيفية الاسترخاء بتدليك اقدامهن واذرعهن.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»