مدينة جوهر تجتذب الميليشيات.. والحروب

أخصب المناطق الزراعية في الصومال.. وكان فيها أكبر مصنع للسكر بشرق أفريقيا

TT

تقع مدينة جوهر (عاصمة محافظة شبيلي الوسطى) علي بعد 90 كم الى الشمال من العاصمة مقديشو وتقع على الطريق المعبد الذي يربط العاصمة مقديشو بالمحافظات الوسطى والشمالية من الصومال كانت تابعة لإقليم «بنادر» (مقديشو وما حولها) قبل أن تصبح إقليما إداريا بذاته في السبعينيات.

ويبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف شخص ويشقها نهر «شبيلي» الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية الى نصفين. وتعتبر واحدة من أخصب المناطق الزارعية في الصومال وكانت تحتضن أكبر مصنع للسكر في شرق أفريقيا لكن الميليشيات المتحاربة أثناء الحرب الأهلية دمرت هذا المصنع وباعت تجهيزاته في سوق الخردة.

يقطن المدينة خليط من القبائل ينتمون الي قبيلة «الهوية» وقبائل «البانتو» الصومالية المعروفة باحترافها الزراعة. وكانت مدينة جوهر نظرا لأهميتها الاقتصادية والحربية مطمعا للميليشيات القبلية فوقعت في أيدي أطراف قبلية مختلفة الى أن استولى عليها محمد عمر حبيب المعروف بمحمد طيري عام 2001 عندما انشق عن الحكومة السابقة بقيادة الرئيس عبدي القاسم صلاد حسن وفرض حكمه عليها حتى هزيمة ميليشياته صباح امس على يد مليشيات المحاكم الإسلامية. وقد اجتذبت هذه المدينة أنظار المنظمات الدولية العاملة في الصومال بسبب الاستقرار الأمني الذي كان سائدا فيها وفتحت الأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية وغير الحكومية مكاتب ميدانية فيها.. وعندما تم تشكيل الحكومة الصومالية الحالية في المنفي بنيروبي في أكتوبر (تشرين الأول) 2004 لم تجد مكانا تعمل منه داخل البلاد بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في العاصمة فوقع اختيارها بعد 6 أشهر على مدينة جوهر بضيافة حاكمها محمد عمر حبيب.

لكن شهر العسل لم يدم أكثر من عام حتى دبت الخلافات بين الرئيس عبد الله يوسف احمد وحاكم المدينة محمد حبيب، فقرر الأخير طرد الحكومة من المدينة، وأعلن قادة الحكومة بمن فيهم الرئيس يوسف بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم ووجدت الحكومة ملاذا لها في مدينة بيداوا 250 كم الى الغرب من العاصمة ولا تزال. وجاء ذلك بالتفاهم مع عدد من قادة الفصائل الصوماليين الذين هم أيضا أعضاء في الحكومة والبرلمان.

وعادت مدينة جوهر الى الساحة مجددا في فبراير (شباط) الماضي عندما انضم حاكمها محمد حبيب الى «التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه مدعوم من الولايات المتحدة في إطار مكافحة الإرهاب بالمنطقة.. وقد انضم حاكم المدينة محمد حبيب الى هذا التحالف وأصبحت مدينة جوهر محطة لعقد الاجتماعات بين قادة تحالف مكافحة الإرهاب ومندوبين من وكالة المخابرات المركزية الأميركية للتنسيق في مطاردة إسلاميين مطلوبين في الصومال قيل إن المحاكم الإسلامية تؤويهم في العاصمة، الأمر الذي نفته المحاكم بشدة.

ويتهم الإسلاميون الذين سيطروا على المدينة حاليا محمد حبيب بأنه استخدم مطار مدينة جوهر لترحيل مختطَفين إسلاميين وتسليمهم الى الولايات المتحدة لاستجوابهم.

وفر عدد من زعماء تحالف مكافحة الإرهاب الى مدينة جوهر الأسبوع الماضي عندما خسروا مواقعهم في العاصمة مقديشو في الحرب ضد ميليشيات المحاكم لتكون المدينة مرة أخرى مسرحا لعملية اقتتال بين مليشيات الجانبين آلت سيطرتها آخيرا الى المحاكم الإسلامية.

ومن المفارقات أن رئيس المحاكم الشيخ شريف شيخ أحمد يعود الى المدينة منتصرا هذه المرة ومحاطا بمئات من الميليشيات الإسلامية بعد 4 سنوات من مغادرته لها عندما كان رئيسا للقضاء في المدينة، لكنه اضطر لتركها بعد ان اختلف مع حاكمها محمد عمر حبيب. وفي هذه السنوات الأربع جرت مياه كثيرة في بحر السياسة الصومالية وصعد نجم المحاكم الإسلامية بشكل مفاجئ لتكون العاصمة مقديشو ومحافظة شبيلي الوسطي (ومركزها جوهر) تحت سيطرتها لا ليشغل عناصرها مناصب قضائية فيها، ولكن كحكام جدد للمنطقة بأكملها.