الصومال: مدينتا جوهر ومهداي الاستراتيجيتان في قبضة «المحاكم الإسلامية»

معلومات عن فرار أمراء الحرب إلى إثيوبيا.. والبرلمان الصومالي يجيز نشر قوات تدخل أفريقية لحفظ السلام في البلاد

TT

سيطرت مليشيات المحاكم الإسلامية على مدينة جوهر (90 كم الى الشمال من مقديشو) آخر معاقل زعماء الحرب الصوماليين المنضوين تحت لواء «التحالف لمكافحة الإرهاب واستعادة السلام» والذين فروا من مقديشو الأسبوع الماضي، وترددت أنباء عن فرارهم مجدداً، ولكن هذه المرة في اتجاه إثيوبيا. وجاءت هذه التطورات العسكرية في وقت صادق اعضاء البرلمان الصومالي على مشروع حكومي يطلب نشر قوات أفريقية لحفظ السلام في الصومال، الامر الذي ترفضه المحاكم الاسلامية. وبدا رئيس الحكومة الانتقالية علي محمد جيدي مرتاحا للإنجاز الجديد الذي حققته ميليشيات المحاكم الإسلامية وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس : «بالتأكيد نحن نرحب بأي اتجاه لتخليص البلاد من شرور أمراء الحرب لكننا في الوقت نفسه ندعو الميليشيات الإسلامية إلى العمل معنا لخدمة المصالح العليا للشعب الصومالي».

واثارت هذه التطورات اسئلة تتعلق بمصير العلاقة بين المحاكم الاسلامية والحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله يوسف احمد، وكذلك الموقف الاميركي الذي سيظهر خلال اجتماع «مجموعة الاتصال حول الصومال» التي تنعقد اليوم في نيويورك بمبادرة من الولايات المتحدة. وبدا الصومال أمس على أعتاب مرحلة جديدة، بعدما مدت المحاكم الإسلامية نفوذها باتجاه جوهر بعد أقل من أسبوعين من سيطرتها على مقديشو. وبحسب حصيلة أولية للاشتباكات التي دامت ثلاث ساعات فقط، فقد قتل نحو 12 شخصا بينما أصيب عشرون آخرون بجروح متفاوتة.

وفور سيطرة ميلشياته على المدينة خاطب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيس المحاكم الإسلامية سكان المدينة الذين احتشدوا في ملعبها الوحيد لكرة القدم، متعهدا بضمان الأمن في المدينة بعد هزيمة أمراء الحرب.

ووسط هتافات التكبير والتهليل قال شريف إنه فرض حظرا مؤقتا للتجول داخل المدينة اعتبارا من الثامنة مساء وحتى مطلع الفجر، وأكد أن ميلشياته «هزمت أمراء الحرب شر هزيمة بعدما أذاقوا الويل لسكان جوهر ومقديشو لفترة طويلة».

وقد اجتاح مئات من مليشيات المحاكم الإسلامية مدينة جوهر صباحاً من اتجاهين، وسيطرت على المطار أولا ثم تحركت الى داخل المدينة وسيطرت على جميع المواقع المهمة فيها، فيما أبدت مليشيات «التحالف لمكافحة الإرهاب» مقاومة عنيفة لكنها اضطرت للتراجع بعد ساعات من القتال.

وكان زعماء الحرب الرئيسيون في «التحالف» قد غادروا المدينة خلال الساعات الأولى من الصباح مصطحبين معهم عددا من الآليات العسكرية باتجاه منطقة جلجدود التي تقطنها قبائلهم فيما لم تستطع المليشيات المتبقية في مدينة جوهر الصمود أمام مليشيات المحاكم الإسلامية. وبسيطرتهم على مدينة جوهر التي كانت سابقا مقرا للحكومة الانتقالية قبل أن تنتقل الى مدينة بيداوا بغرب البلاد تكون المحاكم الإسلامية قد أحكمت قبضتها على ما يسمى بالحزام الأمني للعاصمة وتتحكم في الطرق الرئيسية التي تربط مقديشو بالمحافظات الوسطى والشمالية من البلاد. وطمأن قادة المحاكم الإسلامية السكان المحليين الذين نزحوا من منازلهم بسبب القتال بالعودة اليها. وتنتشر أفراد مليشيا المحاكم على كل الشوارع داخل المدينة ودعت القيادات المحلية الى الاجتماع مع قادة المحاكم للتشاور حول الوضع الجديد في المدينة. وقد خطب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية أمام حوالي خمسة آلاف من السكان وقال إن المحاكم الإسلامية ستحافظ على الأمن والنظام. ومنعت المحاكم الإسلامية أيضا جميع مظاهر التسلح في المدينة.

وبعد ساعات من السيطرة على مدينة جوهر تحركت مليشيات المحاكم الإسلامية باتجاه مدينة مهداي التي تبعد 110 كم الى الشمال من العاصمة مقديشو واستولت عليها بالكامل في تحرك يظهر منه أنه لإحكام قبضتها على جميع مدن وقرى محافظة شبيلي الوسطى.

وقال قيادي بارز في المحاكم الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» من مدينة جوهر، إن الهجوم على المدينة اتخذ بسبب تلقي المحاكم معلومات أمنية حول تحصن أمراء الحرب وزعماء الميليشيات الفارين من مقديشو داخل المدينة واستعدادهم لشن حرب جديدة ضدها.

وأوضح القيادي الذي طلب عدم نشر اسمه أن ميليشيات المحاكم حصدت غنائم تمثلت في عربات قتال مجهزة براجمات الصواريخ بالإضافة إلى أسر عشرات من الميليشيات التابعة لأمراء الحرب.

وتعهد مسؤول في المحاكم الإسلامية بالاستمرار في ملاحقة أمراء الحرب وتقديمهم للعدالة بسبب ما وصفه بجرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب الصومالي.

وبينما نفى الشيخ شريف أحمد رئيس المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية وجود أي نية لديه لمهاجمة مدينة بيداوا، فان مسؤولا في الحكومة الصومالية قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك مخاوف من أن تكون للمحاكم الإسلامية ما وصفها بالأجندة السرية للسيطرة على كامل البلاد مستغلة بذلك حالة الذهول السياسي التي لم تفق منها منذ هيمنتها على مقدرات العاصمة.

وقال المسؤول ذاته: «هم يسيطرون الآن على مقديشو وقد يعلنون في أي لحظة قيام دولة إسلامية استنادا إلى وجودهم في العاصمة ويطلبون من دول العالم الاعتراف بهم» على غرار ما فعلته جمهورية أرض الصومال التي أعلنت عام 1991 انفصالها من طرف واحد عن الدولة الصومالية.

واعتبر عبد الرحمن ديناري الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية أن المعلومات المتداولة في هذا الصدد مجرد شائعات لا أساس لها، فيما أكد عبد الله حسن سفير الصومال في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية أن لدى القوات الموالية للحكومة من القدرة ما يؤهلها للرد على أي محاولة لاقتحام معقلها في بيداوا.

من جهة أخرى صوت البرلمان الصومالي لصالح المشروع الذي قدمته الحكومة الصومالية للبرلمان والقاضي باستقدام قوات تدخل إفريقية للقيام بمهة حفظ السلام ونزع سلاح المليشيات القبلية وبعد مداولات استمرت لمدة ثلاثة أيام متواصلة صوت 125 نائبا (من أصل 199 حضروا الجلسة) لصالح المشروع فيما رفص 72 نائبا له (البرلمان الصومالي يتكون من 275 عضوا). وتنص الخطة البرلمانية التي حازت موافقة البرلمان بالأغلبية بنشر قوات تدخل إفريقية في الصومال تأتي من دول منظمة «الإيقاد» لكنها تستثني في المرحلة الأولى دول الجوار الجغرافي للصومال ( إثيوبيا وكينيا وجيبوتي) هذه الدول التي يسمح لها بالمشاركة فقط في الشؤون اللوجيستية والتدريبات بدون أن تبعث بجنود لها الى الصومال. وكان مشروع التدخل الإفريقي عالقا منذ أكثر من عام انقسمت بسببه الحكومة والبرلمان الصوماليان لكنه جاز موافقة البرلمان أخيرا. ويبقى تحديد مصدر تمويل عمليات القوات الإفريقية في الصومال وتحديد مهماتها وكذلك المدة الزمنية التي سوجد فيها في البلاد، ومن المتوقع أن تثير هذه التفاصيل التي تركت بدون نقاش خلافات جديدة داخل البرلمان بين الرافضين للمشروع والذين صوتوا لصالحه. وكانت المحاكم الإسلامية تلك القوة الجديدة التي سيطرت على الوضع في العاصمة ومناطق أخرى من جنوب البلاد قد أعلنت رفضها نشر أي قوات أجنبية في الصومالي أيا كانت لكنها لم تحدد الخطوة التي ستتخذها في حالة إقادم الحكومة علي ذلك.

وأعرب رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي في اتصال هاتفي اجرته «الشرق الأوسط» بنيروبي التي يزورها حاليا عن سعادته بموافقة أعضاء البرلمان على خطة حكومته.

وقال جيدي: «هذه خطوة مهمة إلى الأمام ونأمل أن يستجيب المجتمع الدولي لطلبنا الإسراع بتقديم مساعدات مالية ولوجستية عاجلة لتمكين الحكومة من البدء في نشر هذه القوات خلال الأسابيع القليلة المقبلة».

لكن الشيخ شريف أحمد قال لـ«الشرق الأوسط» انه ما زال يعارض الاستعانة بقوات حفظ سلام من خارج الصومال، معتبرا أن وجودها يهدد الجهود الرامية إلى تحقيق الوحدة الوطنية وطي صفحة الحرب الأهلية الطاحنة.

من جهة اخرى، افادت منظمة «اطباء بلا حدود» امس عن ارتفاع كبير في عدد الاطفال الذين يعانون من سوء التغذية خلال الاسبوعين الماضيين، في جنوب الصومال، خصوصاً في دينسور حيث تندلع اشتباكات بين فترة واخرى الى جانب موجة جفاف قاسية. واوضحت في بيان تلقته «الشرق الأوسط» من مكتب المنظمة في لندن أمس، ان احد مراكزها الطبية للتغذية في جنوب الصومال عالج منذ مطلع 2006 عددا من المرضى يفوق بعشرة اضعاف العدد الذي عالجته خلال الفترة ذاتها من العام 2005 وذلك على الرغم من عودة الامطار التي حدت من تأثير الجفاف.

واوضح البيان ان «الازمة الغذائية في اقليم دينسور الجنوبي تطاول بصورة خاصة الاطفال ما دون الخامسة» وان المركز الطبي للمنظمة في دينسور، هو المركز الوحيد في اقليم باي الذي يشتمل على معدات واجهزة طبية شاملة، وحيث يحاول اكثر من 650 الف شخص الكفاح للحصول على الحد الادنى من الاهتمام الطبي.

وذكر مدير البرامج في «اطباء بلا حدود» برينو جوشام ان «التدهور البنيوي في الوضع الصحي للمواطن الصومالي العادي، سنة بعد اخرى، مقلق للغاية. وتوترالوضع السياسي والامني في البلاد يزيد من هذا القلق للاشهر المقبلة... وفي وقت يواجه جنوب البلاد ازمة غذائية خطيرة وانقطاعا في المياه نتجا عن سنوات من الجفاف»، مشيرة الى «غياب المنظمات الانسانية الدولية ميدانيا».